كريتر نت – مارب
يخشى الخبراء الأمنيون أن يكون تنظيم القاعدة بصدد إعادة تجميع صفوفه في مأرب مستغلا حالة الصراع الميداني المستمر بين قوات الشرعية والحوثيين، في ظل معلومات تفيد بأن الجماعة المدعومة من إيران متورطة في عودة الجهاديين إلى المحافظة الإستراتيجية بغية اللعب على وتر مكافحة الإرهاب أمام المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب سياسية.
وأضعفت ضربات متتالية تعرّض لها على مدى سنوات فرع تنظيم القاعدة اليمني الذي كان يُعتبر أكثر أذرع الجماعة المتطرفة خطورة خارج أفغانستان، لكن عناصره يجدون في المعركة الدامية الدائرة حاليا بين قوات الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي المدعومة من إيران في الشمال أرضية لإعادة رص الصفوف.
وتعطي تأكيدات مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الحكومية اليمنية بأن المعركة الشرسة حول مدينة مأرب الإستراتيجية التي اندلعت الشهر الماضي والتي بدأت تخلق فراغا أمنيا يحاول استغلاله الجهاديون الساعون إلى استعادة نفوذهم وتجنيد المزيد من المقاتلين، دليلا على مدى المخاطر والتهديدات التي يمكن أن يشكلها التنظيم إذا استمرت الفوضى هناك.
ورغم أن معظم أطراف النزاع اليمني يفتقرون إلى حكم رسمي فعال يدير الجمهورية التي دخلت في أتون حرب مدمرة منذ أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، لكن هذا لا يعني أن هذه المناطق غير خاضعة للحكم، حتى لو لم يكن فعليا، أو ثمة من يمكنه الاستيلاء عليها، إلا إذا لم يكن هناك من يتواطؤ مع الجهاديين لتحقيق مكاسب سياسية.
تواطؤ الحوثيين
سعيد بكران: المواجهات في مأرب مكسب للقاعدة لترتيب صفوفه
يسعى الحوثيون لتوظيف ملف الإرهاب في اليمن لتحقيق مكاسب سياسية عبر التلويح بهذه الورقة في وجه المجتمع الدولي ومحاولة الإيحاء بأنهم يقومون بمحاربة التنظيمات المتطرفة في اليمن نيابة عن العالم.
وبعد تزايد الانتقادات الدولية الموجهة للحوثيين بسبب هجومهم المستمر والعنيف على محافظة مأرب التي تضم أكثر من مليوني نازح يمني، أصدرت الميليشيات تقريرا أمنيا يتضمن ادعاءات بتحول مأرب إلى “الشريان الرئيسي لتنظيم القاعدة في اليمن” والمعقل الرئيسي لقيادات التنظيم في مسعى لتبرير هجومهم على المحافظة.
وتتحدث تقارير إعلامية عديدة عن وجود علاقة غامضة بين الجماعة الحوثية وعدد من القيادات في تنظيمي القاعدة وداعش المتطرفين. وتشير تلك التقارير إلى تحاشي الحوثيين أي صدام مع معسكرات تنظيم داعش في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في الحدود بين محافظتي مأرب والبيضاء.
كما أشارت تقارير أخرى إلى إطلاق الحوثيين سراح عدد من عناصر الجماعات الإرهابية في مؤشر على السعي لتكرار التجربة الإيرانية في استثمار ملف الإرهاب لابتزاز المجتمع الدولي وإضعاف الخصوم.
ومنذ نشأته قبل 12 سنة اعتُبر تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب الأكثر فتكا في شبكة الجماعة المتطرفة على مستوى العالم، لكنه عانى في السنوات الثلاث الماضية من هزائم متعدّدة، حيث خسر أراضي ومقاتلين بينما يلف الغموض مصير قياداته.
وكشف مسؤول استخباراتي يمني رفض الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية أن عناصر القاعدة يعودون اليوم إلى تدريب مقاتلين، ويخططون لإعادة بناء العلاقات مع القبائل، ويسعون للحصول على دعم مالي محليا.
وبينما يتكبّد الطرفان الرئيسيان في حرب اليمن خسائر فادحة في معركة مأرب، فإن تنظيم القاعدة يستفيد من الفوضى والحرب ليتمدد ويتحرك بحرية في مناطق أخرى من المحافظة.
ومدينة مأرب عاصمة المحافظة الغنية بالنفط هي آخر معقل في شمال البلاد للقوات الموالية للحكومة الشرعية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية، ويحاول الحوثيون الذين يتحكمون بأجزاء واسعة من الشمال بعد سنوات من الحرب التي زجت باليمن في أسوأ أزمة إنسانية في العالم السيطرة على المحافظة دون جدوى.
ويقول مسؤول استخباراتي يمني لم تكشف وكالة الصحافة الفرنسية عن هويته إن الحرب في مأرب يمكن أن تنهي حملة الضغط الكبير التي كادت تقضي على القاعدة في اليمن في السنوات القليلة الماضية.
الفوضى محفز للقاعدة
مرة أخرى تطرح مسألة الفوضى في اليمن مشكلة كبيرة كونها ستغذي وجود طرف ثالث في أي نزاع، ومن ثم قد تزيد الأمور تعقيدا أكثر مما هي عليه اليوم، ومأرب دليل دامغ على ذلك.
وبحسب الباحث في الجماعات المتطرفة في اليمن سعيد بكران فإنه “من المنطقي أن يصبح استمرار المعركة في مأرب وعدم قدرة أي من الطرفين على الحسم مكسبا كبيرا للتنظيم ليعيد ترتيب صفوفه”.
ورغم أن تنظيم القاعدة الذي نشأ في شبه الجزيرة العربية خلال اجتماع لمقاتلين جهاديين في يناير 2009 في منطقة جبلية وعرة في أبين جنوبا، وكان عبارة عن زواج اضطراري بين فرعي القاعدة في اليمن والسعودية اللذين كانا يتعرضان في حينها لحملات عسكرية أميركية وإقليمية ومحلية ضارية، تعرض لضربات شديدة طيلة السنوات الأخيرة، لكن يبدو أنه مستعد لعقد تفاهمات وفق ما تقتضيه المرحلة.
ويؤكد أحد المصادر القبلية أن القتال يساعد الجماعة على إعادة تنظيم نفسها، فقد دفع تنظيم القاعدة بعناصره غير المعروفة والشباب للانخراط في صفوف “المقاومة” التي تقاتل الحوثيين للاستفادة من الدعم، في إشارة إلى الرواتب التي يتقاضاها هؤلاء على الأرجح من التحالف.
وتمكن فرع القاعدة الذي قاده اليمني ناصر الوحيشي ونائبه السعودي سعيد الشهري السجينان السابقان في صنعاء وغوانتانامو على التوالي، من التوسّع سريعا بينما كان اليمن بدأ يواجه حركة انفصالية في الجنوب وتمردا في الشمال وأزمة اقتصادية خانقة.
حسام ردمان: منذ 2009 كان للتنظيم ملاذات آمنة وأرضية للتحرك
وفي عام واحد جنّد التنظيم المئات من المقاتلين في المناطق الفقيرة بمساعدة القبائل بعدما قدّم نفسه على أنه بديل لنظام منهار، وجذب الجهاديين من آسيا وأفريقيا، وتبنى هجمات مميتة ضد القوات المحلية في اليمن وكذلك في السعودية، وحاول قتل مسؤول سعودي أمني نافذ هو الأمير محمد بن نايف حين كان نائبا لوزير الداخلية وتفجير طائرة مدنية أميركية.
وكان شبح القاعدة موجودا بقوة في اليمن قبل ذلك. وأعلن الفرع اليمني السابق للقاعدة مسؤوليته عن الهجوم على المدمرة “يو.أس.أس” كول قبالة مدينة عدن الجنوبية الذي أسفر عن مقتل 17 عسكريا أميركيا في عام 2000.
ويقول الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة حسام ردمان من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية إنه عند ولادة الجماعة في 2009 كانت لدى عناصرها “أرضية قوية للتحرك وملاذات آمنة”.
لكن التنظيم لم يبلغ ذروته إلا في 2014 عندما بدأ باجتياح البلدات ثم سيطر على مدينة المكلا الجنوبية في 2015 لمدة عام كامل، بينما كان منافسه الرئيسي تنظيم داعش يتمدد هو الآخر في العراق وسوريا.
وعندما قادت السعودية تحالفا عسكريا في اليمن في مارس 2015 بهدف وقف تقدّم الحوثيين كانت عينها على الجماعة المتطرفة أيضا. وتولت الإمارات العضو الرئيسي في التحالف زمام المبادرة وقامت قواتها بطرد تنظيم القاعدة من القرى الواحدة تلو الأخرى بمساندة القوات الأميركية وأسلحتها واستخباراتها.
وفي موازاة ذلك تمكنت المُسيرات والقوات الخاصة الأميركية من تحديد مكان القادة وقتلهم بمن فيهم الوحيشي في 2015. وبرز أمام التنظيم تحد آخر هو سعي داعش إلى التوسع، فتصارع الخصمان على الأرض وتقاتلا على مدى سنوات.
ويقول مصدر قبلي إن كل هذه العناصر أضعفت تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب الذي يواجه اليوم مشاكل مالية، وقد اتهم عدد من عناصره بالخيانة، بينما انضم آخرون الى داعش.
ووفقا لتقرير أميركي سنوي عن الجماعات الإرهابية في 2019، فإن فرع القاعدة في اليمن رغم كل ما تعرض له استغل الفراغ الأمني الناجم عن الصراع المستمر وشن هجمات في مناطق جنوب ووسط اليمن مع “إفلات نسبي من العقاب”.
المصدر : العرب اللندنية