كريتر نت – الكويت
إصرار التيارات الإسلامية في الكويت على تعديل الدستور بتضمينه عبارة تنصّ على وجوب مطابقة القوانين لأحكام الشريعة الإسلامية، رغم محدودية التعديل المقترح في ظاهره، يكشف عن عدم يأس الإسلاميين من محاولة فرض رؤاهم على الدولة والمجتمع وتحيّنهم الفرص لتمرير مشروعهم. وقد لاحت لهم في الوقت الراهن فرصة جديدة في ظل ما تشهده البلاد من أزمة صحيّة واقتصادية إضافة إلى أزمة العلاقة بين الحكومة والبرلمان التي ساهموا هم أنفسهم في خلقها.
وأحيت كلمات معدودة اقترح نائب بالبرلمان الكويتي إضافتها إلى مادّة في دستور البلاد جدلا حاميا كان قد اشتعل قبل سنوات وحسمه أمير البلاد السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح برفضه المقترح نفسه وذلك استنادا إلى سلطاته التي تشمل ضرورة موافقته على أي تعديل دستوري.
وبينما تنصّ المادة التاسعة والسبعون من دستور الكويت على أنّه “لا يصدر قانون إلاّ إذا أقرّه مجلس الأمّة وصدّق عليه الأمير”، تسعى قوى سياسية إسلامية منذ سنوات إلى جعل تلك المادّة تنصّ على أنّه “لا يصدر قانون إلاّ إذا أقره مجلس الأمّة وصدّق عليه الأمير، وكان موافقا للشريعة الإسلامية”.
وتعني الكلمات الأربع المراد إضافتها الكثير للمدافعين عن مدنية الدولة وللقوى السياسية والفكرية الكويتية المناهضة لقوى الإسلام السياسي بمختلف تفرّعاتها الإخوانية والسلفية والشيعية.
وتأتي في مقدّمة مخاوف المعترضين على تنقيح المادّة الدستورية أن يكون ذلك فاتحة لأسلمة الدولة الكويتية وبوابة لبدء تحقيق حلم الإسلاميين المستمر منذ عقود وجهودهم المتواصلة للسيطرة عليها وفرض رؤاهم على قوانينها ومؤسساتها وسياساتها.
ويرى المعترضون أنّ تركيز الإسلاميين على تلك المادّة الدستورية وإصرارهم على تعديلها وتحيّن الفرص لذلك تنطوي على مشروع كبير لأنّ التعديل المقترح يعني امتلاك الإسلاميين لجميع مفاتيح الدولة وسياساتها من خلال الإمساك بناصية تشريع القوانين وعدم السماح بتمرير أي قانون لا يتوافق مع أفكارهم وبرامجهم التي يقولون إنّها مستمدة من الشريعة.
إصرار وترصّد
أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد كان حاسما في رفض تعديل المادة الـ79 من الدستور معتبرا أنّه يؤدي إلى خلاف سياسي وفتنة مذهبية
طُرح اقتراح التعديل الدستوري القديم المتجدّد من قبل النائب صالح الشلاّحي من خلال مجلس الأمّة (البرلمان) الحالي الناتج عن انتخابات ديسمبر الماضي والتي حققت فيها المعارضة، لاسيما الإسلامية، نتائج جيّدة جعلتها في حالة من ارتفاع المعنويات والشعور بامتلاك ما يكفي من القوّة والقدرة على ممارسة الضغوط لتمرير مشاريعها التي تعثّرت خلال السنوات السابقة ومن بينها مشروع تعديل المادة التاسعة والسبعين من الدستور.
ويرى المدافعون عن تعديل تلك المادة أنّه يتوافق تماما مع محتوى المادّة الثانية التي تنصّ على أنّ “دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع”.
ويقول محمّد هايف المطيري الأمين العام لتجمّع ثوابت الأمّة السلفي والنائب السابق في البرلمان الكويتي، وكان قد أعاد في سنة 2017 الدفع بمقترح تعديل المادة الدستورية المذكورة “إن هذا التعديل ينفي جميع الشبهات التي أثيرت حول تعديل المادة الثانية في ما سبق، وليس لأحد عذر في ألا يوافق على هذا التعديل أو لا يقرّه”، معتبرا أنّ “الموافقة على التعديل هي موافقة على الشريعة الإسلامية، وإبراء لله عزّ وجل وللذمّة أمامه”، ومضيفا أنّ “الدستور ليس قرآنا لا يجوز تعديله بل الأمم عدّلت دساتيرها تعديلات متتالية، وهناك دول عدّلت دساتيرها كليا، فلكل عصر مستجدات وحاجة للنظر في الدستور”.
ولم تخل إعادة طرح تعديل المادّة الدستورية آنذاك بعد خمس سنوات على رفضه سنة 2012 من قبل الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد من معان سياسية تحيل على الإصرار واستمرارية المشروع باعتباره “واجبا دينيا” لا يحتمل المجاملة حتى ولو كان الطرف المعترض عليه يمثّل أعلى سلطة في البلاد، فضلا عن مكانته الاعتبارية وسلطته المعنوية.
وكان الشيخ صباح حاسما في رفض التعديل المقترح معتبرا أنّه “لا يجوز دستوريا”، وأنّه “يعارض نصوصا دستورية ويؤدي إلى خلاف سياسي وفتنة مذهبية”، مضيفا “الدستور الكويتي بطبيعته ذو توجه إسلامي بما تتضمنه مواده وألفاظه”، وأن “الشريعة الإسلامية بحر واسع عميق تتلاطم فيه الأمواج، وتتعدد الاتجاهات، وتتباعد فيه الآراء، وتختلف المرجعيات”.
وتساند عدة تيارات إسلامية كويتية على رأسها فرع جماعة الإخوان المسلمين ممثّلا بـ”الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) مقترح تعديل المادة التاسعة والسبعين من الدستور الكويتي لأنّه في نظرها “يتوافق مع ما جاء في المادة الثانية من الدستور الكويتي” بحسب ما ورد في بيان سابق للحركة.
ويعلم الإسلاميون مدى صعوبة تمرير التعديل الدستوري الذي يقترحونه، لكنّ ما يشجّعهم على تكرار المحاولة في هذا الظرف بالذات هو امتلاك المعارضة التي يمثلون جزءا وازنا منها لعدد كبير من مقاعد البرلمان، ووجود أرضية ممهّدة للضغط على السلطة بسبب التعقيدات الكبيرة التي تواجهها جرّاء الوضع الصحّي الناتج عن جائحة كورونا وكذلك الوضع الاقتصادي والمالي الصعب المترتّب عن الجائحة وتراجع أسعار النفط، فضلا عن أزمة العلاقة بين الحكومة والبرلمان والتي ساهم الإسلاميون أنفسهم في إيجادها وكانت قد أدّت إلى استقالة حكومة الشيخ صباح الخالد وتشكيل حكومة جديدة.
ويبيّن الخبير الدستوري محمد الفيلي أنّ اقتراح تعديل الدستور من الناحية الإجرائية يُقدّم من ثلث عدد أعضاء مجلس الأمّة (البرلمان) أو من قبل أمير البلاد حيث تتوجب موافقة أغلبية الأعضاء والأمير على التعديل من حيث المبدأ، موضّحا لصحيفة الرأي الكويتية أنّه كي تكون الموافقة نهائية فإنه تجب موافقة ثلثي نواب المجلس والأمير معا.
ويطرح الخبير ذاته إشكالية المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه في قياس مدى مطابقة القوانين للشريعة في حال تمّ تنقيح المادة التاسعة والسبعين من الدستور وشُرع في تطبيق ما تنصّ عليه الصيغة الجديدة لتلك المادّة، قائلا إنّ الأمر “بحاجة إلى آلية متفق عليها لضبط من الذي يخالف أو لا يخالف الشريعة الإسلامية، ووفق أي رأي من الآراء الفقهية”.
مرجعية مفتعلة
بالإضافة إلى الصعوبات الإجرائية التي تواجه مساعي إسلاميي الكويت لإدخال تعديلهم المنشود على الدستور، واجه المقترح موجة واسعة من الرفض والاعتراض لخّصها بيان للحركة التقدمية الكويتية نشرته الحركة على موقعها في شبكة الإنترنت ووصفت فيه اقتراح تنقيح المادة التاسعة والسبعين من الدستور بأنّه “محاولة لشقّ الصفوف الشعبية وإشغال الناس عن أولوياتها وخطوة لإلغاء الطابع المدني للدولة”.
وقالت في بيانها إنّ “تنقيح المادة التاسعة والسبعين من الدستور بحيث لا يصدر قانون بعد إقراره من مجلس الأمّة وتصديق الأمير عليه، إلا إذا كان متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية، من شأنه أن يفرض جهة جديدة غير منتخبة تمثل مرجعية دينية وتكون كلمتها فوق سلطة مجلس الأمّة وسلطة الأمير الشريكين الدستوريين في السلطة التشريعية عند سنّ القوانين، بحيث تكون لهذه الجهة المرجعية الدينية سلطة الفصل في مدى توافق أي قانون يتم تشريعه مع الشريعة من عدمه، وهذا ما يتجاوز أيضا أحكام المادة الثانية من الدستور المتصلة بكون الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع”.
مراوحة دستورية بين الديني والمدني
المادة 2: دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.المادة 6: نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمّة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبيّن بهذا الدستور.المادة 35: حرية الاعتقاد مطلقة. وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخلّ ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب.المادة 79: لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمّة وصدّق عليه الأمير.
وأضاف البيان “من دون مبالغة فإنّ مثل هذا التعديل للدستور سيؤدي في حال إقراره إلى إلغاء الطابع المدني للدولة الكويتية والعمل على تحويلها إلى دولة دينية، وهو المشروع الذي ابتليت به عدد من البلدان والشعوب العربية وذاقت الأَمَرّين من ويلاته جرّاء التطرف والتزمت والتضييق على الحريات وخصوصا الحريات الشخصية وحرية الاعتقاد، والوصاية على حياة الناس والتدخل في شؤونهم الخاصة واختياراتهم ونوعية حياتهم، وكذلك تقييد حرية التعبير والإبداع الفني والثقافي، ناهيك عن تكريس الطائفية”.
ودعت الحركة التقدمية من سمّتها “القوى الحية في المجتمع الكويتي” إلى رفض اقتراح تعديل المادّة الدستورية “والتصدي لمساعي إلغاء الطابع المدني للدولة وتحويل الكويت إلى دولة دينية، والتأكيد على أن أي تنقيح للدستور يجب أن يكون نحو المزيد من الحريات والمكتسبات الديمقراطية”.
وإضافة إلى هذه الاعتراضات أدلى الخبراء القانونيون بدلوهم في مواجهة مقترح تعديل المادة الدستورية استنادا إلى ما سيحدثه من فوضى قانونية. ويقول الخبير الدستوري هشام الصالح إنّ “مقترح تعديل المادة التاسعة والسبعين من الدستور يتعارض مع المادة الثانية منه التي أجازت الأخذ بالشريعة الإسلامية وأيضا أجازت الأخذ بغير الشريعة الإسلامية”.
ويضيف متحدّثا لوكالة الأناضول أنّه “إذا جرى تعديل هذه المادة وإضافة عبارة مع الأخذ بالشريعة الإسلامية، سنكون أمام نصين متعارضين، ومن المستحيل أن يتم التوافق بينهما، بل يؤديان إلى التناقض في أحكام هذا الدستور”.
ويوضّح أن “الدستور الكويتي في المادة 174 اشترط أن يكون التعديل للمزيد من الحريات والمساواة”، معتبرا أن “الحديث عن تعديل المادة التاسعة والسبعين يتضمن تحويل الكويت من دولة مدنية إلى دولة دينية، وبالتالي ففيه اعتداء على الحريات ومحاولة فرض الوصاية على المجتمع”.
كما يحذّر من أنّ التعديل الذي يسعى إليه الإسلاميون “سيؤدي إلى إشكاليات دستورية وفوضى قانونية بحيث سيتم الطعن في جميع القوانين القائمة حاليا، باعتبارها تتعارض مع نص المادة التاسعة والسبعين إذا تم تعديلها وبالتالي ستكون عرضة للبطلان والإبطال باعتبارها غير دستورية وتخالف النص الجديد، فبعض القوانين الراهنة لا تتفق مع الشريعة الإسلامية”.
خطر على المجتمع
يرى معترضون على إقحام التنصيص على مطابقة القوانين للشريعة الإسلامية ضمن مواد الدستور أنّ الأخطار تتجاوز الدولة لتطال المجتمع ووحدته الداخلية.
ويقول راكان النصف النائب السابق في مجلس الأمّة إنّه يرفض أسلمة القوانين والتشريعات التي يرى أنّ من الواجب أن تكون موائمة لجميع السكان في الدولة.
ويلفت إلى أنّ التعديل الدستوري المقترح يخالف نص المادة الخامسة والثلاثين من الدستور والتي تنص على أنّ “حرية الاعتقاد مطلقة”.
ويرى بشار الصايغ أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي أن “التعديل المقدم يمثل انتكاسة خطيرة للديمقراطية والدولة المدنية”، وأن من شأنه في حال تمريره أن “يستبدل التشريع القانوني بالفتاوى الدينية ويفرغ مواد الدستور من محتواها ويجعل الدولة رهينة الفتاوى والإسلاميين فقط ويصادر آراء الآخرين وتنوعهم الديني والفكري وحقوق الأقليات”.
غير أنّ مدنية الدولة التي يدافع عنها معارضو تعديل الدستور الكويتي لا تمثّل جزءا من الثوابت لدى الإسلاميين ولا خطّا أحمر لا يمكن تجاوزه، “فالكويت ليست دولة مدنية ولا يوجد في دستورها ما ينصّ على ذلك” بحسب النائب والوزير السابق أحمد باقر عضو التجمّع السلفي الذي يقول إنّه “لا يوجد في الدستور بأكمله وصف للكويت بأنها مدنية وإنما جاء في الدستور أن دينها الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع”، مضيفا “إذا كانوا يقصدون أن الكويت دولة علمانية، فنقول إنه لا توجد دولة علمانية واحدة في العالم ينص دستورها على أن الدين مصدر رئيسي للتشريع”.
كما يرى باقر أنّ المذكرة التفسيرية للدستور نصت على أن “يوجه المشرع وجهة إسلامية أساسية.. وأن يُحمّل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك”.
ويرد النصف على ذلك بالقول إنّ “المادة السادسة من الدستور أكدت أن نظام الحكم في الدولة ديمقراطي السيادة فيه للأمة”، معتبرا أن “هذا النص يؤكد على مدنية الدولة”.
وعن المذكرة التفسيرية للدستور يقول النصف إنّها “بينت أن النظام الديمقراطي الذي تبناه الدستور وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما”، مشددا على أن “تلك الأنظمة لا وجود لها في الشريعة الإسلامية، بل هي أنظمة مدنية”.
المصدر : العرب اللندنية