كريتر نت – العرب
الدولة العراقية لا تتّجه نحو استعادة هيبتها وفرض قوانينها رغم ما يدور من حديث بشأن جهود تبذل لتحقيق ذلك، بل إنّ تحرّكات الميليشيات على الأرض وأنشطتها المعلنة واستعراضاتها المسلّحة المتحدّية للسلطات السياسية والأمنية في قلب العاصمة بغداد تظهر أنّ الدولة تسلك مسارا عكسيا باتّجاه المزيد من فوضى السلاح وتغوّل الفصائل ذات الارتباطات والأهداف العابرة لحدود الدولة نفسها.
وشهدت شوارع العاصمة العراقية بغداد الخميس استعراضا مسلّحا أقامته إحدى الميليشيات الشيعية وأظهرت خلاله قدرا كبيرا من التحدّي لسلطة الدولة، رافعة لافتات وشعارات مهينة لبعض كبار المسؤولين، ومهدّدة باستهداف المصالح الأجنبية على الأراضي العراقية.
وعلى متن العشرات من الشاحنات رباعية الدفع وغير الحاملة لأرقام قام الخميس عناصر ميليشيا ربع الله باستعراض للقوة في شوارع بغداد، وذلك في تصعيد للتوتر القائم مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي يستعد لاستئناف الحوار مع الولايات المتّحدة.
وجاء الاستعراض غداة دعوة وجّهها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يمتلك بدوره ميليشيا مسلّحة تحمل اسم سرايا السلام لضبط فوضى السلاح، عارضا مساعدة الحكومة على ذلك.
مقتدى الصدر: الجهة التي استعرضت في بغداد تنتمي إلى الحشد الشعبي
وأصبح استعراض الميليشيات لقوّتها أمرا شائعا في العراق، فقد نفذت سرايا السلام عرضا مشابها في بداية فبراير الماضي اُعتبر رسالة من الصدر لخصومه في مرحلة الاستعداد للانتخابات المبكّرة التي يسعى التيار الصدري من خلالها للحصول على أغلبية في البرلمان.
وانتقد الصدر قيام ميليشيا ربع الله بالاستعراض واصفا ذلك بأنّه “كسر لهيبة الدولة”. وقال في تغريدة على تويتر إنّ “الجهة التي قامت بالاستعراض كانت تنتمي إلى الحشد الشعبي. وعلى الحشد معاقبتها. وعلى الحكومة الحيلولة دون ذلك مرة أخرى”. وأضاف “اللجوء إلى السلاح لتحقيق المطالب أمر مرفوض، ولعل تلك الميليشيا تظن أنها ستنال تعاطف الشعب معها”.
وتبرّأت هيئة الحشد الشعبي من الفصيل الذي قام بالاستعراض في بغداد. ونفت في بيان “وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد داخل العاصمة بغداد”.
وقالت إن “تحركات قوات الحشد الشعبي تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة”، مبينة أن “ألوية الحشد تسمى بالأرقام لا بالمسميات الأخرى، كما أن مديرياته تحمل التسميات الرسمية المعروفة”.
ويقول خبراء إن ميليشيا ربع الله مجرد واجهة لكتائب حزب الله أحد فصائل الحشد المنضوي في القوات الأمنية العراقية، لكن الاسم الوهمي يسمح لها بانتقاد السلطات وتنفيذ عمليات مع تفادي الرد.
وظهرت الميليشيا في بادئ الأمر في تظاهرات ضد قناة فضائية معروفة بخطها التحريري الناقد للميليشيات وقد انتهت بحرق مقرّها، وتلا ذلك قيام الميليشيا ذاتها بحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني إثر تصريحات أحد قادته ضد الحشد الشعبي. وبعد ذلك رحّبت الميليشيا بعمليات تفجير وحرق متاجر كحول في بغداد.
وجال مسلحو ميليشيا ربع الله الخميس في بغداد، رافعين صور الكاظمي ومسؤولين آخرين وعليها آثار دوس بالحذاء، وقد ارتدوا ملابس عسكرية وأقنعة عليها شعار الميليشيا التي ظهرت حديثا مع عدد آخر من الفصائل التي يعتقد أنّها تسميات مستعارة لميليشيات موجودة من قبل.
وقالت الميليشيا في بيانها إنّ “الشعب العراقي يعيش بين ظلمات الاحتلال الأميركي الغاشم وحكومة متواطئة عميلة له”. وأضافت أن الاستعراض هو “رسالة تهديد للأميركي وعملائه”.
واستهدفت الميليشيا أيضا بشعاراتها ولافتاتها المسيئة وكيل الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية الفريق أحمد أبورغيف. وحملت إحدى اللافتات عبارة “أيها السيء سنقطع يدك بمجرد المساس بالمقاومة”.
وتشير العبارة الأخيرة إلى قيام القوات الأمنية الثلاثاء بتوقيف شخص جرح في حادث انفجار دراجة نارية في منطقة المشتل ببغداد وتبيّن لاحقا أنه عنصر من ميليشيا ربع الله كان مع شخص آخر على متن الدراجة المحمّلة بالمتفجّرات وفي الطريق لتنفيذ إحدى العمليات.
استعراض للقوة
وقد قتل سائق الدراجة بينما نُقل مرافقه تحت حراسة أمنية إلى إحدى المستشفيات حيث هاجم عناصر من الميليشيا المستشفى وقاموا بنقل الجريح إلى مكان مجهول وذلك قبل أن يستمع المحقّقون إلى أقواله.
وقالت مصادر عراقية إنّ تركيز الميليشيا في شعاراتها وبيانها على الولايات المتّحدة يشير إلى وجود بصمة إيرانية واضحة على الاستعراض ضمن تنويع طهران لوسائل ضغطها على واشنطن باستخدام وكلائها في المنطقة من اليمن إلى العراق مرورا بلبنان.
وجاء الاستعراض بعد إعلان مسؤول في الحكومة العراقية الثلاثاء أن بغداد دعت رسميا واشنطن إلى حوار استراتيجي جديد في ظلّ إدارة الرئيس جو بايدن.
وجاء الاستعراض بعد إعلان مسؤول في الحكومة العراقية الثلاثاء أن بغداد دعت رسميا واشنطن إلى حوار استراتيجي جديد في ظلّ إدارة الرئيس جو بايدن.
ويتعين على بغداد التي تعتبر حكومتها الحالية مقربة من واشنطن أكثر من سابقاتها، التطرق خصوصا إلى قضية 2500 جندي أميركي لا يزالون منتشرين في العراق وصوّت البرلمان العراقي على انسحابهم منذ أكثر من عام.
وخلال استعراض ربع الله في بغداد تلا أحد عناصر الميليشيا بيانا وصفه بأنه “رسالة تهديد للأميركي وعملائه”.
وفي مظهر على تدخل الميليشيات الشيعية بقوة في الشأن السياسي وحتى الاقتصادي، طالبت ميليشيا ربع الله في بيانها بـ”خفض سعر الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي” الذي خفض البنك المركزي قيمته في ديسمبر بنحو 25 في المئة في مقابل الدولار.
وتعد قضية سعر الصرف في مقابل الدولار قضية في غاية الأهمية في العراق الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية، لاسيما للجماعات الموالية لإيران، إذ أن طهران التي تخنقها العقوبات الأميركية تعتبر العراق منذ فترة طويلة سوقا توفر لها العملة الأجنبية.
ودعا البيان أيضا مجلس النواب للتصويت على الموازنة بأسرع وقت ممكن، فيما لا تزال المفاوضات بشأنها متعثرة بسبب حصة إقليم كردستان في الموازنة الاتحادية. وقد دعت الميليشيا لعدم تسليم حصة الإقليم وذلك في انعكاس للخلافات القائمة حاليا بين الفصائل والأحزاب الشيعية من جهة، والأحزاب والقيادات الكردية من جهة مقابلة، حيث تسعى تلك الفصائل والأحزاب لكسر ما تعتبره تحالفا مضادّا لمصالحها بين رئيس الوزراء وقيادات كردستان العراق.