كريتر نت – العرب
تظهر أحدث المؤشرات أن النزاعات حول العالم تفاقمت بشكل مقلق في السنوات الخمس الأخيرة وسط مزيج من الدوافع الأيديولوجية والقومية والعرقية والاقتصادية. وهذا الوضع أنتج خليطا من الهواجس لدى المتخصصين والخبراء بشأن طبيعة التغيرات التي يمكن أن تحدث في المستقبل إذا استمر تنامي الصراعات بهذه الوتيرة.
وحظيت الصراعات في مختلف أنحاء العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي باهتمام غير مسبوق، وقد تزايد التركيز عليها من قبل مراكز الأبحاث المعنية بالحروب منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 بشكل كبير بهدف شرح الأسباب الكامنة وراء تنامي نزعة الدول إلى هذا الاتجاه وفهم أعمق لما يجري.
وفي حين أن تعامل الباحثين والمؤرخين بواقعية مع كل تلك الحروب كان مفيدا في تفسير سلوك الأنظمة القائمة والجماعات المسلحة وغاياتها الدخول في هذا المنحى الفوضوي، إلا أنه لم يكن كافيا لدى آخرين في تفسير ما يحدث داخل البعض من الدول، التي لديها حكومات قوية، وينبع نهمها للحروب من دوافع أخرى غير القوة والأمن.
ورصده معهد الأبحاث الدولية للصراعات (هييك) في هايدلبرغ بألمانيا الذي يهدف إلى تسجيل الصراعات بأكبر قدر ممكن من الدقة وتزويد أعمال البحث في أسباب الصراعات بمجموعة بيانات تصلح لإجراء تحليلات واسعة النطاق، حيث أشار في تقرير حديث إلى أن عدد الحروب حول العالم بلغ مستوى قياسيا منذ العام 2014، وقد تسببت في فقدان الملايين من الناس لأساسيات الحياة ونزوح الكثيرين عن أوطانهم، كما فقد آخرون حياتهم.
وأدت الطبيعة المتنوعة للحروب إلى إحباط الجهود المبذولة لتطوير وسيلة شاملة لتسويتها بسبب سياسة العسكرة التي تتبع بها القوى العالمية، وفي المرحلة التي أصبح فيها النزاع المسلح شأنا داخليا بشكل شبه حصري في كثير من الأحيان، تظل التعميمات المفيدة للأسباب والعلاج بعيدة المنال.
معهد هييك الألماني : عدد الحروب في مختلف مناطق العالم بلغ أعلى مستوى له منذ 2014
وبحسب خبراء المعهد الذي يضم كلا من معهد الأبحاث الدولية للصراعات، الذي تم تأسيسه في 1991 ومجموعة البحث (نظام معلومات الصراع)، التي انضمت إلى المعهد في العام 2005، فإن الأسباب الرئيسية لهذه الصراعات تتمثل بشكل أساسي في التوجه الأيديولوجي للنظام السياسي أو التوجه الديني أو القانوني أو الاجتماعي الاقتصادي ثم تأتي في المرتبة الثانية الصراعات على المواد الخام والاستفادة منها.
ورغم تفجر عدة نزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العشرية الأخيرة، وخاصة في سوريا واليمن وليبيا، والتي حصدت أرواح الآلاف من الناس ودمرت البنى التحتية فيها بشكل كلي، إلا أن المعهد أكد أن أكثر المناطق تضررا من الحروب كانت منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا، والتي شهدت 11 حربا.
وأوضح المعهد أن عدد الحروب ارتفع من 15 حربا في 2019 إلى 21 العام الماضي، منها 13 حربا متواصلة، وسبعة صراعات تطورت إلى حروب، ومنها الصراع في اليمن والصراعات بين جماعات متطرفة وحكومتي الكونغو وموزمبيق، فضلا عن صراع أخذ شكل الحرب في إقليم تيغراي بإثيوبيا، وأيضا التوتر بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني قره باغ.
وكانت أكثر المناطق تضررا من الحروب في العام 2019، فكان إقليم غرب آسيا، وشمال أفريقيا وأفغانستان. وأحصى المعهد العام الماضي قرابة 359 صراعا في أنحاء العالم، مقابل 358 في العام السابق، بينها 139 صراعا غير عنيف.
وتشهد منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا المليئة بالصراعات، والتي يقطنها قرابة 920 مليون نسمة، العديد من النزاعات، بينها خمس حروب جديدة. وكان من بين الدول المتضررة من هذه الحروب جنوب السودان ونيجيريا والكونغو الديمقراطية وموزمبيق والصومال وإثيوبيا. ولم يرصد المعهد أي نوع من التهدئة في أي صراع في هذه الدول.
الطبيعة المتنوعة للحروب أدت إلى إحباط الجهود المبذولة لتطوير وسيلة شاملة لتسويتها بسبب سياسة العسكرة التي تتبع بها القوى العالمية
وتعتبر الصراعات المسلحة أحد الدوافع الرئيسية للطبيعة المتقلبة للإنفاق العسكري بالنسبة إلى الدول، ومن الواضح أنها لم تتأثر بجائحة كورونا، التي جعلت الحكومات تدخل في نوبة من التفكير في كيفية مواجهة تداعياتها على ميزانياتها الدفاعية السنوية.
وذكر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني في تقرير نشره مطلع الشهر الجاري أن الإنفاق العسكري العالمي، يدعمه خصوصا تعزيز قدرات البحرية الصينية، سجل رقما قياسيا في العام الماضي، ليصل إلى 1.83 تريليون دولار بزيادة من حيث القيمة الحقيقية بنسبة 3.9 في المئة بمقارنة سنوية، وسط تزايد التنافس بين القوى العظمى والسباق على حيازة التقنيات الجديدة.
ولا شكّ أنّ هذا النوع من الإنفاق المتواتر للحكومات زاد من سباقات التسلح التي شهدها العالم، وبلغت أوجها زمن الحرب الباردة، ومازالت متواصلة اليوم رغم الكمّ الهائل من الاتفاقيات التي أبرمت من أجل تنظيم هذا المجال، ورغم دعوات الأمم المتحدة المتكررة لكبح هذا السباق الذي لن يؤدي إلا لتنامي النزعة إلى الدخول في حروب جديدة.
ويقول خبراء عسكريون إن تزايد حجم التسليح أصبح كشرّ لا بدّ منه خاصّة بالنسبة إلى البلدان التي تسعى إلى حفظ أمنها الإقليمي والقومي وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، وكذلك بالنسبة إلى الشركات الصانعة للأسلحة التي تريد بدورها الحفاظ على مصالحها وأسواقها الحيوية.
ولا يقتصر تأثير الحروب والصراعات في العالم على البشر والمعدات العسكرية والأبنية فحسب، بل تستهدف الطبيعة أيضا وتهدد التوازن البيئي والحياة البرية. كما أن تأثير الأسلحة والمواد الكيمياوية المستخدمة يستمر في الطبيعة، رغم مرور العشرات من السنوات على النزاعات.
وعلى سبيل المثال، أشار تقرير أعده مركز باكس الهولندي للدراسات بعنوان “وسط الأنقاض.. تأثير الصراع في سوريا على البيئة وصحة السكان” إلى أن العديد من حقول النفط أصبحت غير قابلة للاستخدام مرة أخرى بسبب هذه العمليات.