كريتر نت – القاهرة
اختار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قناة السويس، التي تحظى باهتمام إعلامي واسع على خلفية حل أزمة السفينة العالقة، ليطلق تهديدا حادا لإثيوبيا بشأن أزمة المياه المندلعة بين البلدين واعتبر أن المساس بحصة مصر “خط أحمر”، وهو ما قد يكون له تأثير داخلي إيجابي في حين قد يؤدي إلى تعميق الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا.
ووصل السيسي إلى هذه النقطة عقب تردد طويل وبعد أن فاض به الكيل من مراوغات إثيوبيا في مفاوضات استمرت نحو عشر سنوات وأمضت وقتا طويلا في تدارس تفاصيل كثيرة دون أن تقدم نتيجة ملموسة وتتوصل إلى اتفاق مُلزم يحافظ على مصالح الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان.
ويقول مراقبون إن مصر تتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في ملف سد النهضة، وأن الرئيس السيسي تعامل خلال السنوات الست الماضية بحسن نية مبالغ فيها مع الطرف الآخر الذي كان همه الوحيد ربح الوقت وفرض سياسة الأمر الواقع على القاهرة والخرطوم، وهو ما حصل وبات من الصعب الآن دفعه إلى التراجع.
وأشار المراقبون إلى أن التلويح بالخيار العسكري قد يفيد النظام داخليا ويساعده على تبديد مخاوف المصريين واستعادة ثقتهم بعد تزامن الأزمات الخاصة بقناة السويس وحوادث القطارات وانهيار المباني وانتشار الحرائق، لافتين إلى أن التلويح بالقوة قد يزيد من توسيع دائرة الأزمة مع إثيوبيا ويعرقل المفاوضات، خاصة أن اللجوء إلى الخيار العسكري أمر صعب التنفيذ.
واتبعت أديس أبابا تكتيكا يقوم على المراوغات في كل جولة تفاوضية، وإضاعة الوقت قدر المستطاع، في حين كانت القاهرة تراهن على الوساطات الخارجية والضغوط خاصة في فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لكن الدور الخارجي لم يكن له أي تأثير على رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد الذي اتسم موقفه بالتصلب.
وقال الرئيس المصري الثلاثاء “لن يستطيع أحد أن يأخذ نقطة ماء واحدة من مصر”، مشددا على أن “ذراع مصر طويلة وقادرة على مواجهة أي تهديد.. المساس بمياه مصر خط أحمر وسيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل”.
وأكد في تصريحات له، على هامش زيارة تفقدية لمرافق قناة السويس بعد يوم من حل أزمة السفينة الجانحة في ممر القناة، “أن حوارنا رشيد جدا وصبور جدا ولا أحد يتصور أنه سيكون بعيدا عن قدراتنا ورد فعلنا على المساس بمياه مصر”.
ورغم تلويحه بـ”الخط الأحمر” أعلن السيسي تمسكه بمسار التفاوض، قائلا “معركتنا معركة تفاوض والعمل العدائي مرفوض.. لكن إذا تأثرت إمداداتنا المائية فإن رد مصر سيتردد صداه في المنطقة”.
ولا يخلو حديث الرئيس المصري عن الخط الأحمر مع إثيوبيا من مغزى عاطفي داخلي، حيث يميل قطاع كبير من المواطنين إلى تبني هذا الخيار، فأراد أن يرضي هذا الكبرياء بالتزامن مع الترويج لنجاح مصر في تجاوز أزمة قناة السويس بأخف الأضرار.
وجاء خطاب السيسي الذي اتسم بالتصعيد بعد أن أبلغت أديس أبابا المبعوث الأميركي للسودان دونالد بوث، الثلاثاء، بأنها ستمضي في عملية الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، وأنها جزء من عملية بناء السد التي تخطط لها، في إشارة إلى عدم التنازل عن موقفها وأنها لن تستجيب لموقفيْ مصر والسودان.
اللواء محمد الشهاوي: تغيير اللهجة المصرية يرجع إلى اقتراب موعد الملء الثاني للسد
وأوضح مستشار كلية القادة والأركان التابعة للجيش المصري اللواء محمد الشهاوي أن تصريحات السيسي تضمّنت تأكيدًا على أن مصر لن تدخر جهدا في المفاوضات، لكن “إذا لم تنصع إثيوبيا فجميع الخيارات ستكون مفتوحة، وبكافة الوسائل المتاحة لإزالة الجمود الراهن”.
وأضاف الشهاوي، في تصريح خاص لـ”العرب”، أن تغيير اللهجة المصرية يرجع إلى اقتراب موعد الملء الثاني للسد، والذي سيكون في يوليو المقبل، مع عدم وجود حلول تلوح في الأفق لثني إثيوبيا عن رغبتها الحثيثة في الملء والتشغيل بشكل أحادي، وأضحت هناك ضرورة للتلويح بوسائل غير تقليدية للحفاظ على الأمن القومي المصري.
وشدد على أن جميع الحلول مطروحة أمام القيادة السياسية، بما فيها استخدام الحل العسكري حال لم يجر التوصل إلى اتفاق قانوني ومُلزم لملء السد وتشغيله، “وهذا هو الوقت المناسب للتأكيد على امتلاك مصر قدرات عسكرية تمكنها من الدفاع عن أمنها القومي، وهو أمر لا يتكرر إلا إذا كانت الأزمة تشكل تهديدا مباشرا لوجود ومستقبل الدولة”.
وهذه أول مرة تلوّح فيها مصر رسميا باستخدام القوة في أزمة سد النهضة، حيث درجت على التمسك بطريق التفاوض دون تلميح بالحل العسكري الذي كانت تروج له أديس أبابا كنوع من التحريض على مصر.
وجاء خطاب السيسي بعد حدوث تقدم واضح في العلاقات مع السودان، ووصل التعاون والتنسيق معه في سد النهضة إلى مستوى متقدم، مثّل ضغطا كبيرا على إثيوبيا، وضيّق الخناق حول رقبتها، وزادت الردود الإيجابية التي تلقتها القاهرة من دول حوض النيل أخيرا والتي تنصح بضرورة التوصل إلى اتفاق مُلزم.
وأبدت الولايات المتحدة في عهد جو بايدن اهتمامها بالملف، ورحب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بدعوة السودان إلى تشكيل لجنة رباعية تضم أيضا الاتحاد الأفريقي، بينما تصر إثيوبيا على رفض هذه اللجنة كنوع من التسويف.