كريتر نت – الرياض
وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الضغوط الخاصة بقضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وراء ظهره وعاد إلى الواجهة بعدد من المبادرات ذات الأهمية القصوى كما أجرى اتصالات مع عدد من الشخصيات الإقليمية.
وأعلن الأمير محمد بن سلمان مساء الثلاثاء عن عمل صندوق الاستثمارات العامة “الصندوق السيادي للمملكة” مع صناديق أخرى للثروة السيادية في المنطقة بشأن تأسيس صندوق يسمى “استثمر في السعودية” بحجم يصل إلى تريليون ريال.
عماد المديفر: الإساءة للسعودية أضحت وسيلة دعائية لدى السياسيين الأميركيين
وقالت أوساط خليجية إن ولي العهد السعودي تعامل بهدوء مع ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة ومع محاولة جر اسمه في تقرير خاشقجي، لافتة إلى أن السعودية فهمت أن تزامن خروج التقرير مع قرارات أميركية بشأن حرب اليمن ووقف بيع الأسلحة هدفه الضغط السياسي عليها وليس البحث عن الحقيقة في قضية سبق أن اعترف السعوديون بدورهم فيها.
ومثّل التجاوب السعودي مع سلسلة المبادرات المتعلقة باليمن وعودة الحديث المباشر مع ولي العهد تأكيدا على أن موقف الأمير محمد بن سلمان متجاوب وأنه الشخصية المحورية التي يمكن التعامل معها في ملف اليمن المعقد.
واعتبر مصدر خليجي أن الأمير محمد بن سلمان، وكعادة المسؤولين السعوديين، اختار الصمت تجاه الضغوط والاتهامات الموجهة إلى شخصه لمعرفته أن الأمر موكول للوقت، وأن الضغوط جزء من أجندة الإدارة الجديدة في تحصيل مكاسب وخاصة إرضاء لوبي حقوق الإنسان الذي يريد أن يستخدمها لاستهداف السعودية.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ”العرب” أن ولي العهد السعودي كان يتوقع هذه الهجمة على شخصه لمعرفته بأن دوائر أميركية داعمة لصعود جو بايدن تستهدفه في شخصه لكونه يقود خيار الإصلاحات، وأن هذه الدوائر ترفض أيّ تغييرات في المملكة تجعلها تعتمد على ذاتها وتدعّم استقلالية القرار السعودي في اختيار الشركاء تجاريا واقتصاديا وعسكريا.
لكن صدور التقرير الاستخباري بشأن قضية خاشقجي وكذلك التصريحات الأميركية بعد وصول بايدن لم يكونا يعنيان أن واشنطن راغبة في فتح الملف، أو في توتير العلاقة مع السعودية ذات الأهمية الاستراتيجية للأميركيين، وهو ما بدا واضحا في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن حين قال إن “تمزيق العلاقة (مع الرياض) لن يساعدنا في الواقع على تعزيز مصالحنا أو قيمنا”.
وقال الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط البروفسور إف غريغوري غوز في مقال نشرته “فورين أفيرز” إن الذين ينتقدون مواقف بايدن من المسألة “تغيب عنهم ثابتة أنّ (الأمير) محمد بن سلمان أصبح ركيزة راسخة في هيكل صنع القرار السعودي، وذلك بدعم من والده الملك سلمان”.
وأضاف “الولايات المتحدة تحتاج إلى تعاون مع السعودية في الأمور الأمنية الملحة في كل من اليمن والمنطقة، ولهذا سيتعين عليها التعامل مع محمد بن سلمان”.
بدورها لم تنخرط السعودية الرسمية في الردود على التصريحات والمواقف التي تستهدفها بوجه مكشوف أو مقنّع خاصة في الإعلام القطري الذي عمل على استثمار التقرير، بالرغم من المصالحة، لإكمال حملته السابقة التي تستهدف ولي العهد السعودي كشخصية قيادية مستقبلية في المنطقة.
وتنظر السعودية إلى المصالحة من زاوية مختلفة، فهي ترى أن قمة العلا منحت المنطقة فرصة تهدئة إعلامية لكي تلتفت إلى قضاياها الأساسية وعدم التهويل.
وقال الباحث السعودي في العلاقات الدولية عماد المديفر إن وليّ العهد مارس نشاطه المعتاد في نفس يوم إصدار تقرير وكالة المخابرات الأميركية عندما افتتح سباقات الـ”الفورملا إي” وسط ترحيب شعبي واسع بعد أن أجرى إذّاك عملية جراحية تكللت بالنجاح.
غازي الحارثي: محاولات عزل المملكة وولي عهدها باءت بالفشل
وعزا المديفر في تصريح لـ”العرب” التقرير الأميركي إلى فكرة الابتزاز لأن سياسات الديمقراطيين وتصريحاتهم كانت حريصة على محاولة احتواء أيّ آثار سلبية ناجمة عنه تجاه العلاقات السعودية الأميركية أكثر من السعوديين أنفسهم. وقال “لو وضعنا التقرير في نصابه فإن ذلك يكشف بجلاء وجود مشكلة حقيقية في صورة السعودية وسمعتها لدى الناخب الأميركي، حيث أضحت الإساءة إلى المملكة وسيلة دعائية يستخدمها المرشحون للرئاسة الأميركية للفوز بالانتخابات وجدنا ذلك جلياً بشكل خاص في السباق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة”.
واستعاد ولي العهد السعودي نشاطه بشكل اعتيادي من خلال لقاءات مع شخصيات خارجية تزور المملكة مثل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وأجرى اتصالات مع قادة في المنطقة.
وكشف الأمير محمد بن سلمان مساء الثلاثاء عن “الصندوق السيادي للمملكة”. وقال إن “حجم الصندوق قد يتراوح من 500 مليار ريال إلى تريليون ريال”.
وأضاف ولي العهد السعودي أن شركة أرامكو النفطية وشركة البتروكيماويات “سابك” ستشكلان 60 في المئة من استثمارات مزمعة بقيمة خمسة تريليونات ريال لشركات من القطاع الخاص السعودي بحلول عام 2030 في ظل برنامج جديد.
وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن “المملكة ستنفق خلال الـ10 سنوات المقبلة أكثر مما أنفق خلال الـ300 سنة الماضية”.
واعتبر المعلق السياسي غازي الحارثي في تصريح لـ”العرب” أن النشاط العالي الذي ظهر عليه ولي العهد السعودي لا ينظر إليه داخليًّا باعتباره وليد اللحظة، بل هو تكريس لنشاط تنموي ونهضوي عال تحظى به البلاد هذه الأيام بالذات.
وأضاف أن النشاطات الدولية للأمير محمد بن سلمان هي رسالة واضحة تشير إلى أن محاولات عزل المملكة وولي عهدها القوي منذ 2018 باءت بالفشل وأن كل ذلك يعزز بوضوح المكانة الإقليمية الهامة للرياض.
المصدر : العرب اللندنية