طهران التي تعلن تخليها عن شعار لا شرقاً ولا غرباً تحتاج إلى بكين للخروج من العزلة الدولية وإنعاش اقتصادها من خلال العضو الدائم لمجلس الأمن
كتب : هدى رؤوف
ربما لا تكون هناك مبالغة حين نقول إن الأسبوع الحالي دشن أولى ملامح التغيير الذي سيشهده الشرق الأوسط، وربما ليؤكد مجدداً أن الشرق الأوسط لن يكون بعيداً من استمرار انخراط القوى الكبرى فيه. ففي هذا الأسبوع، قام وزير الخارجية الصيني بجولة زار خلالها السعودية والإمارات وسلطنة عمان والبحرين وتركيا وإيران. وأثناء زيارته إلى إيران، تم توقيع ما سُمّي بـ”الوثيقة الشاملة للتعاون”، التي اعتبرها كثيرون خريطة طريق الشراكة الاستراتيجية بين طهران وبكين. لكن لماذا نعتبر أن هذه الجولة تدشين لتفاعلات شرق أوسطية جديدة ستكون دالة في الحرب الدائرة بين الصين والولايات المتحدة؟ الإجابة تدور حول انتقال الصين إلى الانخراط النشيط في الشرق الأوسط بعدما نأت بنفسها سنوات طويلة عن التدخل فى نزاعاته ومشكلاته واكتفت بالحفاظ على مصالحها الحيوية الاقتصادية. ستنخرط بكين في الشرق الأوسط في الوقت الذي اعتبرت وثيقة الدليل الاستراتيجي للأمن القومي الأميركي لإدارة بايدن أن الصين تمثل التحدي الأكبر للولايات المتحدة.
إذاً لا يمكن النظر إلى الجولة الصينية على أنها للتوقيع الرسمي على مسودة الاتفاق الخاص بالشراكة الاستراتيجية مع طهران فقط. فبالنسبة إلى الاتفاقية طويلة الأمد، علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أنها تتضمن “خريطة طريق متكاملة وذات أبعاد اقتصادية وسياسية”، وأوضح أنها تركز على “الأبعاد الاقتصادية التي تُعدّ المحور الأساس لها ومشاركة إيران في مشروع الحزام والطريق”، فالخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية، تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وأفريقيا. وقد أشرنا إلى بعض التفاصيل حول هذه الاتفاقية في مقال سابق في هذه المساحة بعنوان “إيران بين مبادئ الثورة وتأسيس علاقة الزبائنية مع الصين”، وكيف أن هذه الاستراتيجية تتويج للتوظيف المتبادل لكل من بكين وطهران. فالأخيرة التي تعلن تخلّيها عن شعار لا شرقاً ولا غرباً تحتاج إلى الصين للخروج من العزلة الدولية وإنعاش اقتصادها من خلال العضو الدائم لمجلس الأمن، الاتفاق هو تتويج لتنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية والعسكرية بين البلدين، كما سيعزز التعاون العسكري والاستخباري ومكافحة الإرهاب .
لكن ما الذي حرّك الصين لتوقيع الاتفاق الآن في ظل جولة شرق أوسطية، على الرغم من أنه يعود إلى عام 2016 أثناء زيارة الرئيس الصيني إلى إيران؟ السبب هو السياق الدولي الذي تحاول بكين استغلاله لتحريك السياق الشرق أوسطي، خصوصاً مع مجيء إدارة جو بايدن وانتعاش احتمالات عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، ومن ثم رفع العقوبات الأميركية عن طهران. فمن المفيد للصين الآن توقيع اتفاقها للشراكة مع إيران، التي تُعدّ ركيزة أساسية في مبادرة الحزام والطريق. وهو المشروع الصيني الذي سيمتد من أوروبا إلى شرق آسيا، ويتطلب رفع العقوبات عن طهران لتسهيل دمجها في الاقتصاد العالمي وتسوية القضايا الإقليمية مع دول الخليج، التي تهتم بكين بشراكتها.
لذا تضمنت جولة الوزير الصيني لدول الخليج محاور عدة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية، بل إنها طرحت مقترحات لحلّ الأزمة النووية وتأسيس منتدى للأمن الإقليمي، بل وتطرق إلى مبادرة السلام والقضية الفلسطينية.
إن تخلّي الصين عن عدم انخراطها في منطقة غير مستقرة دافعه الرئيس أن الدول الست ستلعب دوراً مهماً في مبادرة الطريق والحرير، التي ستتضمن إنشاء طرق وسكك حديدية وموانئ. ولكن كما اعتادت منطقة الشرق الأوسط، تتميز بالترابط والتوافق المتبادل في ما بين دولها وانتقال التأثيرات الأمنية في إحداها إلى جميع الدول الأخرى، كذلك لا يمكننا أن نتجاهل دور العامل الخارجي وهو ردّ فعل الولايات المتحدة.
لذا، ثمة عدد من التحديات أمام مشهد الانخراط الصيني شامل الأبعاد، أولها مرتبط باختلاف سياسات ووجهات نظر إيران ومعظم دول الخليج، لا سيما في ما يتعلق برغبة طهران في رفع العقوبات عنها من دون الدخول في اتفاق موسع يشمل الصواريخ الباليستية وسياستها الإقليمية، وهو ما ترفضه السعودية والإمارات. هناك أيضاً تحدي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران التي قد تعيق التعاون الاقتصادي الذي تستهدفه الصين، لذا في شهر فبراير (شباط) الماضي، جددت بكين اقتراحها بعقد اجتماع دولي لجميع أطراف الاتفاق النووي مع طهران، بما في ذلك الولايات المتحدة، بهدف مناقشة عودة واشنطن إليه.
ستظل هناك علامات استفهام حول مدى إمكانية أن تكون الصين شريكاً محايداً، فحتى الدعوة للاتفاق النووي تراعي البعد الإيراني وليس الإقليمي، بالتالي تريد مجرد رفع العقوبات عنها تجنباً لإلحاق الأذى بالشركات الصينية بسبب العقوبات الأميركية. فالتحركات الصينية هدفها تحقيق استقرار إقليمي ركيزته تسوية النزاع مع إيران التي هي ركيزة أساسية في مبادرة الحزام والطريق وبينهما شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً مقبلة، كما أنهما معاً يمثلان معارضة السياسات الأميركية. وهنا يبرز التساؤل حول هل ممكن لهذه التحركات أن تدفع إدارة بايدن إلى تسريع الاتفاق النووي مع إيران والتعاون معها في بعض الملفات بمنطق “العصا والجزرة”؟ وذلك لمواجهة الصين التي تعتبرها تحدّياً كبيراً لها، أم أن الرغبة في حلحلة النزاعات الأميركية الصينية والتقارب في بعض الملفات سيدفع الولايات المتحدة نفسها إلى دعم مقترحات بكين للشرق الأوسط؟ أو ستزيد الطموحات الصينية من أمد تأزم الموقف بين إيران والولايات المتحدة؟ كلها أسئلة تنتظر الفترة المقبلة للإجابة عنها.
نقلا” عن أندبندنت عربية