كريتر نت – العرب
أدارت قصة المؤامرة التي ارتبطت بولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين العيون نحو الأردن وحولت إليه رادارات الإعلام والجهات والمنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان، وخرج الأردن من صورة المملكة التي تتقدم دول الاعتدال العربي والحلقة المهمة في فك شفرات أزمات المنطقة إلى “مملكة موز” تتفجر فيها قصص الفساد والمحسوبية والمؤامرات والخلافات داخل الأسرة الهاشمية الحاكمة.
وذكرت مصادر أردنية مطّلعة أن هناك قلقا رسميا وعلى أعلى مستوى من هذا الانقلاب الجذري، وخسارة الصورة القديمة التي مكنت الأردن من أن يكون الأقرب إلى الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، وساعدته في الحصول على الدعم الخارجي بكل أشكاله، وجعلته نقطة ارتكاز في التعاطي الدولي مع ملفات المنطقة وعلى رأسها الملف الفلسطيني وقضية المقدسات، وملفّا سوريا والعراق.
وقال مصدر أردني، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”العرب” إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يعمل بكل الطرق على إطفاء الحريق الذي أشعلته قصة المؤامرة وطالت نيرانه صورة الأردن وصورة الملك نفسه كرجل منفتح ويعمل على بناء ديمقراطية ملكية نادرة في المنطقة، وهو ما بدا واضحا في التدخل الشخصي المباشر لإغلاق قضية سجن سيدة بسبب اتهامها بالمسّ من ذات الملك.
وأضاف المصدر أن الملك بات مقتنعا بأن تطويق الحريق لم يعد يجدي معه قرار منع النشر في موضوع المؤامرة، كما كان يحدث في السابق، ولا عقد لقاءات استرضاء وتهدئة خواطر مع الأمير حمزة ومع قيادات من العشائر لأن الأمر خرج عن السيطرة بفعل انتشار أخبار القضية بشكل سريع في الإعلام الاجتماعي، وتحول إلى فرصة نادرة تمكّن جمهور هذا الإعلام من الأردنيين من نقد الملك وسياساته وتنبش في قضايا الأسرة الهاشمية وخلافاتها وصراعاتها.
أنشال فوهرا: لا أحد يعتقد أن الملك ينوي إجراء إصلاحات سياسية ذات مغزى
وإذا كان الأردن قد نجح في تخفيف الأزمة داخليا، ولو مؤقتا، من خلال الفصل بين الأمير حمزة وبقية الموقوفين في قصة المؤامرة، لكنّ تأثيرها الخارجي أخذ بعدا آخر لم يعد بإمكان إجراءات الملك ومساعيه تطويقه.
لكنّ الأسوأ في هذا المسار بالنسبة إلى الأردن أن الحديث لا يقف عند قصة المؤامرة وما حفّ بها، فقد أصبحت هذه القصة مدخلا للإعلام الغربي لتحريك ملفات قديمة وإبرازها في سياق منظومة سلوك رسمية تستهدف حرية التعبير والإعلام وحقوق الإنسان، وتطول الاتهامات الملك نفسه بصفته من يقف وراء تلك المنظومة.
وقالت مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في بيان لها الجمعة “نحن قلقون من عدم الشفافية حول التوقيفات والاعتقالات (…) يجب أن يتم بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
وأضافت أن اعتقال الأمير حمزة وغيره من كبار المسؤولين وزعماء القبائل هو “الأحدث في سلسلة إجراءات متصاعدة خلال العام الماضي تستهدف على وجه الخصوص انتقاد سياسات الحكومة والفساد”.
وأعادت وسائل إعلام غربية الحديث عن الاحتجاجات الناجمة عن الانكماش الاقتصادي، مرورا باحتجاجات الربيع العربي وما بعدها، واحتجاجات جائحة كورونا، وكيف أنها قوبلت بإجراءات حكومية شكلية وتمت التلهية عليها من خلال تعديلات حكومية متتالية تظهر كما لو أن الأزمة تتعلق بالأشخاص وليس بسياسات رسمية.
وقالت أنشال فوهرا كاتبة العمود في فورين بوليسي “لا أحد يعتقد أن الملك عبدالله الثاني ينوي إجراء إصلاحات سياسية ذات مغزى، وقد أسفرت إصلاحاته الاقتصادية عن إطلاق مزاعم الفساد أكثر من تحقيق نتائج اقتصادية إيجابية.”
وأضافت “روّج الملك عبدالله الثاني نفسه للغرب على أنه ملك محب للديمقراطية ومؤيد لها، لكنه في الواقع عزز سلطته داخل القصر، وكمّم أفواه الصحافيين، واعتقل المتظاهرين (…) فالهاشميون الذين كان يُنظر إليهم في يوم من الأيام على أنهم ملوك أكثر حداثة وأكثر تغريبًا، أصبح يُنظر إليهم على أنهم حكام دولة عربية استبدادية أخرى”.
وتحدثت تقارير عن أنه منذ صعود الملك عبدالله إلى العرش في 1999، فقد أبناء العشائر، الذين هم ركيزة السلطة، العديد من الوظائف الحكومية والمزايا والخدمات الاجتماعية، وأن هذا هو سبب قصة المؤامرة، وأن الملك شعر بأن العشائر باتت تميل إلى أخيه غير الشقيق الأمير حمزة، الذي تم استبعاده من ولاية العهد ليحل محله ابن الملك الأمير الحسين بن عبدالله.
وأضافت أن تفاصيل القصة لا تظهر وجود نية انقلاب من أي جهة، ولكن السلطة سعت لقطع الطريق على الغضب المتنامي بين النافذين في العشائر وتململهم وتحالفهم مع الأمير حمزة بافتعال قصة المؤامرة وإظهار نفسها في موقع المظلوم الذي من حقه أن يحمي نفسه بإجراء اعتقالات وخاصة بوضع الأمير حمزة في العزل المنزلي ومنعه من إظهار تعاطفه مع الناس وكسب ودهم والتحول إلى رمز مقلق لترتيبات انتقال السلطة في المستقبل.
لكن الذي حصل أنه بدلا من أن تتجه الأنظار نحو أمير محرّض، تركزت حول الملك وأداء سلطته خاصة في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وتقول وسائل إعلام غربية إن الخطة فشلت، وإن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لتحييد الأمير حمزة عن التنافس على السلطة بشكل نهائي، لافتة إلى أن اعتقال باسم عوض الله، الرجل المثير للجدل، مجرد إلهاء وتغطية على حقيقة الخطة الرسمية.
وقال طارق التل أستاذ الدراسات السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت والخبير في السياسة الأردنية “يبدو أن الأحداث الأخيرة مرتبطة بنزاع على الخلافة مستمر منذ عزل حمزة من منصب ولي العهد. يبدو أن الملك أراد إنهاء ذلك”.
ولم تتردد مجلة فورين بوليسي واسعة الانتشار في أوساط النخبة السياسية الأميركية في وصف الملك عبدالله بأنه “أسوأ أعداء نفسه”.
لكن الأذى المعنوي للأردن وعاهله لم ينحصر في فورين بوليسي ولا في الأوساط الأميركية، بل امتد ليشمل صحفا أميركية وأوروبية. وكتبت وول ستريت جورنال عن منافسة على رضا القبائل بين الملك وأخيه، وأشارت نيويورك تايمز إلى صراعات وتذمر شعبي “تحت الواجهة الملمعة للأردن”، وكتبت واشنطن بوست عن بلد يغرق في الأزمات السياسية والاقتصادية.
وتناولت الصحافة البريطانية قضية المؤامرة وأشارت الغارديان إلى أن الحديث عن فتنة بعد أن كان عن مؤامرة لم يتمكن من إخفاء الطابع الشخصي للأزمة من جهة أو يشير إلى التذمر الشعبي المتزايد من السياسات الحكومية في الأردن.
وكتبت التايمز عن ذهاب العائلة المالكة الأردنية إلى “الحرب داخل نفسها” وأن “شبه الديمقراطية” في الأردن تتحول إلى “حكم الفرد الواحد المطلق” في إشارة للملك عبدالله. ودعّمت التليغراف المحافظة موقف الملك عبدالله لكنها في الوقت ذاته حذرت من تردي الأوضاع في المملكة بالقول “لا نتحمل كلفة ثورة في الأردن”.