القاهرة – أحمد جمال
أجرى وزير النقل المصري كامل الوزير، الثلاثاء، حركة تغييرات واسعة تتعلق بقيادات الهيئة القومية لسكك حديد مصر، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي العارم بسبب تعدد حوادث القطارات، وإبعاد المسؤولية الأخلاقية عنه.
يأتي هذا في الوقت الذي يضغط فيه الشارع المصري لتفعيل مبدأ المحاسبة لكل المسؤولين، بما في ذلك كبار المسؤولين، عن هذه الحوادث مهما كانت مواقعهم بمن في ذلك الوزراء.
وجدد حادث قطار بنها شمال القاهرة، الأحد، والذي أسفر عن وفاة 11 شخصًا وإصابة مئات آخرين، الحديث عن إمكانية إجراء تعديل حكومي وشيك في مصر، وطالبت وسائل إعلام محسوبة على الحكومة بتنقية مرفق السكك الحديدية من الفساد بعد وقوع ثلاثة حوادث خلال فترة وجيزة أدت إلى سقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين.
وظهرت لأول مرة إشارات من قبل أعضاء في البرلمان المصري بشأن المطالبة بالمحاسبة السياسية (الإقالة) لوزير النقل الذي وعد الشهر الماضي بعدم تكرار حوادث القطارات، ولم يجد من انحازوا إليه في السابق مبررات قوية للدفاع عنه هذه المرة.
جمال أسعد: مؤسسات فساد متجذرة وراء تكرار الحوادث
وكلّف الرئيسُ عبدالفتاح السيسي رئيسَ الحكومة مصطفى مدبولي بتشكيل لجنة تضم في عضويتها هيئة الرقابة الإدارية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة والكلية الفنية العسكرية وكليات الهندسة للوقوف على أسباب الحادث.
ووجدت الحكومة نفسها في موقف حرج، لأن إقالة الوزير قد تعرقل الخطط التي وضعها لتحسين مرفق السكك الحديدية، وهو ما ينطبق على وزيري الصحة والتعليم، حيث يتبنى كلاهما مشروعات طموحة، لكن في المقابل فإن اتخاذ القرار السياسي بالإقالة ربما يكون مطلوبا لتهدئة الرأي العام الساخط على توالي الأزمات.
واستخدمت النيابة العامة في بيانها الصادر عقب حادث القطار الأخير لهجة شديدة، مؤكدة مضيها قدمًا باتجاه اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتسببين فيه، سواء أكانت مسؤوليتهم مباشرة أم غير مباشرة، ما يشي بأن الأمر سيطال وزير النقل.
وتوقع مراقبون إجراء تعديل وزاري يشمل بعض الوزارات الخدمية التي كانت سببًا في تزايد وتيرة التململ الشعبي تجاه الحكومة الفترة الماضية، وأن الوقت مناسب للاستعانة بوجوه جديدة لطمأنة المواطنين بأن هناك تحركات تجري للمحاسبة.
ولم تكن حوادث القطارات الوحيدة التي تزعج المصريين، حيث توالت الاستغاثات الموجهة لوزارة الصحة من المحافظات والأقاليم النائية جراء شح الإمكانيات الطبية لمواجهة تزايد الإصابات بفايروس كورونا.
ولا تزال أزمة انعدام الثقة بين الملايين من المواطنين ووزارة التربية والتعليم مستمرة، حيث تصر الوزارة على الامتحانات الإلكترونية دون التأكد من توافر الإمكانيات التقنية كاملة.
وطالب النائب البرلماني مصطفى بكري الحكومة بالتحرك السريع لحصار فايروس كورونا في كل من سوهاج وقنا (جنوب)، قائلًا “سوهاج تستغيث، وقنا تستغيث، على الدولة أن تقود حملة قوية وتوفّر المزيد من الإمكانات والإجراءات بالمحافظتين”.
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن تكرار الحوادث واستمرار نفس المشكلات الخدمية التي يعاني منها المواطنون على مدار سنوات يرجعان إلى البيروقراطية التي لم تتعامل مع الثورة الإدارية التي اجتاحت العالم بجدية، وتفشّى الفساد في قطاعات مختلفة بالدولة حتى قاد إلى وجود “مؤسسات فساد متجذرة”.
وأضاف أسعد في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة الأكبر تظل في عدم قيام أعضاء البرلمان ووسائل الإعلام بدورهما في الرقابة وتنوير المواطنين بحقائق الأمور وتوفير المعلومات الصحيحة، في ظل تجاهل تطبيق مبدأ حرية الرأي وتداول المعلومات، ويكون البديل التستر على الفساد وتبريره”.
وأبدى أسعد عدم ثقته الكبيرة في نتائج أي تعديل وزاري الفترة المقبلة، طالما لا يواكبه تغيير موازٍ في الفكر والمنهج والثقافة السائدة، فاستمرار طريقة العمل داخل الوزارات الخدمية بهذه الحالة من الترهل يجعل التغيير بلا جدوى.
ورغم النجاحات التي حققتها الحكومة على مستوى الإصلاحات ومشروعات البنية التحتية وتبني مبادرات بهدف معالجة الفقر إلا أنها رسبت في اختبار الإدارة الرشيدة والموازنة بين تطوير قدرات العاملين وبين تبني رؤى مستقبلية متماسكة.
ويشير متابعون إلى أن العشوائية في الإدارة تركت أثرًا سلبيا لدى المواطنين يتعلق بسوء الخدمات المرتبطة بهم وتجاهل تحسين القطاعات التي يتعاملون معها بشكل حقيقي، بينما ينظرون إلى أن عددا كبيرا من المشروعات العملاقة في مجالات الطرق والنقل تخدم أصلا طبقة معينة ولا تشكل الغالبية العظمى من المصريين.
ويعد تجذر أزمة العلاقة بين المواطنين والوزارات الخدمية مسألة عصية، لأن الأخيرة تعكس حجم نفوذ الدولة العميقة التي يصعب إصلاحها أو تغييرها، لذلك يظل التعامل معها خاضعاً لأبعاد عديدة، ما يجعل حوادث القطارات وغيرها مستمرة ومتكررة.
كما أن اتجاه الحكومة نحو اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة على مدار السنوات الماضية لم ترافقه إجراءات موازية لإصلاح المرافق الحكومية وتطوير العنصر البشري.
وقال حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بالمركز المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن “أزمات الوزارات الخدمية لا تنفصل عن باقي وزارات الحكومة لأن جميع الهيئات تتكامل، ويصعب التركيز على المجمل النهائي للخدمة بمعزل عن أداء هياكل الحكومة بصورة منضبطة بشكل عام”.
وأضاف سلامة في تصريح لـ”العرب” أن “مرحلة البناء التي تمر بها الدولة المصرية تتطلب المزيد من التريث في اتخاذ قرارات بشأن تعيين أو إقالة الوزراء، لأن هناك أطرافا داخل منظومة الدولة العميقة لن يكون في صالحها نجاح التطور الحاصل على مستوى إدخال التكنولوجيا أو زيادة أدوات ضبط الأداء الوظيفي”.
وتابع “هذا لا يلغي المحاسبة السياسية والقضائية قبل اتخاذ قرار الإقالة، وعلى مجلس النواب القيام بدور محوري في تفعيل عملية مساءلة الوزراء الذين تسببوا في أزمات الفترة الماضية”.
ويبدو أن الحكومة بحاجة إلى استحداث وحدات لاستطلاع الرأي العام وسلوكيات المواطنين للمزيد من التعرف على ردود أفعالهم على الأداء العام وتقييم الخدمة التي يتلقونها، وهو أمر ضروري ليشعر الناس بأنها جادة في الإصلاح والمحاسبة وتطوير الخدمات في جميع القطاعات.
ويخشى متابعون أن يؤدي استمرار الأزمات إلى استثمارها من قبل معارضي النظام المصري للتشكيك في جدوى المشروعات التنموية التي يقوم بها، ولذلك من المرجح اتخاذ إجراءات صارمة بحق وزراء ومسؤولين لتهدئة الرأي العام في وقت تواجه فيه الدولة مجموعة من التحديات الإقليمية وتحتاج تكاتفا وطنيا كبيرا.
المصدر : العرب اللندنية