كريتر نت – لندن
بعد هزيمة تنظيم داعش وسقوط “خلافته” المزعومة في سوريا والعراق كانت أفريقيا الملاذ الذي وجدت فيه الفلول ما تبحث عنه، حيث نجحوا من خلال عقد تحالفات مع جماعات مسلحة محلية في توفير منصة جديدة تمد التنظيم بما يحتاجه من مال وإرهابيين. واستغل التنظيم هجمات المسلحين المحليين واستخدمها كدليل على أنه ما يزال على قيد الحياة.
وفي أواخر مارس استولى الجهاديون المرتبطون بالدولة الإسلامية على بلدة بالما الساحلية شمال شرق موزمبيق. وإلى جانب مهاجمة البلدة التي تقع في موقع استراتيجي بالقرب من مشروع للغاز الطبيعي بقيمة 20 مليار دولار بقيادة فرنسا، قتل الإرهابيون العشرات من المدنيين الموزمبيقيين وقيل إنهم قطعوا رؤوس العمال الأجانب.
وأثارت العاصفة الإعلامية التي تلت الهجوم نقاشا واسع النطاق حول طبيعة تورط الدولة الإسلامية وما إذا كان العنف في موزمبيق ظاهرة محلية أم عابرة للأوطان.
وقد ركز بعض المحللين على مظالم المتمردين، لكن مبايعتهم الواضحة لتنظيم الدولة الإسلامية تزامنت مع قفزة كبيرة إلى الأمام في قدرات التنظيم، والذي يعرف الآن باسم ولاية وسط أفريقيا التابعة للدولة الإسلامية. وتشمل فروعا في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ولم يكن الفرع الموزمبيقي، المعروف محليا باسم الشباب (لا علاقة له بالجماعة الصومالية) أو أهل السنة والجماعة، يتمتع بالأدوات التشغيلية والتنظيمية التي يتطلّبها شن هجمات على مستوى ما حدث في بالما.
مزايا استراتيجية
في الواقع، أعرب عدد قليل جدا من المراقبين عن قلقهم الشديد بشأن احتلال المتمردين الناشئين لأراضي شمال موزمبيق حتى مبايعتهم لتنظيم الدولة الإسلامية. وتبقى حالة ولاية وسط أفريقيا التابعة للدولة الإسلامية واحدة من عدة أمثلة على الفوائد التي تعود على الجماعات الجهادية من الانضمام إلى الدولة الإسلامية، والتي كانت عاملا معززا لقوة العديد من هذه الجماعات العاملة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في نيجيريا والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في منطقة الساحل.
خلق الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية مزايا تكتيكية واستراتيجية للجماعات التي كانت ستركز في الغالب على الأهداف المحلية وستتطور تدريجيا من خلال التحسينات التكتيكية المحلية. وكانت العلاقة مفيدة للطرفين، حيث تتمتع الجماعات الجهادية المحلية بعلامة الدولة الإسلامية والموارد التي تأتي معها، مثل التمويل والتدريب ومنصة دعاية عالمية قائمة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويبقى تنظيم الدولة الإسلامية قادرا على الترويج لنجاح فروعه حتى في الوقت الذي يكافح تنظيمه الأساسي في العراق وسوريا وفروعه في أماكن مثل ليبيا وأفغانستان للانتعاش من النكسات.
كما أبرز هجوم بالما ثبات ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ونموّها بمرور الوقت. وقد هاجمت بلدات في شمال موزمبيق واستولت على بعضها، بالإضافة إلى بلدات في جنوب تنزانيا.
وتدل عمليات قطع رؤوس الأجانب المبلغ عنها وطبيعة المنطقة المستهدفة الرمزية (بالقرب من مشروع غاز طبيعي طورته شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال) على نفوذ الدولة الإسلامية وتتوافق مع رواية الجماعة عن الغرب الاستغلالي.
ما يقرب من خمس الهجمات التي أعلن عنها تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم وقعت في أفريقيا جنوب الصحراء
وبالإضافة إلى الأدلة على الاتصالات الرسمية السرية بين مركز تنظيم الدولة الإسلامية والجهاديين في موزمبيق، أكدت قيادة العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا أن جوهر الجماعة يكمن في تجنيد الجهاديين الموزمبيقيين وتدريبهم وفي بعض الحالات تجهيزهم. ومن المرجح أن تكون ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية من يساهم في تسهيل ذلك من خلال شبكتها الإقليمية من المتشددين واللوجستيين.
ويبقى التأثير على وتيرة العمليات الإرهابية في موزمبيق وخارجها واضحا. فمنذ يناير 2020، وقع ما يقرب من خُمس الهجمات التي أعلنت عنها الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم في أفريقيا جنوب الصحراء. وتُخلّف هذه الهجمات ما يقرب من خمسة أضعاف عدد القتلى والجرحى من العمليات في أماكن أخرى. ويظهر المنتسبون للتنظيم الآن على الصفحة الأولى من منفذه الأسبوعي الرسمي، النبأ، أكثر من النواة الأساسية في سوريا والعراق، مما يدل على قيمة هذه الجماعات التابعة لقيادة الدولة الإسلامية.
وليست هذه القصة غير عادية حيث تلقت الفروع التابعة لأفريقيا جنوب الصحراء، بشكل كبير، دفعة من المنبع بمجرد تعهدها بالولاء لخليفة الدولة الإسلامية.
وصعّدت نظيرة ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، المسماة الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، في الساحل من هجماتها على القوات المالية والنيجيرية والبوركينية لمّا منحتها القيادة المركزية وضع “المقاطعة”. كما أوضحت ولاية غرب أفريقيا في المنشورات كيف قدم مركز الدولة الإسلامية المشورة للجماعة بشكل استراتيجي بشأن الأساليب الأكثر فاعلية لشن حرب العصابات، بما في ذلك متى تهاجم المناطق المأهولة ومتى تنسحب. وهناك سبب للاعتقاد بأن فرع موزمبيق كيّف تكتيكاته المتمردة ونهج الحرب غير المتكافئ تبعا لنصيحة من نواة الدولة الإسلامية.
كما انطلق تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا في بناء مركبات مدرعة لتفجيرات انتحارية فقط بعد أن بايع أبوبكر شكوي زعيم بوكو حرام، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي في 2015.
ويشير هذا إلى التزود بالذخائر من مركز تنظيم الدولة الإسلامية، الذي حدد فروعه المختلفة من خلال الزي الرسمي المميز، بما في ذلك عصابة الرأس الحمراء لـ”القوات الخاصة” في موزمبيق ومصر ومالي والساحل.
لكن هل تتساوى جميع فروع الدولة الإسلامية؟ وهل تحظى بعض الفروع باهتمام أو موارد أكثر من غيرها، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يجري تحديد ذلك؟ إن أفضل تفسير لذلك يكون بدرس الفروع من منظور درجات الانتماء المختلفة.
علاقة الفروع بالنواة
ينعكس الانتماء من الدرجة الأولى في المقاطعات الليبية لتنظيم الدولة الإسلامية البائدة الآن. لم يتعهد هؤلاء بالولاء للتنظيم فحسب، بل ضموا إلى صفوفهم أعدادا كبيرة من المقاتلين الذين نقلوا من سوريا على وجه التحديد لتشكيل ولايات الدولة الإسلامية في ليبيا بأوامر من البغدادي. وحافظت المقاطعات الليبية على اتصالات متكررة ومباشرة مع الجماعة، فضلا عن تلقي التمويل المقابل والتدريب المتخصص والمشورة، حتى أدى تحالف عسكري دولي ضخم مع القوات الليبية المناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية إلى تدمير الجماعة شبه الكامل في ليبيا.
وعلى النقيض من ذلك، لم تستقبل ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية سوى عدة وفود من المدربين الأساسيين من ليبيا، ولكنها دربت القادة النيجيريين الرئيسيين في ليبيا خلال ذروة قوة تنظيم الدولة الإسلامية.
وحتى في غياب وجود قوي للدولة الإسلامية في ليبيا، يواصل المركز مناقشة الاستراتيجية مع ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، ونشر الصور ومقاطع الفيديو للهجمات، إضافة إلى التشاور بين القادة بشأن المسائل الأيديولوجية. ومازال قادة الدولة الإسلامية يقدمون المشورة العسكرية بشأن استخدام المركبات المدرعة والطرق المبتكرة لاستخدام الطائرات دون طيار. وبناء على ذلك، سيكون لدى ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية انتماء من الدرجة الثانية مقارنة بالمقاطعات الليبية المنحلة الآن.
والأهم من ذلك، وافقت الجماعات بأكملها، بما في ذلك جميع فصائل ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، على التعهد بالولاء للدولة الإسلامية، على الرغم من أن الجماعة نادرا ما انخرطت في تبادل مباشر للمقاتلين مع النواة.
ويعكس الفرع الموزمبيقي الدرجة الثالثة من الانتساب. وهذا يعني أن فصائل الجهاديين الموزمبيقيين قد تعهدت بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية. ولكن على عكس تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، الذي أعلن مبايعته في 2015 عبر قنوات التواصل الاجتماعي الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية، كان الإعلان عن تعهدات موزمبيق بشكل غير رسمي.
بينما نجح التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية المطاف في تدمير خلافة التنظيم المادية في العراق وسوريا، لا توجد استراتيجية منسقة بشأن ما إذا كان سيتم التعامل مع العديد من المنتسبين والفروع من شمال أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا
ووفقا لذلك، قد لا تكون هذه التعهدات بالضرورة ممثلة لجميع الفصائل الجهادية في موزمبيق. ونتيجة لذلك، هناك تساؤلات حول ما الذي يجعل الجهاديين الموزمبيقيين تابعين للدولة الإسلامية في النهاية. فعلى الأقل، يجب على فرع الدولة الإسلامية، أو “المقاطعة”، التعهد بالولاء لخليفة الجماعة، ويجب على الخليفة قبول المبايعة.
وقد خطا الجهاديون الموزمبيقيون، مثل نظرائهم الكونغوليين، هذه الخطوة من خلال إصدار عدة مقاطع فيديو وصور تعلن الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما اعترف به التنظيم من خلال خطاب البغدادي وما تلاه من إعلانات نيابة عن فروعه في مقاطعة وسط أفريقيا.
وعلى الرغم من أن الانتماء من الدرجة الثالثة ربما لم يؤد إلى نفس التنسيق الذي حققته ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية مع الدولة الإسلامية الأم، فقد شوهدت فوائده في موزمبيق، بما في ذلك الاستراتيجية والتكتيكات والإعلام وصولا إلى تفاصيل الأزياء الموحدة.
وبينما نجح التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية المطاف في تدمير خلافة التنظيم المادية في العراق وسوريا، لا توجد استراتيجية منسقة بشأن ما إذا كان سيتم التعامل مع العديد من المنتسبين والفروع من شمال أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، وكيف سيكون ذلك.
ويبدو تهديد الدولة الإسلامية في 2021 مختلفا كثيرا حتى عما كان عليه قبل عامين فقط، عندما سقط آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز السورية الذي كان رمزا لنهاية مشروع بناء الدولة. وأعطى التحالف الدولي الأولوية بشكل صحيح لجوهر تنظيم الدولة الإسلامية والمنتسبين من الدرجة الأولى مثل تلك الموجودة في ليبيا.
ولهزيمة ما تبقى من الشبكة العالمية للتنظيم، يجب على التحالف الآن إجراء إعادة تقييم شاملة للجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وقياس درجة الانتماء ومستويات الموارد والقوى العاملة والقدرات العملياتية لفروع تنظيم الدولة الإسلامية من سيناء إلى جنوب شرقي آسيا.
المصدر : العرب اللندنية