كريتر نت – واشنطن
لا تهتم دوائر السياسة الغربية كثيرا بحركات التمرد الجهادية التي برزت في الدول الأفريقية، حيث يمنع الجمع بين الانهيار السياسي وأولويات التنافس والعقبات السياسية، صانعي السياسات من رؤية التهديد بوضوح أو التفكير بشأن ما يجب القيام به حيال ذلك.
ومثال ذلك الأخبار التي وردت الشهر الماضي من موزمبيق، حيث اجتاح مهاجمون من تنظيم داعش بلدة بالما، وقتلوا العشرات، بمن فيهم 12 أجنبيا عُثر عليهم مقطوعي الرأس.
وتم تجاهل إراقة الدماء هذه في الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من أن هذا ما كان ينبغي ليحدث، لاسيما وأن الواقعة تعد الأحدث في حرب متعددة الدول تدمر الأرواح وسبل العيش في جميع أنحاء القارة.
وحاول مجتمع السياسة الخارجية، من خلال الكتابات العديدة بشأن الأمر، إقناع نفسه والآخرين بأن مخاوفهم بشأن أفريقيا حقيقية. حتى أن هذه القضية دفعت إلى إقامة شراكة نادرا ما تحدث بين الحزبين في الولايات المتحدة، حيث اجتمع الجمهوريون والديمقراطيون معا في سلسلة من مبادرات الصحة العامة والتنمية الاقتصادية في السنوات الأخيرة. فلماذا إذن يتباطأ الحزبان في الاستجابة لأزمة موزمبيق وهجمات أخرى؟ لأن جميع الفئات الرئيسية التي تركز على القارة تصاب بالعمى عندما يتعلق الأمر بالمتمردين المتطرفين العنيفين الذين يستغلون الملايين من الأفارقة.
وحققت الحركة الجهادية، التي تضم القاعدة وداعش، نجاحا تلو الآخر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في السنوات الأخيرة. وتنشط الجماعات السلفية الجهادية الآن في 22 دولة أفريقية ولا تزال في تصاعد.
الحركة الجهادية، التي تضم القاعدة وداعش، حققت نجاحا تلو الآخر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في السنوات الأخيرة
ومن ثم انتشرت حركات التمرد طويلة الأمد. وعلى سبيل المثال، انتشر المتطرفون المتمركزون في مالي في بوركينا فاسو التي كانت مستقرة سابقا في عام 2016، مما أدى إلى نزوح أكثر من مليون شخص وتحويل البلاد إلى منصة انطلاق لشن هجمات على الدول المجاورة.
ومهد العنف الجهادي المستمر الطريق لسلسلة من عمليات الخطف التي استهدفت تلاميذ المدارس في نيجيريا، أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان والاقتصاد. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن تنظيم داعش في موزمبيق سيشرد مليون شخص بحلول يونيو، وأفسد التنظيم للتو مشروع غاز طبيعي بالمليارات من الدولارات كان من المفترض أن يكون ركيزة موزمبيق للازدهار.
وفي الوقت نفسه، تعني التحذيرات من الوقوع في “حرب لا نهاية لها” أن العديد ممن يتعاملون مع أفريقيا يخجلون من التركيز على المشكلات التي تتطلب حلولا عسكرية.
وتسببت الإخفاقات السابقة في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك التجارب في أفغانستان والعراق، في تحول نحو التأكيد على الظروف المحلية والردود غير العسكرية. لكن القوة الناعمة وحدها لا تستطيع هزيمة المتطرفين المسلحين الذين يمسكون بالسلطة بالفعل، خاصة وأن هذه ليست مجرد تهديدات إقليمية بل تهديدات عالمية.
والجماعات السلفية الجهادية الأفريقية تخطط بالفعل للهجمات الخارجية أو تدعمها. كما تطور أيضا قدرات هجومية قابلة للنقل -التفكير في المناورات التكتيكية لصنع القنابل والفرق الصغيرة- والوصول إلى الشبكات الساحلية وعبر القارات التي تزيد من قدرتها على التواصل، وجذب المجندين، ونقل الأفراد في نهاية المطاف إلى خارج القارة.
ويمتد التفسير الحالم لطبيعة التهديد إلى أفكار حول كيفية محاربته. ولا تريد الولايات المتحدة إرسال قوات للقيام بمهام طويلة الأمد في أفريقيا، كما اتخذت فرنسا، التي تقود مهمة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، خطوات لتقليص وجودها هناك. لكن الاعتماد على الشركاء المحليين لخوض المعركة بالكامل هو حلم بعيد المنال.
ولا تزال المشكلات التي سمحت بتشكيل حركات التمرد السلفية الجهادية قائمة: مثل غياب الجيوش المحلية، أو عدم قدرتها على أداء المهمة المطروحة، أو حتى حل جزء من المشكلة.
وفي بوركينا فاسو، أشعلت انتهاكات قوات الأمن التمرد الحالي. وفي نيجيريا، تُرك المدنيون عرضة للخطر بعد أن انسحب الجيش إلى معسكرات أكثر أمانا. وفي موزمبيق، يفتقر الجيش إلى القوة البشرية والقدرة على الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون، ناهيك عن شن عملية مكافحة تمرد ذات مصداقية.
وكل ذلك أتاح ظهور بعض العبارات الرنانة الجديدة، مثل: تنافس القوى العظمى، لمجتمع السياسة الخارجية تفادي المحادثات الصعبة حول هزيمة حركات التمرد السلفية الجهادية. وتشير الأطر الإستراتيجية الجديدة إلى أنه يجب على الولايات المتحدة عدم إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب لأنه بذلك سينصرف انتباهها عن روسيا والصين، وهي التهديدات الحقيقية. لكن هذه القضايا مرتبطة بهذا التنافس.
ويستغل خصوم الولايات المتحدة وجود الجماعات السلفية الجهادية لأسبابهم الخاصة، كما يتضح من التدخلات الروسية في سوريا وليبيا، التي قدمت نماذج يسعى الكرملين إلى تكرارها في أماكن أخرى. ويمكن أن تؤدي تصرفات الدول المضطربة مثل روسيا أيضا إلى تأجيج التهديد السلفي الجهادي، سواء من خلال إطالة أمد الصراعات، كما فعلت روسيا في ليبيا، أو من خلال تشجيع الحكام المستبدين الذين يتجاهلون المظالم الشعبية ويوفرون الثغرات التي تستغلها الجماعات السلفية الجهادية.
تنشط الجماعات السلفية الجهادية الآن في 22 دولة أفريقية ولا تزال في تصاعد
وقد يكون صعود أفريقيا إلى الازدهار هو القضية المحددة للعقود القادمة. لكن هذا لن يحدث إذا كان مئات الآلاف من الأفارقة يعيشون تحت هيمنة السلفية الجهادية وتشريد الملايين بسبب العنف، مع تحول مساحات شاسعة من الأراضي إلى ملاذات إرهابية دائمة.
وحتى لو ترك المجتمع الدولي الدول التي مزقتها الحروب مثل مالي والصومال إلى مصائرها، فلن تتمكن الولايات المتحدة من تجاهل آثار البلاء السلفي الجهادي على اللاعبين الرئيسيين في القارة، الجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا ومؤخرا تنزانيا وجنوب أفريقيا، والتي تواجه جميعها تهديدات سلفية جهادية مستمرة أو ناشئة إلى جانب التحديات المحلية لاستقرارها الحالي والمستقبلي.
ومن المؤكد أن نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة سوف تتعثر إذا لم تكن قادرة على طرد حلم الخلافة البدائية التي تنمو داخل حدودها.
وهذه النقطة العمياء حول مشكلة الجهاديين في أفريقيا موجودة بالفعل لأن صانعي السياسة يخشون مواجهة الأسباب المستعصية واتخاذ الحلول الصعبة لحل التمرد. وبالنسبة للدول المعنية، يتطلب الحل الدائم المال وإحداث تغييرات في هيكل سلطتها لا تستطيع النخب القيام بها أو لن تفعلها.
والمجتمع الدولي كله مخطئ، وحان الوقت لأولئك الذين يدّعون أنهم يهتمون بالقارة لكي يروا حقيقة أن هناك حربا مستمرة تدور في هذه القارة.
المصدر : العرب اللندنية