كريتر نت – العرب
حمل الظهور التلفزيوني لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رسائل واضحة إلى جهات متعددة بشأن وجوده والإصلاحات في المملكة حاضرا ومستقبلا، وعلاقته بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. كما لوّح في رسائله بغصن زيتون مشروط لإيران والحوثيين.
وجاءت المقابلة المطولة التي بثتها مجموعة من القنوات السعودية بمناسبة الذكرى الخامسة لإطلاق رؤية 2030 لتظهر الأمير محمد بن سلمان بمظهر وليّ العهد القوي الذي يقف على كل صغيرة وكبيرة في مسار الإصلاحات، في رسالة ضمنية أن لا شيء تغير وأن الضغوط الخارجية والتأويلات التي استهدفته صارت من الماضي.
واعتبرت أوساط خليجية أن الأمير محمد بن سلمان ظهر في صورة المسؤول الهادئ الماسك بكل الملفات الذي يظهر الحزم وفي نفس الوقت يمد غصن الزيتون ويحرص على استمالة أكبر خصوم بلاده مثل إيران والحوثيين.
غازي الحارثي: ولي العهد السعودي يختار الأوقات المناسبة لتبريد الجبهات وتسخينها
وأضافت الأوساط أن ولي العهد السعودي حرص على إظهار أن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة تقوم على التكافؤ في المصالح، وهي رسالة تظهر التعالي عن التفاصيل العارضة التي ظهرت مع استلام الرئيس بايدن للسلطة ومحاولة تحييده خلال التعامل الأميركي مع قيادة المملكة أو جرّ اسمه في تقرير مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وقال الأمير محمد بن سلمان إن الولايات المتحدة شريك استراتيجي، وإن الرياض ليس لديها سوى خلافات قليلة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وتعمل على حلها. لكنه شدد بالتوازي على أن بلاده لا تقبل أيّ ضغوطات خارجية أو التدخل في شأنها الداخلي.
وأضاف “أكثر من 90 في المئة متفقون عليها مع إدارة الرئيس بايدن في المصالح السعودية – الأميركية وكلّنا نعمل على تعزيزها بشكل أو آخر (…) والأمور التي نختلف عليها والتي تشكل أقل من 10 في المئة نعمل على إيجاد حلول لها وتفاهمات لها”.
وبالتزامن، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن بلاده ستكون بحاجة إلى مواصلة العمل مع السعودية “سواء أحببنا ذلك أم لا”.
وأضاف “من المرجّح أن يكون ولي العهد هو قائد السعودية لفترة طويلة في المستقبل. وعلينا أن نعمل معه ومع قادة دوليين آخرين يمكن أنهم قد قاموا بأمور قد نرفضها أو نستهجنها”.
ووصف متابعون للشأن السعودي كلام ولي العهد عن العلاقة مع بايدن بأنه تأكيد جديد على الفصل الذي تقيمه السعودية في علاقاتها الخارجية بين الدول والمؤسسات والمسؤولين، وأنها تحرص على ضبط سياساتها بعيدا عن أمزجة المسؤولين وحساباتهم السياسية أو الانتخابية.
واعتبر الباحث السعودي في الإعلام السياسي والعلاقات العامة الدولية عماد المديفر في تصريح لـ”العرب” أن المقابلة محملة برسائل موجهة للخارج، شعارها الانفتاح على التهدئة؛ وفيها رسالة واضحة ومنفتحة على النظام الإيراني.
وقال الكاتب السعودي غازي الحارثي إن حديث الأمير محمد بن سلمان عن الشراكة التاريخية مع الولايات المتحدة يضع الأمور في نصابها ويعيد التأكيد لإدارة بايدن على أنّ هناك حليفا موثوقا في الرياض سواء أعجب ذلك البعض أم لم يعجبهم.
ولفت الحارثي في تصريح لـ”العرب” إلى تمكّن ولي العهد السعودي من اختيار الأوقات المناسبة لتبريد الجبهات وتسخينها، في إشارة إلى الخطاب الهادئ الذي وجهه الأمير محمد بن سلمان لإيران والحوثيين من أجل إعطاء دفعة لإنجاح أيّ مساع إقليمية تهدف إلى الحفاظ على أمن المنطقة وتدعم استقرارها.
عماد المديفر: المقابلة محملة برسائل موجهة إلى الخارج وشعارها الانفتاح والتهدئة
وقال الأمير محمد بن سلمان إن بلاده تريد علاقات جيدة مع إيران، لكن “إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها”، في إشارة إلى “برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج الصواريخ الباليستية”.
ومضى يقول “المملكة لا تريد أن تكون إيران في وضع صعب وبالعكس تريد إيران مزدهرة”.
ويشير حديث ولي العهد السعودي عن المفاوضات، التي جرت بين السعودية وإيران في بغداد، بحضور أميركي، إلى أن الأمير محمد بن سلمان تلقى تطمينات أميركية بأن أي تفاهم مع طهران سيكون بالتنسيق مع الرياض.
كما وجه ولي العهد السعودي رسالة إلى الحوثيين من أجل “تشجيعهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات”، كاشفا عن أن بلاده سبق أن عرضت عليهم “الدعم الاقتصادي لليمن وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاق النار”.
ويعتقد المراقبون أن الموقف الذي أبداه ولي العهد السعودي من المتمردين الحوثيين يظهر المملكة في موقف قوة خارجيا، خاصة أمام الدول والمنظمات التي تطالب بوقف الحرب وتأثيراتها الإنسانية، مشيرين إلى أن رغبة السعودية في حل دائم للحرب يقوم على دعم اقتصادي والاستعداد للتعامل مع المتمردين، ستجعل الطرف المقابل في صورة من يعارض وقف الحرب، وأنه يخوضها لأجندات خارجية ولا يفكر في مصالح المدنيين.
يشار إلى أن المقابلة التلفزيونية للأمير محمد بن سلمان التي حرصت على تحديد مواقف خارجية هادئة وواضحة، قد ركزت على قضايا اقتصادية كثيرة من بينها أن المملكة في مناقشات لبيع واحد في المئة من شركة أرامكو. كما لم يفت ولي العهد السعودي التذكير بثبات موقف بلاده بشأن الإصلاحات الاجتماعية التي تضع السعوديين على طريق الانفتاح والتخلص من التطرف.
وقال “اليوم لا نقدر أن ننمو ونجذب رؤوس أموال والسياحة ولا أن نتقدم بوجود فكر متطرف في المملكة العربية السعودية”.
وأضاف “إذا كنت تريد ملايين الوظائف وأن تنزل البطالة وينمو الاقتصاد ودخلك يتحسن يجب أن تستأصل هذا المشروع لمصلحة دنيوية، ناهيك عن مصلحة بأن هؤلاء (المتطرفين) لا يجب أن يمثلوا ديننا الحنيف ومبادئنا السمحة بشكل أو بآخر”.