ممدوح فراج النابي
مثلت التجارب الشخصية المنبثقة من رحم الأنساق الاجتماعية والصراعات الدينية والسياسية، منعطفا مهما في خطابات كتابات الذات، وتحديدا في الخطاب النسوي، بوصفها مصدرا لمعرفة أدوار النساء وتجاربهن في مقاومة محاولات التفرقة على أساس الجندر (ذكر / أنثى)، وهو الأمر الذي يمثل تحديا للأنساق الثقافية المهيمنة.
الذات المقهورة طورا والمستلبة حينا آخر، وهي تجتر أوجاعها وآلامها، وقد وجدت في المذكرات والسير الذاتية والاعترافات والشهادات وغيرها من أشكال كتابة الذات، بما تقوم به من إعادة صياغة للبنى الاجتماعية السائدة، صوتها الخاص (وصوت الجماعة المهمشة أيضا) الذي فارقها أو أُجهِز عليه بفعل فاعل.
تكشف هذه الذات عادة عن المسكوت عنه، في تجربتها الحياتية التي عانت (وبالمثل بنات جلدتها) من القهر والتهميش والإقصاء ومحو الهوية، وكافة أشكال الوصايا، وفي الوقت ذاته، تعلن خروج هذه الذات (من معركتها) منتصرة على كافة محاولات الإجهاز عليها؛ لتقول في تحد صارخ، وخاصة للذين أسهموا في تقزيهما؛ تاريخيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ها أنا ذاك، قد صرت على عكس ما أردتم.
الأنا المتحدية
الأنا المتحدية للآخر القامع لا تعمل على تجسير المسافة بينها وبين قاهرها فقط، أو حتى خلخلة الهيمنة الذكورية، بل إظهار قدرة النساء على تجاوز أو الانتقال من دور الضحية المجهولة إلى دور بطلة الأزمنة المعاصرة، بتحديها لمؤسسة الذكورة وما تؤمن به من وصايا تجعل المرأة تابعا، وهو ما يؤهلها عبر التمثيل السردي لأن تعيد تشكيل الصورة النمطية الاجتماعية التي كرست عنها في خطابات الرجل وفي تصوراته أيضا؛ بإعطاء النساء أدوارا محورية داخل النص.
في هذه المقالة أستعرض لمذكرات أربع شخصيات نسائية هي ملالا يوسفزاي، ونادية مراد، ونجود علي، وانتصار عبدالمنعم، في محاولة للتعرف على أشكال المقاومة والصمود للنجاة من السلطوية على كافة أشكالها، وقد كشفت هذه المذكرات على اختلاف بلد المنشأ (باكستان، العراق، اليمن، مصر) عن تقاطعات كبيرة توحد أفكار هذه الأيديولوجيات والأنساق الحاكمة، وموقفها – تحديدا – من المرأة، ولنقل صراحة من جسدها على حساب فكرها.
الجامع المشترك بين هذه الكتابات علاوة على أنها نتاج أوضاع سياسية واجتماعية وثقافية معينة انعكست – بالسلب – على وضعية المرأة ومكانتها؛ أن بطلاتها نساء تحدين الأعراف والمواضعات الاجتماعية وأيضا السلطات السياسية، ولم يقف التحدي عند مواجهة الأنساق المـكبلة فحسب، بل تجاوزها إلى تحدي الصعاب كافة، وبدء طريق جديد مغاير عن ذلك الذي أراد أصحاب هذه الأفكار أن تسلكه البطلات. ومن هذه التقاطعات حضور الكاتب الشبح (في ثلاثة أعمال)، والمقصود بالكاتب الشبح هو وجود راو يسرد على لسان الضحية، وإن كان يفسح المجال لصوت الأنا ليعلو واضحا، سواء في العناوين “أنا ملالا“، “أنا نجود” أو بالسرد المذوت.
ملالا في مواجهة العنف
تعرضت الطفلة ملالا يوسفزاي لمحاولة اغتيال فاشلة على يد طالبان في 9 أكتوبر 2012، وهي تستقل حافلة المدرسة للعودة إلى البيت مع صديقاتها، وبعد عام من الحادثة – وقد صارت ابنة السادسة عشر ربيعا – وقفت أمام جمعية الأمم المتحدة للشباب في نيويورك عام 2013؛ لتخطب موجهة خطابها لقاتلها الذي لم ينل منها (وأيضا لمن يقف خلفه) قائلة لقد «اعتقد الإرهابيون أنهم سيغيرون أهدافي وسيوقفون طموحاتي، ولكن شيئا لم يتغير في حياتي، لقد قتلوا الضعف والخوف واليأس في داخلي، وولدت بدلا منها القوة والشجاعة».
طالبان حاولت قتل ملالا لدفاعها عن حق التعليم
نموذج شخصية ملالا التي هاجمها الإرهابيون؛ لأنها تتبنى قضية تعليم الفتيات في بلدها، يكشف معتقدات الأيديولوجيا المهيمنة التي أرادت أن تسكت لا صوت ملالا وفقط، وإنما توقف مشروعها ونضالها من أجل التعليم، إلا أن الفتاة أبت أن يخمد صوت المقاومة في داخلها، واستمرت في رحلتها غير مبالية بمحاولات التكميم، أو حتى ارتدعت لرصاصات الموت؛ مدفوعة بصوت يستمد قوته من تراث الشعر البشتوني القديم، الذي هو بمثابة الحافز على النهوض من جديد كأنها طائر الفينيق الذي يولد من جديد من رحم رماده، متمثلة لقول الشاعر “لأن يأتيني جسدك وقد مزقه الرصاص بشرف أهون عندي من أن يردني نبأ فرارك من المعركة”.
تحكي الطفلة البشتونية مسترجعة مشاعر الفزع والرعب التي انتابتها بعد اقتحام طالبان لحافلة المدرسة في منتصف النهار في وطن “تأسس في منتصف الليل”، لا لشيء إلا لمطالبتها بحق الفتيات في التعليم، وهتك أفعالهم بعد نزول قواتهم إلى منطقة سوات. نعم، تقولها بصوت عال «أنا ملالا» التي عادت مرة ثانية إلى الحياة، أقوى مما كانت عليه من ذي قبل، وكأنها حققت مغزي البيت الأخير الذي كان يردده أبوها عليها في طفولتها للشاعر رحمة شاه سايل “يا ملالاي مايواند/ انهضي مرة أخرى كي تفهمي البشتون أغنية الشرف/ فكلماتك الساحرة تجعل العالم يدور/ أتوسل إليك/ انهضي مرة أخرى”.
كما تحكي الفتاة ليس قصتها وفقط، بل قصة الأسرة وكفاح الأب من أجل التعليم، ثم تتجاوز هذا لتقدم (وهو ما يدعو للحيرة!) صورة وطن أنهكته الحروب (الروس، الحرب على الإرهاب) والصراعات الدينية والسياسية الداخلية (التنازع على السلطة) والخارجية (ضد طالبان).
تتطرق السيرة – في أحد جوانبها المهمة – إلى النسيج الاجتماعي في باكستان، وعن علاقة المسلمين بالمسيحيين، وحالة الانقسام بين المسلمين السنة والشيعة، وانقسام السنة إلى فرق متعددة تمثل الغالبية العظمى لسكان باكستان، وأيضا تسرد عن نفوذ رجال الدين في عهد الجنرال ضياء الحق ثم هيمنة رجال طالبان، والأزمات المتلاحقة التي منيت بها باكستان، بالإضافة إلى سردها لصور من الفقر الذي كان يعيش فيه الكثير من أفراد مجتمعها.
في الأخير هي حكاية «تجعلك تؤمن بقوة صوت الفرد من أجل إلهام التغيير في العالم» كما ورد في موقع يوسف زاي تعليقا عليها
في سيرة “أنا نجود: ابنة العاشرة ومطلقة” لليمنية نجود علي، الفتاة الصغيرة التي حرمت من حق التعليم وهي في الصف الثاني، ثم زوجت وهي طفلة، ثمة تحد لهذه البطرياركية التي محت وجودها وهويتها وتحدثت بلسانها، ومن ثم عندما هربت من البيت وتوجهت إلى المحكمة لم تتراجع قيد أنملة عن قرارها في مقابلة القاضي، كانت مصممة على أن تقابل أي قاض، كي تحكي حكايتها.
لخصت علي حكايتها في عبارات بسيطة إلا أنها مؤلمة كاشفة عن ظلم اجتماعي فادح، فهي تقول “أنا قروية بسيطة تعيش في المدينة، وقد انصعت دائما لأوامر رجال العائلة، تعلمت دائما أن أقول ‘نعم’ لكل شيء. واليوم قررت أن أقول ‘لا’ وأنا ملطخة من الداخل، كما لو أنه تم اغتصاب جزء من ذاتي. لا يحق لأحد منعي من الحصول على موعد مع العدالة، إنها فرصتي الأخيرة، ولن استسلم بهذه السهولة”.
أنا نجود: ابنة العاشرة ومطلقة”
في مقابل صورة السلطة البطرياركية التي يمارسها أفراد العائلة بحجة الحماية والوصاية، هناك السلطة السياسية الرابضة على الأنفاس منذ ثلاثين عاما، فصورة العم علي (كما علموها في المدرسة أن تتحدث عن رئيس البلاد)، هي أشبه بالسلطة العائلية، فهو يخاطب بالعم أيضا، ومن ثم تتخذ قرراته حصانة القبول وعدم الرفض، لأنها محتمية بسياج العائلة ورب الأسرة الكبير الخائف على الجميع.
تكشف السيرة المعاناة التي كانت تعيشها نساء من بنات جلدتها، وحالات القهر والانسحاق لذواتهن بسبب إكراهات السلطة الاجتماعية وقوانينها المجحفة، وأول شيء يمارس ضد المرأة هو حرمانها من التعليم، حتى تكون فاقدة للقدرة على الفهم، ومن ثم حلول الرجل محلها في اتخاذ القرار في ما يخصها، فأم نجود (شويا) تزوجت من والدها وهي صغيرة، لم تبلغ بعد السادسة عشرة من عمرها، بل في موقف أشد ظلما وسحقا لذاتها “انصاعت بإذعان لرغبات زوجها عندما قرر بعد ذلك بأربع سنوات توسيع العائلة باتخاذه زوجة ثانية”، فالنظرة الذكورية متمثلة في الأب ترى كحجة على رفض تعليم الفتيات أنهن “ضعيفات جدا وغير منيعات ليمكنهن المجازفة لوحدهن على هذه الطرق شبه الصحراوية حيث يتربص بهن الخطر، وراء كل صبارة”.
فإلى جانب ما ترويه عن مأساة زواجها من رجل يكبرها وهي طفلة، وهو الزواج الذي كان بمثابة وسيلة لتخفيف العبء عن العائلة، بإنقاص فم من الأفواه المفتوحة، فهي في الوقت ذاته تقدم سردية عن المعاناة والفقر والجهل المستشري في هذه المناطق لغياب العدالة والحقوق.
لا تقف صور الظلم الاجتماعي على نجود التي تجرأت ورفعت صوتها وأعلنت عن الظلم الواقع عليها، لأنها كما تقول “أنا مستعدة لتسلق الجبال كي لا أنتهي”، فهناك حكاية أختها منى التي تجتر آلامها في صمت وخنوغ مذلين، ارتضت الصمت وتحملت هي الأخرى العار، بسبب خيانة زوجها لها مع أختها جميلة، وفوق هذا تخليها عن ابنتها منيرة، والتي استغلتها جدتها في أعمال التسول.
تمرد الأخت
تستهـــل انتصــار عبدالمنعــم مذكراتها “حكايتي مع الإخوان: مذكرات أخت سابقة” بذكر دوافعها لكتابة هذه المذكرات التي جاءت من باب المكاشفة وجلد الذات، فالمؤلفة التي مرت بتجربة الانتساب إلى الجماعة وكانت من الأخوات، لكن بعد مرحلة اختبار لمبادئهم التي آمنت بها قبل الانتساب للجماعة، كفرت بهذه المبادئ التي يفسرونها وفق أهوائهم ورغباتهم التي تتغير بلون الجو العام المحيط بالجماعة؛ فانشقت عنهم، ولم تكتف بالانزواء في البيت، وإنما أرادت التحدث والكشف عن وجهة نظرها فيما مر.
فالتنظيم كما تراءى لها كيان جامد لا يعترف بالفرد إلا بما يقوم به من تنفيذ أوامر وتوجيهات، لا يعرف في أحيان كثيرة الهدف منها. فذات الفرد تنسحق لحساب التنظيم والأوامر الفوقية التي لا يسعها إلا الإذعان والخضوع لها، مهما كانت متعارضه مع قناعته، فهو مجرد فرد مطيع لا يحق له الاعتراض، أو حتى النقاش حول ما يصدر له من أوامر.
قراءة من الداخل لأفكار التنظيم
المذكرات هي أشبه بقراءة من الداخل لأفكار التنظيم، تفكك الصورة الذهنية أو الهالة المصنوعة عنه، وبمعنى أدق تقوض المثاليات، فتفكك كل الأطروحات التي كانت عامل جذب واستقطاب للشباب، كتربية النشء مثلا، ومكانة المرأة وطبيعة أدوارها في فكر المنظرين الكبار، ومفهوم الجهاد وغيرها، ومن ثم تنتهي إلى أن المجتمع الذي يبدو نموذجيا، في داخله تفكك وانهيار، حتى ولو بدا بصورة نقيضة.
فالكيان الكبير قائم على نظام داخلي يدور حول مركز واحد، هو إرضاء الإله الأصغر الذي يمهد لأعضائه طريق الجنة الموعودة، فهو قائم على تقييد حريات الكثيرين نساء ورجالا، وإن كان يطلق العنان لقلة من ذوي القربى والمحسوبين، وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة والمجتمع المثالي وغيرها من شعارات يرفعها أعضاء التنظيم، وإن كانوا داخل أروقة التنظيم يعملون ضدها، بل يكسرونها في كل لحظة.
وتتطرق المذكرات لنظرة الأخوات لغير المنتسبات للجماعة، وترى أنها نظرة علوية فيها الكثير من الاحتقار والتهميش، كما يشوبها استعلاء وإقصاء وعدم اعتراف بكينونة من لا يتوحد معهن في الأفكار، وهي في صورتها الكلية نظرة مناقضة للهدف الدعوي الذي انبنت عليه الدعوى، وقامت من أجله الجماعة منذ بيان تأسيسها الأول.
لا تقف المذكرات عند إظهار التناقض الحاد في أفكار الإمام في مسألة المرأة، ثم مخالفة الإخوان لهذا الفكر الرافض لتعليم المرأة ومشاركتها في الأمور السياسية، وإنما تفند هذه الأباطيل بالرجوع إلى المدونة التاريخية، واستحضار لمواقف تؤكد حرص الرسول الكريم على دعم السيدة عائشة في التعلم، وأيضا لتمثيلات لشخصيات نسائية لعبت أدورا سياسية مهمة كـ(السيدة عائشة، والسيدة أسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة زوجة الرسول). كل هذه التمثيلات تؤكد أن دور المرأة لم يقتصر فقط على دورها في مجالات معينة في التعلم، أو حتى أنها منذورة لبيتها وأسرتها، وأن تكون مفرخة لإنتاج الأولاد وفقط، بل أكدت دورها الاجتماعي وكيف أنها كانت موئل كنموذج السيدة عائشة كل الرجال والنساء ينهلون منه العلم.
انشقاق أو تمرد صاحبة المذكرات عن الجماعة لم يكن لتسجيل بطولة، أو محاولة لتشويه صورة الجماعة، بقدر ما هو رفض قاطع لأن تكون مثل القطيع، تنساق وتنفذ أوامر دون مناقشتها أو حتى قبولها، فقد أرادت أن تكون نفسها/ ذاتها، فكما تقول “لن أسلم عقلي لغيري في الوصول إلى الطريق، لن أنتمي لغيري أبدا، ولن أقوم بتجزئة نفسي ما بين حزب سياسي وتنظيم ديني”، وبصريح العبارة “رفضت ألا تعمل عقلها في ما خلقه الله من تفكير وتحليل وتساؤل”.
الفتاة الأخيرة
أما نادية مراد في “الفتاة الأخيرة” وهي الفتاة الناجية من أهوال تنظيم داعش الدامي تسرد قصتها مع الأسر ومعاناتها كي تتحرر من الأسر، ثم الفرار لتسرد لا حكايتها فحسب وإنما حكاية/ مأساة شعب أو طائفة الإيزيديين (أقلية دينية) الذين تعرضوا للقهر والإقصاء بسبب معتقداتهم الدينية التي جاءت مخالفة للمحيطين بهم، سواء من العرب السنة أو الأكراد السنة المجاورين لهم، أو من نظام البعث نفسه.
فتقدم سردية مأساوية عن محاولات الاستمالة من قبل المحيطين، وبخاصة نظام البعث الذي رغب في طمس هويتهم بسلخهم عن الأكراد، ليكونوا له عونا في حربه ضدهم. ومن ثم تستفيض في سرد حالة الظلم التي عانى منها الإيزيديون والأكراد من نظام البعث، فجاء اجتياح بغداد عام 2003 بمثابة التحرير لهما، وأثر هذا على الأكراد، فقد كان هذا الاجتياح بداية تحولهم من قرى صغيرة هشة إلى مدن عصرية كبرى تعج فيها الفنادق ومكاتب شركات النفط.
نادية مراد الفتاة الناجية من أهوال داعش
وإن كان في جانبه السلبي جعلهم في مرمى النيران؛ إذ بدأت القرى المجاورة لهم في إيواء الإرهابيين، الذين أدانوا المسيحيين وغير المسلمين السنة، وقد اعتبروا الإيزيديين جيرانهم كفارا.
التحول الخطير حدث مع هبوط تنظيم داعش إلى قريتها/ كوجو والقرى الكردية، إذ صاروا في عالم جديد بعد أن توقفت الحياة بهم، وقد انسلخوا عن العائلات الأخرى في البلدة، حيث هيمنت المخاوف على الأهل، لدرجة خالهم إحساس بأن هناك من يطاردهم فكانوا يهربون، وقد زادت هذه المخاوف بعد ممارسات رجالات داعش القهرية لإجبار الإيزيديين على دخول الإسلام بحصارهم في منازلهم، حتى صارت أشبه بالسجن لهم، لا يستطيعون الخروج، أو حتى إظهار أنهم بداخلها، أو قتلهم. كما كشفت عن المعاناة أثناء هروبهم إلى جبال سنجار، فمن أثر الجوع والتعب توفي أكثر من أربعين طفلا، كما لقى آخرون كثر حتفهم في رحلة هروبهم.
تفكك السردية الأيديولوجيا المهيمنة للتنظيم، فما إن نزلوا قراهم حتى عمها الخراب والدمار، فلا همّ لهم إلا مصادرة المنازل الإيزيدية، ونهب ما بها من مجوهرات وسيارات وهواتف خلوية. فالرجال صاروا أشباحا، أما النساء الأسيرات، فكانوا يوزعوهن على المقاتلين في العراق وسوريا كسبايا. كما قتلوا الآلاف من الإيزيديين في حفلة إعدام عام وألقوا بجثثهم في مقابر جماعية.
كانت هذه المذكرات أشبه بخطابات مضادة كشفت المسكوت عنه في المجتمعات الشرقية خاصة ما يتعلق بمسألة المرأة وحقوقها، وأزاحت الستار عن الممارسات القمعية التي مورست في حق النساء، كما عرت الوجه القبيح لهذه الأيديولوجيا المستترة تحت اسم الدين، وفضحت أكاذيبهم وادعاءاتهم.
ومن جانب آخر أبانت عن قوة صوت الفرد في مواجهة الاستبداد بكافة صوره. والتأكيد على أن ثمة خللا في ميزان القوى الجندري انطلاقا من مفهوم الأنوثة والذكورة، ومن ثم يجب تغيير هذه المنظومة التي تفقتد إلى العدالة، في محاولة تحقيق العدالة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. ومحاولة زحزحة سلطة التمثيل ودورها في ترسيخ التنميط، وتشكيل الهويات.
نقلا” عن العرب اللندنية