كريتر نت – العرب
وجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه في موقف لا يحسد عليه، فتأجيل الانتخابات بسبب رفض إسرائيل السماح للفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية بالاقتراع لا ينذر بإيقاظ “مارد” التوتر بين حركتي فتح وحماس من قمقمه فقط، بل إن الأسوأ من ذلك أن عباس يبدو أنه قد أساء تقدير حساباته الانتخابية، فالحركة التي يقودها منقسمة إلى معسكرات، كما أن القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة ليست مهتمة كثيرا بما يحدث فلديها ملفات حارقة لها أولوية قصوى.
وفتح قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إرجاء الانتخابات الأولى منذ 15 عاما الباب لتوتر العلاقات مرة أخرى بين حركتي فتح التي يتزعمها، وحماس التي تسيطر على قطاع غزة بعد أن شكل تحديد موعد الاقتراع نقطة لانطلاق المصالحة بينهما.
وكان لإعلان عبّاس فجر الجمعة الماضي إرجاء الانتخابات التي كانت مقررة في الـ22 من مايو المقبل إلى حين “ضمان” إجرائها في القدس الشرقية، وقع الصدمة على كافة القوى السياسية. ولم تكن تعلّته بأنّ إسرائيل ما زالت ترفض السماح للمقدسيّين بالمشاركة الكاملة في هذا الاستحقاق كافية لتشفع له ذلك القرار.
وقبل تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن بخمسة أيام كان عباس قد أعلن قراره بإجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية، وحينها لم يكن قد تم التوافق على توقيتها. وقد كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب المنحازة تماما إلى إسرائيل كابوسا للزعيم الفلسطيني.
وأراد عباس تقديم نفسه للرئيس الأميركي الجديد كزعيم ديمقراطي والحقيقة أنه كان قد فاز في انتخابات الرئاسة الفلسطينية عام 2005 بولاية واحدة مدتها أربع سنوات، لكنه استمر في السلطة لمدة 16 عاما دون انتخابات، واليوم يبدو أنه لن يحقق ما كان يحلم به.
خليل الشقاقي: ليست إسرائيل التي تهزم الفلسطينيين بل محمود عباسانتكاسة جديدة
رفضت حماس تأجيل الانتخابات واعتبرت القرار “انقلابا” على التوافقات الفلسطينية. وخرج فلسطينيون في رام الله وقطاع غزة يومي الجمعة والسبت إلى الشوارع للاحتجاج على القرار.
ووصف مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي قرار عباس بأنه “هزيمة كبيرة للفلسطينيين”. وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية “ليست إسرائيل التي تهزم الفلسطينيين بل عباس هو الذي يتخذ القرار ومن الواضح أن الأمر يتعلق بشكل أكبر بتوقع نتائج الانتخابات وليس بقضية القدس”.
ويواجه عباس تحديات كبيرة داخل فتح، فإلى جانب المواجهة مع حماس سيخوض في الانتخابات مواجهة مع كل من القياديين المفصولين من الحركة وهما الدبلوماسي السابق ناصر القدوة ابن شقيقة الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي يقود لائحة “الحرية” وحظي بدعم الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، ورئيس جهاز الاستخبارات السابق محمد دحلان الذي يعيش في الإمارات ورئيس تيار الإصلاح الديمقراطي، وهو تيار كوادره من المنتمين سابقا إلى حركة فتح.
وأجريت آخر انتخابات تشريعية فلسطينية في العام 2006 وحققت فيها حركة حماس فوزا كاسحا بعد انتخابات رئاسية في 2005 جاءت بعباس رئيسا خلفا لياسر عرفات.
ويعيش 300 ألف فلسطيني في القدس التي يعتبر الفلسطينيون الشطر الشرقي منها عاصمة للدولة التي يتطلعون إليها، ويحتاج نحو ستة آلاف منهم لموافقة إسرائيلية.
وكانت إسرائيل سمحت قبل أكثر من 15 عاما للفلسطينيين في القدس الشرقية بالاقتراع وفتحت لهم عددا من مراكز البريد لذلك. لكنها منذ سنوات بدأت تمنع أي مظاهر سيادية للسلطة الفلسطينية في القدس الشرقية وتلاحق من ينظم أي فعاليات باسمها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب “كيف سيقرر عباس مجددا انتخابات بدون حل مشكلة القدس، وهل ستغير إسرائيل موقفها دون ضغط عربي وأوروبي ودولي؟”.
ويعتقد أن الموقف الفلسطيني في أسوأ حالاته لأن قرار الرئيس “وضع فتح والسلطة الفلسطينية والرئاسة في مأزق البحث عن حلول كما أن الفلسطينيين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة”، محذرا من أن “التأجيل لأجل غير مسمى قد يدفع إلى التصعيد، لأن مسألة القدس يمكن أن تتحول إلى انتفاضة ثالثة”.
ناجي شراب: عباس وضع فتح والسلطة الفلسطينية والرئاسة في مأزق
وكان لدى الرئيس الفلسطيني البالغ من العمر 85 عاما انطباعا بأن فوزه في الانتخابات محسوم، وبعد ذلك سيصبح من السهل عليه الاستفادة من السياسات الأميركية لصالح قيام دولة فلسطينية. ولكن بمرور الوقت اتضح أن الأمر ليس بهذه السهولة.
ويرى المحلل السياسي الأميركي – الإسرائيلي زائيف شافتس أن بايدن قد يكون أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين من ترامب، لكن مستقبل فلسطين لا يحتل مكانة متقدمة على قائمة أولويات إدارته.
وأطلقت الإدارة الأميركية عدة إشارات إيجابية، لكن بايدن لم يتحدث مع عباس حتى الآن ناهيك عن دعوته لزيارة واشنطن.
ورغم ترحيب الولايات المتحدة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في الأراضي الفلسطينية، لكن التركيز الإقليمي منصب حاليا على إيران وليس على رام الله، كما أن إدارة بايدن تدرك امتلاك إسرائيل لدعم واسع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.
ويقول شافتس إن الأسوأ من ذلك أن عباس يبدو أنه أساء تقدير حساباته الانتخابية. فحركة فتح التي يقودها منقسمة إلى معسكرات.
تبخر الأحلام
أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للسياسة وبحوث الرأي العام في أواخر مارس الماضي أن حركة فتح تأتي وراء حزب الحرية المنشأ حديثا من حيث الشعبية، والذي يعتبر فرس السباق بالنسبة إلى مروان البرغوثي القيادي السابق في حركة فتح والذي يقضي عدة أحكام بالسجن مدى الحياة في سجون إسرائيل بتهمة قتل مدنيين إسرائيليين.
ورغم أن فوز حزب الحرية بالانتخابات لن يعني إطلاق سراح البرغوثي، فإنه سيكون إهانة لعباس وزمرة قياديي حركة فتح القدامى. كما أن حماس ستخوض السباق، وهناك ثأر دموي قديم بين فتح وحماس منذ عام 2007، عندما نفذت الحركة انقلابا داميا أطاح بعباس ومؤيديه في غزة. كما أن هناك خلافات أيديولوجية وفنية جوهرية بين الحركتين.
زائيف شافتس: مستقبل فلسطين لا يحتل مكانة على قائمة أولويات بايدن
وبالطبع لا تعترف حماس بحق اسرائيل في الوجود. وخاضت ثلاث حروب ضدها في العقدين الماضيين. وتتهم عباس بأنه متعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهو قول ينطوي على بعض الحقيقة، فبينما يشن عباس حربًا دبلوماسية ضد الدولة اليهودية، فإن قواته شبه العسكرية تتعاون معها بشكل وثيق في الموضوعات الأمنية.
وفي أواخر أبريل الماضي شهدت مدينة القدس اشتباكات بين حشود من النشطاء الفلسطينيين والشرطة لإسرائيلية بسبب القيود المفروضة على التجمعات خلال شهر رمضان، وهو موسم حساس دائمًا بالنسبة إلى إسرائيل. ومن غير الواضح أن حماس تقف وراء هذه الاشتباكات، كما أنه لا يبدو أن الشباب المشارك فيها من مؤيدي عباس.
وبالتزامن مع اشتباكات القدس نظمت حماس مظاهرة حاشدة في غزة تأييدا لمن أطلقت عليهم “المتظاهرون الأبطال” في القدس. كما أطلقت هجمات صاروخية تجاه المدن والبلدات الإسرائيلية على الحدود مع غزة تعبيرا عن التضامن مع غضب أهالي الضفة الغربية.
وفي أي انتخابات فلسطينية لن يرغب أحد في أن يتهم بالتهاون في الدفاع عن القدس، وهذا هو الموقف الذي وجد عباس نفسه فيه، فهو لا يستطيع إطلاق الصواريخ على إسرائيل ولا التهديد بأعمال عنف في الشوارع.
لكن التزام الصمت أيضا يمكن أن يكلفه الانتخابات وفي مواجهة هذا الاحتمال لجأ عباس إلى ما كان يفعله في الماضي وهو محاولة إلغاء الانتخابات بسبب القدس ليس إلا.
وقال الرئيس الفلسطيني أمام اجتماع لحركة فتح “نؤكد أننا لن نقبل تحت أي ظرف بإجراء انتخابات عامة دون السماح لسكان القدس الشرقية بالتصويت فيها وللمرشحين بالقيام بدعاياتهم في المدينة”.
وفي المقابل فإن إسرائيل التي تدعي سيادتها على المدينة، لم تعط موافقتها على إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية. ورغم ضغوط الاتحاد الأوروبي من غير المحتمل أن توافق على ذلك. وعباس يعرف ذلك. وبالتالي فإن شرطه هذا دفعه إلى التراجع عن إجراء الانتخابات التي دعا إليها.