كريتر نت – باريس
كان ملف “الانقلاب العسكري” في فرنسا على وشك أن يغلق بعد أن وزعت مجموعة من كبار الضباط المتقاعدين الشهر الماضي مقالة عن تفكك البلاد والحاجة إلى التحرك لمنع ذلك، قبل أن تلوّح مجلة “فالور أكتويل” بنشر مقالة جديدة موقعة من ضباط مازالوا في الخدمة هذه المرة.
وتعتبر الخطوة خروجا عن عرف عسكري يلتزم به الضباط سواء أكانوا في الخدمة أم في التقاعد/الاحتياط.
وكانت المجلة الفرنسية نشرت في أبريل الماضي مقالاً أثار صدمة في البلاد ووقّعه “حوالي عشرين جنرالاً ومئة ضابط رفيع المستوى وأكثر من ألف عسكري آخرين” ناشدوا فيه الرئيس إيمانويل ماكرون الدفاع عن الحسّ الوطني وأعربوا عن استعدادهم “لدعم السياسات التي تأخذ في الاعتبار الحفاظ على الأمّة”.
وجاء المقال في الذكرى الستين لانقلاب فاشل نظمه قادة في الجيش الفرنسي ضد الرئيس الفرنسي شارل ديغول عام 1961 احتجاجا على ما اعتبروه تراخيا في التعامل مع ملف الحرب في الجزائر والعزم على الانسحاب منها.
وأثار المقال ردود فعل مستهجنة واعتبر أن الجيش “المحايد” نظريا يتدخل في شأن سياسي ليس من اختصاصه، ودعا سياسيون ورجال فكر إلى محاكمة الموقعين.
لكن النيابة العامة بعد فتحها تحقيقا في الأمر سارعت إلى إغلاق الملف وقالت إن أي إخلال جنائي لم يحدث، وهو ما اعتبره محللون تحركا على أعلى مستوى في فرنسا للملمة الأمر قبل أن يستفحل ويمتد إلى قطاعات الأمن الأخرى، خصوصا أجهزة الشرطة التي تجد نفسها في معركة مفتوحة مع الإرهاب والفوضى في الضواحي وتُتهم بأنها تحيزت ضد حركة “السترات الصفراء” وقمعتها في حين تتغاضى عن الإسلاميين.
جان دانيال ليفي: بشكل عام، لدى الفرنسيين الآراء نفسها التي أعرب عنها الجنرالات
لكن غلق الملف قضائيا لم يمنع من تفاعله بشكل خطير بعد أن أعلنت نفس المجلة المحافظة المتشددة أنها بصدد نشر مقال ثان ولكن موقّع من مجموعة من العسكريين الفرنسيين ممن لا يزالون في الخدمة.
وقال جيفري لوجون مدير تحرير المجلّة الأسبوعية “هذا مقال جديد من عسكريين في الخدمة الفعلية هذه المرّة. لقد فكّروا فينا لأنّنا نشرنا المقال السابق”، وأضاف أنّ “هؤلاء العسكريين طلبوا إبقاء أسمائهم طيّ الكتمان”.
لكنّ مدير تحرير “فالور أكتويل” قال إنّ المقال الجديد لم يستوفِ حتّى الساعة كل الشروط التي تفرضها المجلّة لنشره على صفحاتها، مشيرا إلى أنّه ينتظر قبل كل شيء الاطّلاع على النسخة النهائية من المقال الذي ما زال قيد الصياغة.
وأضاف أنّه يبحث أيضا عن طريقة تمكّنه من “التحقّق” من عدد الموقّعين على المقال وضمان عدم الكشف عن هوياتهم.
وشنّ العسكريون المتقاعدون في مقالهم هجوما شرسا على “التفكّك” الذي يضرب، حسب رأيهم، وطنهم و”يتجلّى عبر شيء من معاداة العنصرية، بهدف واحد هو خلق حالة من الضيق وحتّى الكراهية بين المجموعات”، محذّرين من أنّه “تفكّك يؤدّي مع الإسلاموية وجحافل الضواحي إلى فصل أجزاء عديدة من الأمة لتحويلها إلى أراض خاضعة لعقائد تتعارض مع دستورنا”.
وبعد يومين على نشرها هذا المقال أفردت المجلة نفسها صفحاتها لرسالة من مارين لوبن زعيمة حزب التجمّع الوطني (أكبر أحزاب المعارضة، يميني متطرّف) تدعو فيها هؤلاء العسكريين إلى الانضمام إليها في “المعركة من أجل فرنسا”.
وندّد رئيس الوزراء جان كاستيكس بالخطوة التي أقدم عليها هؤلاء العسكريون، معتبرا أنّها “تتعارض مع كلّ مبادئنا الجمهورية”، ومتّهمًا حزب التجمّع الوطني بمحاولة “التكسّب سياسيًّا” من هذا المقال.
وتكمن أهمية المقالين في أنهما صارا يعكسان وجهة نظر شعبية سائدة وأن الضجة التي أثيرت تعبر عن غليان سياسي واجتماعي أكثر مما تتحدث عن موقف الجيش.
ويعتبر الجيش الفرنسي مهنيًّا ومحايدًا سياسيًّا ومن المستبعد جدّا أن يقوم بانقلاب، وهو شيء لم تشهده أوروبا الغربية منذ الانقلاب الفاشل في إسبانيا عام 1981.
وبحسب استطلاع للرأي أُجري بعد اندلاع الجدل أيّد 58 في المئة من الناخبين الفرنسيين -فيهم كثيرون من اليسار- ضباط الجيش الذين وقّعوا الإعلان. وقال 74 في المئة إن المجتمع الفرنسي ينهار، واتفق ما لا يقل عن 45 في المئة على أن فرنسا “ستشهد حربًا أهلية قريبًا”.
وقال جان دانيال ليفي، العضو المنتدب لشركة هاريس انتراكتيف، التي أجرت الاستطلاع “بشكل عام، لدى الفرنسيين الآراء نفسها التي أعرب عنها الجنرالات”.
ويراقب رجال الشرطة ونقاباتهم ما سيرشح عن المقال الثاني ومن غير المستبعد أن يدخلوا بدورهم في حلقة الجدل باعتبارهم الخط الأمني الأول في مواجهة الإسلاميين وتظاهرات الضواحي.
وتشهد فرنسا عمليات إرهابية بشكل دوري يشنها إسلاميون ممن يصنفون “ذئابًا منفردة”، حيث تمكن تنظيما القاعدة وداعش من تجنيد المئات من الفرنسيين من أصول مشرقية أو مغاربية عاد الكثير منهم إلى فرنسا بعد تراجع حدة القتال إثر انهيار تنظيم داعش في العراق وسوريا.
المصدر : العرب اللندنية