كتب : عبدالستار سيف الشميري
بين السياسة والحرب تفاصيل وفصول مربكة، فالسياسة هي أن تعرف تأثيرك وما لديك ثم تتحرك وفقا لتلك المعطيات تبعاً لمصالحك، لقد فشل العرب والفلسطينيون خاصة في القضية المزمنة، سياسيا، وعسكريا، رغم أنها قضية عادلة.
وقبل أن تكون هذه القضية ضحية الاستعمار القديم فهي ضحية النخبة الفلسطينية المشطورة وضحية قبل ذلك كله للاستثمار البشع للقضية وفشل العقل العربي في إدارة السياسة، وفي كل جولة من جولات الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، التي لا نرى منها سوى تضخم وظهور العاطفة العربية والانفعال واللا واقعية وضيق الأفق وردود الأفعال الآنية.
لقد ارتضى الفلسطينيون حكما ذاتيا في بعض فلسطين وتشكلت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني لأول مرة عام 1994، ومع أول انتخابات انقسمت السلطة إلى سلطتين لا يعترف أحدهما بالآخر وقدموا للعالم نموذجا حيا للعقلية العربية عندما تتاح لها فرصة الاختيار الحر.
ما تفعله حماس خليط بين الفعل المقاوم والاستثمار السياسي وصناعة الفرقة الداخلية والخلط الأيديولوجي. هذا المزيج يجعل حتى المتعاطف مع الفلسطينيين مرتبكا مشتت الوجهة، هذا الخلط الحماسي الفريد نتيجته مزيد من الانتكاسات السياسية ومزيد من مشاعر الفخر والانتشاء المؤقت الذي لا يصمد أو ينتج شيئا على الأرض لصالح القضية، ناهيك أن الفلسطنيين لم ينجحوا في التعبير عن أنفسهم ولا إدارة دويلتهم رغم مليارات الدعم العربي والدولي.. بينما نجح الاحتلال في التعبير عن شعبه وذاته وادرته ومعاناته القديمة.
لا شك أنه في كل مكان من هذا العالم هناك ألم وقهر ومعاناة، الوحيدون الذين نجحوا بتحويل ذلك الألم إلى نجاح هم اليهود، في حين يصر المسلمون والعرب بطوائفهم على الأسلوب القديم البدائي، وإشعال الحماس المؤقت الذي يصير إلى سراب.
ستنتهي هذه الجولة من الصراع كسابقاتها، ذلك أن حماس وإسرائيل يقومان معا في أداء دوريهما في مسلسل الحرب، ويستثمر كل منهما نتائجها بطريقته، نتنياهو لصالح وضعه السياسي الحرج، وحماس ومن خلفها الإخوان لإعادة زخم شعبي عربي تناثر منهم في كل البلدان.
ليس هناك حرب ناجزة ولا سلام مؤكد، فالسلام سيكون بمثابة فخ، تفقد من خلاله حماس الكثير من امتيازاتها التي لا يمكن أن تحصل عليها إلا من خلال الحرب باعتبارها مشروعا ربحيا لا يمكن التنازل عنه. تدير جميع حروبها لابتزاز السلطة في رام الله، كونها تلعب دورا محوريا في الحياة السياسية الفلسطينية، كما أن علاقة إسرائيل بحماس لا ترى على حقيقتها من خلال الحروب فهي مجرد غطاء، بالرغم من أنه غطاء باهظ الثمن من جهة كلفته البشرية والمادية على الجانب الفلسطيني، بل يمكن رؤية تلك الحقيقة من خلال تمدد أطراف إقليمية واستيلائها على جزء من القضية الفلسطينية عن طريق تمكنها من السيطرة على تنظيم مسلح فلسطيني يقف على ضفة المعارضة ولا يمكن احتواؤه من قبل السلطة الفلسطينية. ذلك التنظيم يؤدي خدمات ذات طابع إقليمي لا صلة له بالقضية التاريخية…
وفصل المقال إن علاقة العرب بالقضية الفلسطينية هو الرثاء في كل جولة حرب، وصناعة خنساوات بشكل ظريف، وعلاقة حماس بالقضية هو الاستثمار باعتبارها من أكبر الشركات الجهادية عابرة المذاهب والأوطان في الشرق الأوسط برمته، التي لا تبدأ بإيران وتنتهي في قطر، بل تتعداهما، ولذا فإن إحراز أي نجاح في قضية فلسطين يبدأ من الداخل الفلسطيني والخروج من حالة التوهان والاستثمار ليس إلا.
.