كتب : أحمد حرمل
“الشهادة ولا الموت على الوسادة”
يحيى الشوبجي
كم أجد صعوبة في رثاء شخص بحجم الشهيد الرفيق المناضل المتفرد يحيى محمد مثنى الشوبجي؛ فعند أي محطة من محطاته النضالية أتوقف؟ وعن أي مرحلة من مراحل سيرته الكفاحية أتحدث؟ وعن أي موقف من مواقفه أكتب؟
فهل أكتب عن الشوبجي اليساري صعب المراس الذي عرفته ساحات وميادين النضال في شتّى المجالات…؟ أم عن الشوبجي المقاوم أبو الشهداء الثلاثة المرابط في خنادق ومتاريس القتال ..؟ أم عن الشوبجي الشخصية الاجتماعية الجامعة المرنة ..؟ أم عن يحيى الشوبجي الإنسان الغائب عنا الحاضر فينا…؟
لقد جمعتنا بالشوبجي قرابة فكرية كيساريين وروابط نضالية معززة بقيم ومبادئ تعلمناها في مدرسة الاشتراكي النضالية ولذا فلا غرابة ان يكون الشوبجي ذو ارادتة فولاذية لم تخوفه المعتقلات ولم تكسر عزيمته الملاحقات ، ولم تضعفه المغريات .
يحيى الشوبجي المناضل الصلب الذي عرفته مثابرا “ومبادرا” ..، يحيى الشوبجي الذي ظل قابضا” على مبادئه كالقابض على الجمر ..، يحيى الشوبجي الذي كان يمثل لنا نحن رفاقه في منظمة الاشتراكي في مديرية الضالع مركز الثقل يفتح لنا الأبواب الموصودة ..، يحيى الشوبجي رجل المواقف الصعبة والأخلاق الحسنة .. يحيى الشوبجي الورقة الرابحة التي كنا نطمئن لها عند تكليفه بأي مهمة.
في الانتخابات المحلية الأولى التي جرت عام 2001 عملت منظمة الحزب في مديرية الضالع قراءة للخارطة السياسي في مراكز الاقتراع
وضمن القراءة كانت حجر مغلقة للمؤتمر الشعبي وعند مناقشتنا لهذه القراءة كان للرفيق الذرحاني رأي آخر وقال لنا: ممكن نسجل اختراق في حجر قلنا له كيف المؤتمر شغال هناك بقوة وحيدر رمى بكل ثقله فرد علينا الذرحاني لدينا ورقة رابحة هو يحيى الشوبجي سيفوز دون عناء.
فتم ترشيح الشوبجي وفعلا” كان الشوبجي هو الرقم الصعب وكان بالنسبة لنا مستر كي الذي يفتح كل الأبواب ، وتمكن الشوبجي من الفوز وحصل على أعلى الأصوات من بين كل مرشحي المديرية.
ومثل ما كان الشوبجي مستر كي لنا في الاشتراكي كان كذلك في المجلس المحلي فعندما تواجه المجلس المحلي أي صعوبة في تنفيذ أي مشروع بسبب خلاف مع الأهالي كان مستر كي يحيى الشوبجي -رحمه الله- ينبري لها ويحلها لما له من ثقل سياسي واجتماعي .
عرفت الرفيق يحيى وفيًّا” .. صادقا” .. كريما .. شهما” .. منواضعا” .. الإيثار طبعه والقناعة سجيته .. يتحلّي بالحميد من الأخلاق وبالسامي من القيم.
كان يدس يده في جيبه ليخرج ما به من نقود ليوزعها على رفاقه وكانت حصته من تلك النقود هي الأقل ، وكان يتقن فن الاختلاف ، ويحسن كسب الخصوم ، ويفرق بين المواقف السياسية والعلاقات الاجتماعية؛ ولذا تجده يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم ويعمل على حل الكثير من المشاكل والنزاعات بين أبناء منطقته أو المشاكل والنزاعات التي تحصل لأبناء منطقته مع أشخاص من مناطق أخرى كونه كان يحظى بقبول الجميع .
عرفته مبتسم حتى في أحلك الظروف ففي 29 نوفمبر 2007 تم اعتقالنا أنا والشهيد محمد مسعد العقلة ومنصور زيد وآخرين من ساحة العروض في خور مكسر وعند وصلونا إلى سجن البحث الجنائي وجدنا الرفيق الشوبجي معتقلا فيه وفي الوقت الذي كنا فيه منزعجون من الانتشار الأمني وحركة الجنود والاستفزازات التي تعرضنا لها كان الشوبجي مبتسما” بشوشا” همست في أذنه ما الذي يجعلك تبتسم أخي يحيى فاتسعت ابتسامته وقال لي أضحك على أمين المعكر كنت أنا وهو عندما وصل الطقم رجع جمل وكان يسوي الخمس الخطوات خطوة وحده ما قدروش الجنود يلحقوه حينها افنجرت ضاحكا” وكادت ضحكتي أن تسبب لي الضرب بهراوات أفراد الطقم الذي اقتادنا إلى المعتقل لولا تدخل المحامي محمد مسعد رحمه الله.
رحل عنا يحيى الشوبجي نبع التضحية وشلال العطاء المتدفق ليلحق بركب أبنائه الشهداء الثلاثة شلال، ومازن، وأنور وشهداء الضالع والجنوب الذي استرخصوا حياتهم من أجل الحرية والانعتاق.
لقد كان الشهيد يحمل أهدافا” وغايات تتجاوز الذات وترتقي إلى حجم القضية التي ضحى بنفسه وأولاده من أجلها ضاربا” أروع الأمثلة في الوطنية الحقة.
آخر مرة رأيته فيها حدقت في وجهه فوجت كل قسمة من قسمات وجهه تحكي قصة كفاح متعدد الأشكال.
رحلت عنا يا رفيق درب النضال رحلت شامخا” كما عشت إننا سنفتَقِدُكَ كثيراً نفتقد نقاءك ونبلك .. نفتقد جلدك وصبرك .. رحلت وتركتنا نأتلم بلا ألم، ونبكي بلا صوت.