كريتر نت – العرب
يتخذ الأردن مواقف تصعيدية محسوبة مع إسرائيل، متماهيا في ذلك مع المزاج الشعبي في الداخل، الذي بات يطالب بالمزيد من الإجراءات ومنها طرد السفير الإسرائيلي على خلفية ما يدور في غزة.
عمان- يتبنى الأردن نهجا تصعيديا مضبوطا حيال إسرائيل، فلئن يعتبر أبرز المتصدرين لجبهة المناوئين في المنطقة لسياسات إسرائيل في القدس الشرقية وباقي الأنحاء الفلسطينية وآخرها التصعيد الجاري في قطاع غزة، لكنه يتجنب في الآن ذاته الدخول في متاهات الإجراءات والإجراءات المضادة لإدراكه بأن للأمر انعكاسات سلبية، قد تصعب معالجتها.
وللأردن حساباته من خلال هذا التصعيد فهو يدافع بذلك على أحقيته في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، واضعا في الآن ذاته الوضع الداخلي للمملكة ضمن تلك الحسابات، حيث إن جزءا كبيرا من سكان المملكة من أصول فلسطينية وأي موقف يصدر عنه محسوب عليه.
وكان الأردن أول من بادر عربيا إلى تسليط الضوء على التصعيد الإسرائيلي في القدس الشرقية عبر سلسلة من التصريحات والمواقف تحذر من مغبة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وأيضا من خلال التحرك في قضية الفلسطينيين المهددين بالطرد من منازلهم في حي الشيخ جراح في ظل دعاوى قضائية رفعها مستوطنون يهود يزعمون أحقيتهم في تلك المنازل.
الملك عبدالله الثاني: هناك جهود مكثفة واتصالات مستمرة مع جميع الأطراف الدولية الفاعلة لوقف التصعيد الإسرائيلي
واليوم يتحرك الأردن على أكثر من مستوى للضغط باتجاه وقف التصعيد في قطاع غزة، واتخذت هذه الضغوط أشكالا مختلفة منها السماح للآلاف من الأردنيين بالتظاهر رغم القيود المفروضة في المملكة جراء الوضع الوبائي، حتى أن المئات من المتظاهرين نجحوا في بلوغ الحدود مع إسرائيل وبعضهم حاول تجاوز تلك الحدود أمام مرأى من الأجهزة الأمنية الأردنية.
بالتوازي مع ذلك نشطت الدبلوماسية الأردنية. وأعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الأحد أن بلاده تشارك في اتصالات دبلوماسية مكثفة لإنهاء التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة.
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن العاهل الأردني قوله “هناك جهود مكثفة واتصالات مستمرة مع جميع الأطراف الدولية الفاعلة لوقف التصعيد الإسرائيلي”. وشدد الملك على أن “المنطقة لن تنعم بالأمن والاستقرار دون التوصل إلى حلّ عادل وشامل يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من (يونيو) حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”.
ويشهد قطاع غزة منذ أكثر من أسبوع تصعيدا خطيرا بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل أدى إلى مقتل العشرات من الفلسطينيين فضلا عن دمار كبير لحق بالبنية التحتية المهترئة بطبعها في القطاع المحاصر.
وتبدو إسرائيل غير مبالية بالدعوات التي تطالبها بوضع حد لحالة التصعيد، مصرة على استكمال أهدافها من العملية العسكرية ومنها استعادة عنصر الردع وتحجيم الفصائل الفلسطينية عبر تصفية قياداتها العسكرية، وأيضا ضرب قدراتها الصاروخية، مستفيدة في ذلك من دعم أميركي وانقسام أوروبي.
ويدرك الأردن أن إسرائيل مصرة على استمرار الحرب إلى حين تحقق أهدافها، حيث إنها لا تريد أن تفوت فرصة تكبيد حركة حماس خسائر قاسية تجعلها تفكر مرارا قبل المبادرة إلى جولة مقبلة، لكنه يسعى مع الحلفاء في المنطقة والمجتمع الدولي للتوصل إلى تهدئة.
وتنتقد بعض القوى في الداخل الأداء الرسمي، حيث ترى بأن التصريحات والحملات الدبلوماسية ضد إسرائيل غير كافية، بل يجب المرور لإجراءات عملية منها طرد السفير الإسرائيلي لدى عمان وأيضا إنهاء معاهدة وادي عربة للسلام مع إسرائيل.
ووافق مجلس النواب الأردني بالإجماع الاثنين على طرد السفير الإسرائيلي، ودعا النواب إلى وقف كافة الاتفاقيات والمعاهدات التي وقع إبرامها مع الجانب الإسرائيلي، وعلى رأسها معاهدة السلام وادي عربة، واتفاقية الغاز.
الأردن يتبنى نهجا تصعيديا مضبوطا حيال إسرائيل
وقال النائب خليل عطية الذي تبنى مذكرة طرد السفير إن “المذكرة وقعها 130 نائبا من مجموع 130”. وأضاف “من الضروري أن تمتثل الحكومة لمطلب النواب وهو بالأساس مطلب شعبي وتقوم بطرد السفير الإسرائيلي من عمان وإعادة سفيرنا من تل أبيب”، مشيرا إلى أن “هذا أقل ما يمكن فعله ردا على ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين”.
وتعهد رئيس الوزراء بشر الخصاونة الذي كان حضر الجلسة النيابية بالنظر في مذكرة طرد السفير الإسرائيلي عند بلوغها الحكومة.
ويستبعد نواب ومتابعون أن تقدم الحكومة سريعا على طرد السفير الإسرائيلي، حيث إنها لا تريد الإقدام على خطوات غير محسوبة وقد تكون نتائجها السلبية أكثر من إيجابياتها، خصوصا وأنها سبق وأن ذهبت إلى هذا الخيار في العام 2018 على خلفية مقتل أردنيين في السفارة الإسرائيلية، وهي الآن لا تزال تعالج تبعات تلك الأزمة التي عززت الشرخ في العلاقة مع الحكومة اليمينية في إسرائيل.
واتسمت العلاقات الأردنية الإسرائيلية بالتذبذب خلال السنوات الأخيرة ويعود ذلك إلى غياب الكيمياء بين العاهل الأردني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وازداد الوضع سوءا بين الجانبين مع إهمال متعمّد من قبل تل أبيب لعمان خصوصا مع توقيع اتفاقات أبراهام.
ودفع هذا الأمر الأردن إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء في التعاطي مع إسرائيل خشية تعرضه لعزلة لاسيما في ظل الأوضاع الداخلية الضاغطة، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كافيا حيث سرعان ما انتكست الأمور على خلفية الزيارة التي كان سيؤديها قبل فترة ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله إلى القدس والتي تم إلغاؤها في اللحظات الأخيرة بسبب الترتيبات الأمنية، لترد عمان على إثر ذلك بمنع طائرة تقل نتنياهو إلى الإمارات من العبور بأجواء المملكة.
مجلس النواب الأردني يوافق بالإجماع على طرد السفير الإسرائيلي، والحكومة تعرب عن استعدادها لمناقشة المذكرة
وما كان من نتنياهو إلا أن امتنع عن مدّ الأردن بكميات إضافية من المياه، كانت طلبتها عمان لمواجهة أزمة المياه التي تعانيها المملكة، لكن بضغوط من المؤسسة الأمنية غيّر رئيس الوزراء الإسرائيلي موقفه واستجاب للطلب الأردني.
يقول محللون إن الأردن لن يتخذ خطوة طرد السفير رغم وجود المذكرة النيابية، على أمل أن تنجح المساعي الدولية التي بدأت تتحرك لوقف التصعيد. ويضيف المحللون إلى أن هذه الخطوة ستكون رهينة تطورات الاتصالات الدولية الجارية لوقف التصعيد في غزة.
ويلفت بعض المحللين إلى أن دعوات قوى حزبية ومجتمعية لعمان بالانسحاب من اتفاقية وادي عربة واتفاقية الغاز، لا تعدو كونها طلبات شعبوية والبعض يزايد من خلالها على الموقف الأردني الرسمي لأنهم يدركون أن الخطوتين ليستا بالسهولة المطروحة كما أنه ستكون لهما تبعات يصعب على الأردن احتمالها.