كيتر نت – العرب
أُعلن الثلاثاء عن تخصيص مصر مبلغ 500 مليون دولار لجهود إعادة البناء في غزة في أعقاب الضربات الجوية الإسرائيلية، وذلك في خطوة تعبّر عن دور مصري جديد في القطاع الذي يمثل جزءا من الأمن القومي لمصر.
وأضاف المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي في بيان عقب اجتماع بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في باريس أن الشركات المصرية ستشارك في عمليات إعادة البناء في غزّة.
وفي الوقت الذي قال فيه متابعون إن مشاركة مصر في دعم القطاع وإعادة إعماره تَحُدّ التصورات القطرية المهيمنة على هذا الملف، كشف آخرون أن هذا التوجه سيتم بالتنسيق مع الدوحة بما يحقق أعلى استفادة ممكنة لسكان القطاع.
أحمد فؤاد أنور: أزمة القاهرة مع الدوحة تتجاوز حدود العلاقة مع حماس
وانعكس التقارب بين مصر وكل من قطر وتركيا بشكل إيجابي على حركة حماس التي تغلبت على الكثير من أوجه التناقض السياسي بين الدول الثلاث.
وظهرت ملامح التقارب في عدم التصادم بين طروحات تلك الدول التي كانت تطفو على السطح خلال المنعطفات التي تشتبك فيها حماس مع إسرائيل، وهو ما اختفى تقريبا في التصعيد الحالي وتبدل إلى رغبة في التعاون والتنسيق.
ولم تظهر معالم محددة في هذا الإطار بين القاهرة وأنقرة، غير أن تجليات المزايدات والانتقادات والاتهامات المعهودة في مثل هذه التطورات بين مصر وقطر اختفت وبدا التعاون واضحا بينهما على عكس المرات السابقة التي كانت قطر تقف فيها على مشارف المعارضة لمصر مستفيدة من علاقتها الوثيقة بإسرائيل.
وتلقّى وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد اتصالا هاتفيا من وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، واتفقا على أهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة واستمرار التنسيق في الإطار الثنائي والأطر الإقليمية والدولية لتحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني.
ولم تكن هذه العبارات مألوفة في الجولات الحاسمة التي خاضتها إسرائيل ضد الفصائل الفلسطينية خلال أعوام 2007 و2012 و2014، حيث درجت وسائل الإعلام القطرية مسنودة بوسائل إعلام تركية وإخوانية، على تحميل مصر جانبا من المسؤولية السياسية والإنسانية والأخلاقية وتعرضت القاهرة لانتقادات حادة وصلت إلى حدّ اتهامها بالتقاعس عن نصرة الفلسطينيين.
وعبّرت الكلمة التي ألقاها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مِن الدوحة الجمعة، وما انطوت عليه من إشادة بالدور المصري من منبر قطري، عن جانب مما تتمناه قيادة الحركة في الحفاظ على علاقة جيّدة بكل من القاهرة والدوحة.
وهذه المستجدّات توفر لحماس فرصة تمديد خيوط التواصل علانية بين القاهرة والدوحة وتَجَنُّبِ الحرج الذي كانت تواجهه في عملية التوفيق بين علاقتيْها بهما معا.
ولم تمانع مصر في أي وقت قيام قطر بدور ما في دعم حماس اقتصاديا، لكنّ ممانعتها كانت تنصب على رفض المتاجرة السياسية بالقضية الفلسطينية وحرفها عن التوجه الوطني الجامع لصالح توجه عقائدي محدود. وكان استهداف القاهرة من قبل الدوحة وإعلامها معبّرا عن عدم صفاء النوايا في التصورات القطرية.
وأشار الخبير في الشؤون الفلسطينية أحمد فؤاد أنور إلى أن أزمة القاهرة مع الدوحة تتجاوز حدود العلاقة السياسية والعاطفية مع حماس، فهذه خَبِرتها مصر وتجيد التعامل معها، وتكمن في محاولة القفز على الواقع والقيام بأدوار تضر بمصالح مصر في المنطقة، فعندما تتفاهم مع إسرائيل على صرف معونات لسكان غزة وتقدمها لحماس مباشرة فهي بذلك تقلل من دور السلطة الوطنية.
وأضاف لـ”العرب” أن القاهرة وجدت أريحية في العمل على وقف إطلاق النار دون إزعاجات قناة الجزيرة القطرية وأخواتها التي اعتادت على التقليل من الجهود التي تبذلها مصر لوقف التصعيد، ووجهت إليها سابقا أصابع الاتهام بأنها تشارك في حصار غزة.
ولفت فؤاد إلى أن القاهرة قامت هذه المرة بخطوات كبيرة لتخفيف المعاناة عن أهالي غزة من حيث فتح معبر رفح وتسهيل دخول وخروج سيارات الإسعاف واستقبال المصابين في المستشفيات المصرية.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن موقف القاهرة الثابت من القضية الفلسطينية هو المعيار الذي يحكم تصرفاتها تجاه حماس والقوى الفلسطينية عموما، وليس توجهات الحركة العقائدية أو علاقتها بقطر وتركيا.
وأوضحت أن العلاقة بين القاهرة وحماس تحكمها ركائز إستراتيجية بحكم الجغرافيا السياسية ولا علاقة لذلك بالتقارب الحاصل مع كل من الدوحة وأنقرة، وربما تكون مؤشرات التقارب أوقفت سيل الاتهامات من جانب وسائل الإعلام التابعة لهما، لكنها لم تغير حسابات الموقف المصري.
ومن المتوقع أن تحمل الفترة التالية لوقف إطلاق النار تنسيقا أكبر بين القاهرة والدوحة، لأن هناك ترتيبات من الناحيتين الإسرائيلية والفلسطينية تفرض توزيع الأدوار، ويمكن أن يسد التعاون بين مصر وقطر بعض الفجوات التي تتسلل منها حماس لجهة عدم التقيّد بما تسفر عنه الخطوة المقبلة من تفاهمات إقليمية.