كريتر نت – موسكو
لم تكن مجموعة فاغنر تظهر للعيان في السنوات الأخيرة سوى في صورة مجموعة مرتزقة تقاتل في خدمة روسيا التي تتبرأ منها وتنفي أيّ صلة بها، لكن الصورة تغيرت بشكل كامل بعد الكشف عن أن الدور الأمني والعسكري المحدود ليس سوى واجهة تغطّي على إمبراطورية اقتصادية آخذة في التوسع بعد أن وضعت يدها على النفط والغاز في سوريا من جهة البحر المتوسط.
أحمد غنام: روسيا غالبا ما توظف مجموعات مرتبطة بها لتنفيذ مهام خاصة
وتظهر الصورة الجديدة لمجموعة فاغنر فكرة تغيير نوعي في التفكير الاستراتيجي الروسي يقوم على عدم الاكتفاء بالتدخل العسكري المباشر لتأمين مصالح موسكو كقوة إمبريالية صاعدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانحسار الدور الروسي كنتيجة لذلك، وأن فاغنر ربما تكون واحدة من الأدوات السياسية التي تعزّز النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، أي المناطق الرخوة التي يجري التنافس الدولي حولها بالدرجة الأولى.
وكان تقرير لمجلة فورين بوليسي قد كشف الثلاثاء أن شركة تابعة لمجموعة فاغنر، وهي شركة كابتال غير المعروفة، قد حصلت على الصفقة الأخيرة التي وقّع عليها الرئيس السوري بشار الأسد في مارس الماضي ومكّن فيها الروس من التنقيب عن الغاز والنفط على سواحل سوريا، وخاصة في المنطقة الخلافية مع لبنان.
وبدت الصفقة ترضية من سوريا لمقاتلي المجموعة التي تقول تقارير إنه كان لهم دور على الأرض في هزيمة قوات المعارضة السورية خلال السنوات التي تلت التدخل الروسي في 2015. مع الإشارة إلى أن مالك المجموعة يفغيني بريغوزين معروف بقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واعتبر المحلل السياسي السوري أحمد غنام أن روسيا ثبّتت أقدامها في سوريا البلد الغني بموارده الطبيعية غير المكتشفة من غاز ونفط، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي الذي يمثل صلة الوصل بين أوروبا والخليج العربي وتركيا والأردن والعراق.
محمد صبرا: شركات النفط الروسية أقامت حروبها الخاصة في سوريا
وقال غنام في تصريح لـ”العرب” إن روسيا غالبا ما تستخدم مجموعات أمنية تعمل تحت إمرة المخابرات الروسية والكرملين، من أجل تنفيذ خدمات لوجستية ذات بعد عسكري واقتصادي.
من جانبه، أكّد المحامي السوري محمد صبرا في تصريح لـ”العرب” أن شركات النفط الروسية أقامت حروبها الخاصة في سوريا وعقدت تحالفات مع مجموعات مثيرة للشبهات بعيدة عن الأنظار، وذلك عبر وكلاء سوريين مثل مجموعة النمر بقيادة سهيل الحسن الذي حرص الرئيس بوتين على استقباله في مطار حميميم بجانب الأسد.
ويعتقد مراقبون أن ما كشفه التقرير عن طبيعة شركات فاغنر سيجعل الأنظار تركز على أنشطة هذه المجموعة في بلدان أخرى، من ذلك دورها في ليبيا وفنزويلا الدولتين النفطيتين، وفي أفريقيا الوسطى حيث حقول الذهب والألماس، مشيرين إلى أن الطبيعة المزدوجة، العسكرية والاقتصادية، ستجعل المجموعة أكثر ولاء والتزاما تجاه الكرملين على عكس الشركات الدولية الأخرى التي تبحث عن مصالحها حتى وإن اختلفت مع مصالح البلدان الأصلية.
وقالت كانديس روندو الأستاذ في مركز مستقبل الحرب، وهو مبادرة مشتركة بين جامعة نيو أميركا وجامعة ولاية أريزونا، “التحدي الذي نواجهه الآن هو أن المرتزقة الروس سيكونون عنصرا أساسيا دائما في مشهد تطوير النفط والغاز في الشرق الأوسط وأفريقيا لفترة مقبلة”.
ويوفر الاعتماد على شركات أمنية خاصة مضمونة الولاء لروسيا هامشا من حرية التعاطي مع الأحداث كما يجنبها الضغوط الدبلوماسية والإعلامية الغربية ويفتح الطريق أمام تمدد ناعم في المجالات الحيوية التي لم يكن يتيحها التدخل العسكري المباشر في السابق لدعم حلفاء في أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو أفغانستان.
كما أن غياب الصفة الرسمية يتيح للشركات الروسية التحرك بحرية خاصة في قارة مثل أفريقيا التي تتحكم فيها حالة عدم الاستقرار السياسي ولديها موارد طبيعية وفيرة.
وفي يناير 2018 كشف سيرجي سوخانكين الخبير المشارك في المركز الدولي لدراسات السياسة في كييف أنه تم إرسال مرتزقة فاغنر إلى السودان لحماية مناجم الذهب واليورانيوم والألماس.
أنا بورشيفسكايا: نفوذ روسيا في سوريا وليبيا سيسمح لها بالتوسع في أفريقيا وأوروبا
وأثار وجود مجموعة فاغنر في ليبيا اهتماما غربيا رسميا مباشرا خاصة من الولايات المتحدة، وهو ما يفسره محللون بأهمية ليبيا اقتصاديا، حيث تمركزت المجموعة في المنطقة الحيوية التي تضم الهلال النفطي. كما دعّمت المشير خليفة حفتر لكونه قد نجح في ضم حقول النفط المختلفة تحت سلطته.
وقالت أنا بورشيفسكايا الزميلة البارزة في معهد واشنطن والخبيرة في السياسة الروسية في الشرق الأوسط “إذا تمكّنت روسيا من السيطرة على سوريا جنبًا إلى جنب مع ليبيا فإن ذلك سيخلق قوسًا استراتيجيًا يسمح لروسيا بالتوسع في أفريقيا والتوسع في أوروبا من جانبها الجنوبي”.
وتعيد فاغنر وشبكة علاقاتها التجارية والعسكرية إلى الأذهان واحدا من أشهر المشاريع الاستعمارية العسكرية وهو شركة الهند الشرقية التي حكمت شبه القارة الهندية لأكثر من قرن بين ما يسمّى شركة وقوات عسكرية تابعة لها وصولا إلى مسمّى “نائب الملك” الذي صار الحاكم العام للهند أي لما يعرف اليوم بالهند وباكستان وبنغلاديش.
وفيما قلل البعض من أهمية المكاسب التي يمكن أن تحققها مجموعة فاغنر في سوريا، خاصة أن حقول النفط المهمة في الشرق باتت تحت سيطرة الأكراد المدعومين أميركيا، إلا أن المراقبين يعتقدون أن الأمر أكثر رمزية من المكاسب المباشرة، وأن روسيا تريد أن تثبت نفوذها على المدى البعيد باتفاقيات عسكرية واقتصادية ملزمة للدولة السورية.
وقال كرم الشعار الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط والخبير في الاقتصاد السوري إن الروس “يملكون ولاء الأسد، لكنهم يريدون أن تكون لديهم أشياء مكتوبة. إنهم يعلمون أن من يملك النفط في سوريا سيمتلك بطاقة تفاوض مهمة للغاية في ملف إعادة الإعمار ببساطة بسبب الاقتصاد السوري الصغير”.
وأضاف أن ذلك يمنح موسكو موطئ قدم أقوى في سوريا، ويساعدها على تحقيق هدفها طويل الأمد المتمثل في إعادة تأسيس وجودها في شرق البحر المتوسط
المصدر : العرب اللندنية