تونس – صغير الحيدري
تشهد تونس، التي قطعت أشواطا هامة في تمكين المرأة وتحصين موقعها ما جعلها بلدا عربيا رائدا في هذا المجال، جدلا متصاعدا إثر مقتل امرأة على يد زوجها الأمني رميا بالرصاص. وهذا ما أثار تساؤلات عن مدى جدية القضاء في التعامل مع ظاهرة العنف ضد النساء أولا وثانيا الأسباب الكامنة وراء تناميها، خاصة أن هناك خطابا سياسيا يدفع نحوها لاسيما أن خطابات بعض الإسلاميين لم تخل من التحريض على المرأة ما يثير مخاوف حقيقية حول مكتسباتها.
ولا تزال تونس تحت الصدمة إثر مقتل امرأة في إحدى محافظات شمال البلاد على يد زوجها الأمني بالرصاص الحي، حيث أعادت هذه الحادثة إلى الواجهة الجدل بشأن العنف ضد المرأة والجهود المبذولة للحد منه.
ودفعت الحادثة التي هزت تونس بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، التي تُعد من أعرق الجمعيات النسوية في البلاد، لإطلاق حراك جديد للضغط على السلطات من أجل التحرك ضد الظاهرة التي يبدو أنها نتاج بيئة حاضنة للعنف الذي اجتاح كذلك الخطاب السياسي في تونس.
وبالرغم من ترسانة التشريعات التي تُميز تونس عن غيرها من البلدان العربية المحافظة، إلا أن ذلك لم يوقف مسلسل العنف ضد المرأة حيث قُتلت رفقة الشارني، التي غزا اسمها مواقع التواصل الاجتماعي، رميا بالرصاص في محافظة الكاف (شمال غرب) وهو ما يفاقم التوجس من ضرب مكاسب المرأة التونسية.
وبالنسبة إلى رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس، فإن الظاهرة أخذت بعدين: الأول يتعلق بالعقلية السائدة في المجتمع التونسي الذي لا يزال محافظا إلى حد كبير، والثاني بالسياسة التي تنتهجها الدولة شأنها في ذلك شأن خطابات القادة السياسيين الذين يتعمدون إطلاق تصريحات تستهدف المرأة التونسية ومكتسباتها.
يسرى فراوس: قتل النساء أصبح ظاهرة في تونس فيوميا تتواتر أخبار عن هذه الحوادثتهاون قضائي
سلطت حادثة مقتل رفقة الشارني الضوء على التعاطي القضائي مع حوادث العنف ضد المرأة، خاصة أن الجاني كان قد عنف زوجته وكان مهددا بالسجن غير أنه تم إجراء صلح بينهما برعاية قاضي التحقيق وهو ما زاد من حدة الغضب في البلاد.
وأثارت القضية ردود فعل طبعها الحزن والغضب، فتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للمرأة تحت عنوان “اسمها رفقة الشارني، ضحية المنظومة الاجتماعية”.
ونددت “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” بالجريمة “النكراء” وأطلقت حملة لمناهضة العنف ضد المرأة وذلك بوضع شعار “لا عزاء للنساء والعنف يقتلهن كما الوباء” على البيوت والنوافذ أيام عيد
الفطر.
واعتبرت المنظمة في بيان أن رفقة الشارني “ضحية دولة جعلت قوانينها حبرا على ورق ولم ترفق إصدارها بسياسات جزائية لتطبيقها… وهي ضحية نيابة عمومية متهاونة في تطبيق القانون ومتراخية في اتخاذ الإجراءات”.
واستنكرت وزارة المرأة في بيان ما حصل وأعربت عن أملها “أن تكون هذه الحادثة حافزا ليجد قانون تم سنه في 2017 الذي قطع مع الضغط الذي يمكن أن يسلط على النساء في التخلي عن الشكاوى قصد تتبع المعتدي، مجالا للتطبيق”.
وأفادت الناشطة الحقوقية والسياسية بشرى بلحاج حميدة أن “قانون القضاء على العنف ضد المرأة في تونس يتطلب في البداية وقاية وتربية على حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وهذا يستدعي إرادة سياسية حقيقية للقضاء على الظاهرة”.
وأضافت بلحاج حميدة في تصريح لـ”العرب”، “إلى حد الآن لم يقع تطبيق القانون في تونس مثلما وقع في قضية الحال (رفقة الشارني) حيث ترك القضاء الجاني (زوجها) طليقا، ونحن نطالب القضاء بأن يتعامل بحزم وبأكثر جدية مع كل الإخلالات والجرائم والكف عن كونها قضايا عائلية في بعض الأحيان، وقضية العنف ضد المرأة ليست بقضية شخصية”.
الأخطار تُحدق بحقوق المرأة التونسية
وتابعت الناشطة الحقوقية وهي نائبة برلمانية سابقة أيضا وسبق لها أن رأست لجنة نيابية أفرزت مشروعا للمساواة التامة بين الجنسين أن “الدولة هي من تتحمل المسؤولية أولا، ولا يوجد أي اهتمام بالمسألة، ولم نر تصريحات من الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان)، والظاهرة تتكرر”.
وكانت تونس قد أقرت قانونا طموحا لمناهضة العنف ضد المرأة في الـ26 من يناير 2017، وهو قانون راهنت عليه منظمات وأحزاب تونسية ليعزز مكانة المرأة ويحصنها من العنف ويحررها كذلك من القيود الاجتماعية وغيرها.
وشهدت الفترات التي شددت فيها السلطات التونسية القيود للتصدي لتفشي فايروس كورونا المستجد تضاعف الاعتداءات ضد المرأة سواء الناجمة عن عنف زوجي أو غيره.
وقالت بلحاج حميدة إن “نسبة العنف ضد المرأة تضاعفت ستّ مرات خصوصا خلال فترة الحجر الصحي الشامل الذي فرضته البلاد العام الماضي، واليوم لا توجد مراكز لإيواء النسوة المتضررات من العنف، ولا توجد الإمكانيات السياسية والبشرية والاجتماعية اللازمة لمقاومة الظاهرة”.
وكانت تونس قد شهدت سجالات تصاعدت في العام 2017 عندما بعث الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لجنة الحريات الفردية والمساواة في الميراث بين الجنسين.
ونجحت هذه اللجنة في إصدار تقرير بقي حبيس أدراج البرلمان، حيث عارضته قوى سياسية إسلامية وبقيت القوى السياسية التي تحمل لواء الدفاع عن مدنية الدولة تُزايد به دون أن تتجرأ على الدفع به
المصدر : العرب اللندنية