كريتر نت – غزة
سكتت أصوات القنابل والمدافع والصواريخ في قطاع غزة وإسرائيل الجمعة مع بدء سريان وقف لإطلاق النار بعد تصعيد دامٍ. وفيما أسدل الستار بشكل مؤقت عن نزاع طويل وتاريخي بين الجانبين، يطرح المتابعون تساؤلات عن السرّ وراء تطور الترسانة العسكرية لحركة حماس والتي باغتت خصمها بإصابتها أهدافا دقيقة، وهو ما رد عليه رئيس الحركة إسماعيل هنية الذي شكر إيران علنا لدعمها حماس بالمال والسلاح على مدى سنوات في مواجهة خصم مشترك.
ودخل فجر الجمعة اتّفاق لوقف إطلاق النار حيّز التنفيذ توصّلت إليه بوساطة مصرية إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بعد 11 يوما من تصعيد عسكري هو الأعنف بينهما منذ 2014، وخلف عددا كبيرا من القتلى غالبيتهم من الفلسطينيين.
وسلّط الفصل الجديد من النزاع الذي تبنى كل طرف فيه النصر، بشكل خاص، الضوء على ترسانة حركة حماس العسكرية التي توضح للعالم مدى تطورها وقدرتها على تحقيق أهداف دقيقة وإرباك العدو.
وخلال هذه الحرب الرابعة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، أطلقت الجماعة الإسلامية المسلحة أكثر من 4 آلاف صاروخ على إسرائيل، سقط بعضها في عمق الأراضي الإسرائيلية وبدقة أكبر من أي وقت مضى.
وقد عرضت القذائف غير المسبوقة التي وصلت إلى أقصى الشمال مثل مدينة تل أبيب الساحلية، إلى جانب إطلاق طائرات دون طيار وحتى محاولة هجوم بغواصة، ترسانة محلية توسعت على الرغم من وطأة الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر منذ سنوات على الشريط الساحلي المطل على البحر المتوسط.
وأوضح مخيمر أبوسعدة وهو أستاذ مشارك ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة في حديثه لوكالة أسوشيتد برس، أن “حجم قصف حماس كان أكبر وأدق في هذا الصراع”، مشيرا إلى أن “تعزيز القوى تحت الحصار كان مفاجئا.”
ويتساءل الخبراء والمتابعون عن كيفية نجاح حماس في تكديس أسلحتها على الرغم من المراقبة الشديدة والقيود المشددة والحصار الإسرائيلي الذي تسبب في معاناة شديدة لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة، فيما رأت تل أبيب أنه كان ضروريا لمنع تكدّس أسلحة حماس ولا يمكن رفعه.
وقدم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الجمعة، إجابة عن هذه التساؤلات حين شكر إيران على دعمها “المقاومة” الفلسطينية بالمال والسلاح، مؤكدا الاستعداد لما بعد المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل.
ويؤكد متابعون أن الدعم الإيراني للحركة والفصائل المسلحة وراء تحقيقها مكاسب على الأرض، حيث دعمت إيران حركتي حماس والجهاد الإسلامي وقدمت لهما التمويل لبناء القدرات العسكرية في غزة الخاضعة لسيطرة حماس.
الجناح العسكري السري
منذ تأسيس حماس في 1987، تطور جناح الحركة العسكري السري، وتحوّل من ميليشيا صغيرة إلى ما تصفه إسرائيل بأنه “جيش شبه منظم”، فيما نجحت الحركة في استقطاب المؤيدين لمحور “الممانعة”، في الوقت الذي لم تشف فيه المفاوضات السياسية التي تروج لها السلطة الفلسطينية غليل الشارع المنهك من نزاع طويل.
وقد نفذت الجماعة في أيامها الأولى عمليات إطلاق نار وخطف طالت إسرائيليين. وقتلت المئات من الإسرائيليين في تفجيرات انتحارية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت في أواخر سنة 2000.
ومع انتشار العنف، بدأ التنظيم بإنتاج صواريخ “القسام” بدائية تعمل بشكل جزئي على السكر المصهور. إلا أنها لم تتمكن من الوصول سوى إلى بضعة كيلومترات، وتسببت بأضرار طفيفة، وغالبا ما كانت تسقط داخل القطاع.
وفي أعقاب انسحاب إسرائيل من غزة في 2005، شيّدت حماس خط إمداد سريا من إيران وسوريا، وفقا للجيش الإسرائيلي.
فابيان هينز: الصواريخ تهدف إلى إعادة كتابة قواعد اللعبة، إنها حرب نفسية
وغمرت صواريخ بعيدة المدى ومتفجرات قوية ومعادن وآليات حدود غزة الجنوبية مع مصر. ويقول الخبراء إن الصواريخ شُحنت إلى السودان ثم عبر صحراء مصر الشاسعة، قبل تهريبها عبر مجموعة من الأنفاق الضيقة تحت شبه جزيرة سيناء.
وعندما طرد مقاتلو حماس السلطة الفلسطينية من غزة في عام 2007 وسيطروا على القطاع الساحلي، فرضت إسرائيل ومصر حصارا مشددا.
وحسب الجيش الإسرائيلي، فقد استمر التهريب واكتسب قوة بعد انتخاب الراحل محمد مرسي، القيادي الإسلامي وحليف حماس، رئيسا لمصر في 2012 قبل أن يطيح به الجيش المصري.
ونجح مسلحو غزة في تخزين صواريخ أجنبية الصنع ذات نطاقات معززة، مثل كاتيوشا وصواريخ فجر 5 الإيرانية، والتي اعتُمدت خلال حربي 2008 و2012 مع إسرائيل.
وبعد الإطاحة بمرسي، اتخذت مصر إجراءات صارمة وأغلقت المئات من أنفاق التهريب، لكن صناعة الأسلحة المحلية انتعشت في غزة.
وبعد الإطاحة بمرسي، اتخذت مصر إجراءات صارمة وأغلقت المئات من أنفاق التهريب، لكن صناعة الأسلحة المحلية انتعشت في غزة.
وقال المحلل الأمني المعني بشؤون الصواريخ في الشرق الأوسط فابيان هينز “تزعم الرواية الإيرانية أنهم بدأوا كل إنتاج الصواريخ في غزة وأعطتهم القاعدة التقنية والمعرفية، إلا أن الفلسطينيين مكتفون ذاتيا الآن. واليوم، أصبحت معظم الصواريخ التي نراها مبنية محليا، بتقنيات إبداعية غالبا”.
وفي فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة الإخبارية في سبتمبر، أظهرت لقطات نادرة مقاتلي حماس يعيدون تجميع الصواريخ الإيرانية بمدى يصل إلى 80 كيلومترا وبرؤوس حربية محملة بـ175 كيلوغراما من المتفجرات.
وأطلقت عناصر حماس صواريخ إسرائيلية غير منفجرة من الضربات السابقة لاستخراج مواد متفجرة. حتى أنهم استغلوا أنابيب المياه القديمة بإعادة استخدامها كأجسام صاروخية.
ولإنتاج الصواريخ، خلط كيميائيو حماس ومهندسوها الوقود من الأسمدة والمواد المؤكسدة والمكونات الأخرى في مصانع مؤقتة. ولا يزال يُعتقد أن السلع المهربة الرئيسية تمر إلى غزة عبر عدد من الأنفاق التي لا تزال تعمل.
وقد أشادت حماس علنا بإيران لمساعداتها، والتي يقول الخبراء إنها أنتجت المخططات والمعرفة الهندسية، واختبارات المحركات وغيرها من الخبرات الفنية. وأفادت وزارة الخارجية بأن إيران تقدم 100 مليون دولار سنويا للجماعات الفلسطينية المسلحة.
الترسانة تحت الأضواء
يقدر الجيش الإسرائيلي أنه قبل جولة القتال الحالية، كان لدى حماس ترسانة من 7 آلاف صاروخ من نطاقات مختلفة يمكن أن تغطي جميع أنحاء إسرائيل تقريبا، بالإضافة إلى 300 صاروخ مضاد للدبابات و100 صاروخ مضاد للطائرات. كما أن لها العشرات من الطائرات دون طيار إضافة إلى جيش قوامه حوالي 30 ألف مقاتل من بينهم 400 من قوات الكوماندوس البحرية.
وفي الحرب الأخيرة، كشفت حماس النقاب عن أسلحة جديدة كالطائرات المسيرة الهجومية، والغواصات المسيرة، وصاروخ “عياش” غير الموجه والذي يبلغ مداه 250 كيلومترا.
وفيما يقول الجيش الإسرائيلي إن عمليته الحالية وجهت ضربة قاسية لمنشآت أبحاث الأسلحة والتخزين والإنتاج التابعة لحماس. لكنّ المسؤولين الإسرائيليين يعترفون بأنهم لم يتمكنوا من وقف وابل إطلاق الصواريخ المستمر.
وعلى عكس الصواريخ الموجهة، فإن الصواريخ غير دقيقة وقد نجح نظام القبة الحديدية الإسرائيلي الدفاعي في اعتراض الغالبية العظمى منها. لكن ومن خلال الاستمرار في إحباط قوة إسرائيل المتفوقة، ربما أوضحت حماس وجهة نظرها الرئيسية واستطاعت إرباكها بشكل جلي .
وختم هينز قائلا “حماس لا تهدف إلى تدمير إسرائيل عسكريا. في نهاية المطاف، تهدف الصواريخ إلى بناء نفوذ وإعادة كتابة قواعد اللعبة. إنها حرب نفسية”.
المصدر : العرب اللندنية