د. محمد علي السقاف
في أول بيان للرئيس الأميركي جو بايدن بعد انتخابه عن السياسة الخارجية، الذي أدلى به من مقر وزارة الخارجية، تحدث عن الأزمة اليمنية، وعن التحديات التي تواجه علاقاته بصعود الصين بوصفها قوة دولية صاعدة ومنافسة للولايات المتحدة، وأغفل الحديث عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي كان توجهه على أنَّه في أسفل قائمة اهتماماته.
وجاء تعيينه تيم ليندركينغ مبعوثاً خاصاً له إلى اليمن، مؤشراً على نيته وضع حد لأكبر أزمة إنسانية في الوقت الحاضر؛ وفق تقارير الأمم المتحدة. ولذلك كان من الضروري إنهاء الحرب التي دخلت عامها السابع، بضرورة وقف إطلاق النار بالضغط على جماعة الحوثي.
وفي أزمة غزة والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية استطاعت الولايات المتحدة بعد 12 يوماً من المعارك الدامية والمدمرة، فرض وقف إطلاق النار عبر الوساطة المصرية، ولم تستطع منذ أكثر من شهرين عند تعيين مبعوثها إلى اليمن التوصل إلى وقف إطلاق النار.
في أزمة غزة والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تواصل الرئيس الأميركي مباشرة 5 مرات مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ولم يحدث تواصل مع الجانب الفلسطيني إلا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وترك مهمة التحادث مع حركة «حماس» للسلطة المصرية، للتعامل معها، في الوقت الذي، في نطاق الأزمة اليمنية، رفعت فيه إدارة الرئيس بايدن حركة «أنصار الله» الحوثية من قائمة الإرهاب التي تم تصنيفها فيها خلال آخر أيام الرئيس السابق دونالد ترمب.
والسؤال المطروح هنا: ما أسباب هذه المفارقات للسياسة الأميركية في مواقفها إزاء الأزمة في اليمن، مقارنة بسياستها في الشرق الأوسط؛ وتحديداً إزاء إسرائيل؟ أحد الأسباب الرئيسية في الدعم الأميركي لإسرائيل يعود إلى أنها كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل عند تأسيسها في عام 1948، وشكلت قاسماً مشتركاً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في التنافس على من يقدم لها الأفضل من الخدمات منذ عقود طويلة، وسعى جميع مرشحي الرئاسة الأميركية والكونغرس الأميركي من الحزبين للحصول على دعم اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، خصوصاً اللوبي المتمثل في منظمة «إيباك»، وذلك على أساس انخداعهم، أو التظاهر بتصديق دعاياتها، بأنها دولة سيادة القانون، وأنها الدولة الوحيدة ذات النظام الديمقراطي في المنطقة! ولحسن الحظ حدثت تطورات مؤخراً أظهرت زيف تلك الادعاءات في طريقة تعاملها مع الشعب الفلسطيني وعدم احترامها مبادئ القانون الدولي، وسياستها التوسعية منذ نشأتها، ناهيك، كما وصفتها «هيومان رايتس ووتش» في تقريرها الأخير، بأنها تمارس سياسة تمييز عنصري شبيهة بنظام «الأبرتهايد» – الذي كانت تعمل به سابقاً جنوب أفريقيا – في تعاملها مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، معتقدة أن بإمكانها ممارسة تلك السياسة إلى ما لا نهاية، وتستطيع مصادرة أراضيهم ومياههم من دون مساءلة أو معاقبة، وتسخر دائماً من قرارات الأمم المتحدة التي ترى فيها مجرد حبر على ورق، وساعدتها في هذه اللامبالاة مواقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الأخيرة، الذي لم يكتف بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها؛ بل وصلت إلى اعتبار هضبة الجولان ليست أرضاً محتلة؛ بل، وفق المنظور الإسرائيلي، جزء من أراضي إسرائيل.
قد تؤدي حرب الأيام الأحد عشر يوماً في غزة إلى بداية تحول تدريجي في الموقف الأميركي، وفهم أفضل للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي؛ سواء بسبب عدد الضحايا المدنيين، خصوصاً استشهاد أكثر من 50 طفلاً ومقتل كثير من المدنيين، والصور المأساوية التي نقلتها وسائل الإعلام الدولية، والدمار الواسع للبنية التحتية في أراضي غزة، واستخدام إسرائيل القوة المفرطة… دفع ذلك أطرافاً عدة داخل الحزب الديمقراطي نفسه في مجلس الشيوخ، وفي أوساط «جيل جديد من النشطاء»؛ إلى إثارة موضوع مهم في كيفية قول الإدارة الأميركية الجديدة إن الدفاع عن حقوق الإنسان يشكل أحد محاور السياسة الخارجية الأميركية، ولا تقوم الإدارة بالتصدي لسياسة نتنياهو بعدم الالتزام به. ولعل أحد مظاهر التغير في الموقف الأميركي في ما بعد حرب غزة، اعتزام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن القيام بزيارة للمرة الأولى للمنطقة ولقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكذلك رئيس وزراء إسرائيل. وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن أحداث غزة فرضت نفسها على إعادة الرئيس بايدن ترتيب أولويات سياسته الخارجية.
والتساؤل هنا: هل الأزمة اليمنية ستحظى بدورها باهتمام أميركي بها بشكل أفضل؟ وعبر أي آلية سيجري التعاطي مع الأزمة اليمنية؟ هل في إطار الأمم المتحدة وقراراتها، أم عبر مبادرة أميركية على هامش الأمم المتحدة؟
الافتراض الثاني يبدو أنه هو الذي ستتبعه الإدارة الأميركية كما اتبعته في أزمة غزة، حيث عطلت أعمال مجلس الأمن الدولي عن مجرد إصدار بيان يدعو إلى وقف إطلاق النار، وذلك لمرات عدة؛ لأنها فضلت أن يتم التعامل مع الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية الهادئة واتصالات الرئيس بايدن برئيس وزراء إسرائيل ومحمود عباس لبحث سبل تنفيذ التزام الرئيس الأميركي بمبدأ حل الدولتين، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم بوصفه أحد عناصر الحل، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
وقد عبر المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف يوم الخميس الماضي، 20 مايو (أيار) الحالي، عن امتعاضه لاستمرار القتال في اليمن، خصوصاً في مأرب، واستيائه من تعامل الحوثيين مع الجهود المبذولة في حل الأزمة اليمنية، وذلك بعد رفضهم لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في مسقط، وكما أشارت هذه الصحيفة إلى أنه بدا من حديثه وجود بعض الاختلافات في وجهات النظر بين الإدارة الأميركية والأمم المتحدة؛ إذ أكد، وهنا بيت القصيد، أن الولايات المتحدة على صلة وثيقة بالأمم المتحدة، وعلى تشاور واتفاق مع أهداف خطة الأمم المتحدة للسلام، لكنه، كما أشارت الصحيفة، أبدى إضافة مختلفة قائلاً: «بعد قولي هذا؛ نحن لسنا الأمم المتحدة. نحن الولايات المتحدة. لدينا صوتنا، ولدينا منظورنا الخاص، ولدينا خبراتنا الخاصة، ولدينا وجهات نظرنا الخاصة، حول النزاع وكيفية حله. وفي هذا الصدد؛ نحن واضحون جداً مع الأمم المتحدة في المحادثات المفتوحة للغاية التي أجريناها معهم حول كيفية المضي قدماً في حل الأزمة باليمن، ولدينا احترام كبير للمبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث». هذا الخطاب الصريح والمباشر ماذا يعني؟
من الواضح أن هذا يفسر، في سابقة أولى من نوعها، أنه بعد إنهاء مدة ولاية غريفيث لم يتم مباشرة تعيين مبعوث جديد مثلما حدث مع المبعوثين السابقين جمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ.
والسؤال المطروح ما شكل مبادرة الحل الأميركية التي ستقترحها… هل ستعود إلى إحياء مبادرة وزير الخارجية الأسبق جون كيري التي رفضتها الشرعية الدستورية، أم ستأخذ شكل مبادرة جديدة؟ وهل ستتضمن حلاً جذرياً لأسباب جوهر الصراع حتى لا يكون الحل حلاً مؤقتاً؟ وهل سيتم عرضها لاحقاً على مجلس الأمن الدولي لإقرارها من قبل الأعضاء الدائمين بالمجلس، أسئلة مفتوحة ستجيب عنها الفترة المقبلة.
نقلا” عن الشرق الأوسط