كتب – د. عيدروس النقيب
يشعر المرء بالشفقة على المحتفلين بذكرى 22 مايو، هذا العام وكل عام سواء في صنعاء أو في بلدان النزوح .
قبل عام 2011م كان (المحتفلون-المنتصرون) يصورون هذا الحدث باعتباره يوم مجدهم وحدهم فهو من صنعهم وحدهم، دون أن يقولوا مع من توحدوا، وظلو يتحدثون عن “الخونة، والانفصالين عملاء الخارج، وأعداء الوطن”، الذين كانوا يتهمونهم بأنهم قبضوا الثمن، ولم يكونوا يعدمون ما يودون من الأوصاف والشتائم والمقذوفات اللفظية ليلحقوها بالطرف المهزوم في حربهم على الجنوب (الشريك في الوحدة الموؤودة) وكان آلاف وملايين المغشوشين بهذه الخطب المكتظة بالرطانة والحشو ينخدعون بغبار الكلام، فنقيضه لا يُسمع، وإن سُمِع فهو ممقوت حتى وهو يقول الحقيقة، لأنه يمس جلالة الحاكم المهيمن على كل شيء بما في ذلك مشاعر البسطاء وأسماعهم وأبصارهم.
اليوم وبعد أن صار الخطباء كلهم يقبضون دون أن يلومهم أحد، يتحدثون جميعاً عن وصوف وموصوفات لا وجود لها على الأرض وما يزالون يخاطبون الفراغ وبنفس الخطاب الذي يحتوي نفس المفردات الخرقاء دون أن يحسوا أن مفعولها قد غدا صفراً وربما رقما سالباً، فالجماهير التي يعتقدون أنها تسمعهم، لا تملك وقتا ولا مزاجاً ولا طريقةً للاستماع إليهم حتى ولو كانت ترغب في الاستماع، وهي أصلا لا ترغب ولا تتمنى هذا.
يتحدثون عن المنجزات، ولم يقولوا لنا ما هي المنجزات.
فلم يقولوا لنا مثلا:
– هل صارت حياة الناس بعد هذا التاريخ أفضل مما كانت عليه قبله؟
– هل تضاعف دخل الفرد الشهري والسنوي مثلاً؟
– هل تنامى نصيب الفرد من الثروة الوطنة؟
– هل انخفضت نسبة البطالة؟
– هل ارتفع عدد الأسرَّة في المستشفيات الحكومية؟
– هل انخفض عدد الأطفال االمتسربين من الدراسة؟
– هل ارتفع نصيب الفتاة في المدرسة والجامعة؟
– هل اختفت الأمية؟
– وهل تم القضاء على الأوبئة والأمراض المعدية؟
– هل ارتفع معدل إنتاج الطاقة الكهربائية؟
– هل تزايد عدد السكان الحاصلين على مياه الشرب النقية؟
– هل تم استئصال المجاعة والتسول وظاهرة المتشردين والمقيمين في العراء؟
– هل اختفت الرشوة وجرت اية محاربة للفساد؟
– هل اختفت الجريمة وتوفر الحد الأدنى من الأمان الفردي والمجتمعي؟
– ما هي المشاريع الصناعية والزراعية والسمكية الانتاجية والخدمية الجديدة التي جرى افتتاحها، وهل أسهمت في تخفيض نسبة البطالة؟
ولن نتحدث عن السلام الأهلي والتلاحم الوطني والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، فتلك مفردات وتعابير مزعجة لكل المحتفلين في الداخل والخارج.
إننا نتحدث عن “الجمهورية اليمنية المفترضة” التي يحتفلون باسمها، أما في الجنوب، فكل مواطن جنوبي عاش، ولو سبع سنوات قبل هذا الحدث، يستطيع الإجابة على كل هذه الأسئلة، بكل طمأنينة، فهو يعلم أن ما جرى في الجنوب، يرد ليس فقط بالسلب، بل وبتأكيد هدم ونسف واستئصال كل ما كان يشكل أساسا لمناقشة مثل هذه الأسئلة، ليعلم المحتفلون أنهم وحدهم من ينخدعون بما يثرثرون به عن، “المكاسب والمنجزات”، التي يعلمون أنها غير موجودة إلا في خيالات من يكتبون لهم الخطابات.
لكم تمنيت أن أسمع خطاباً مختلفا، ولو من باب الاعتراف باختلاف الوضع عما كان عليه منذ عقد فقط، كي لا أقول منذ ثلاثة عقود، وحتى لا أقول خطابا يعترف بجذر المصائب التي حلت بالبلد، وخلفيات فشل كل السياسات المتبعة منذ قرابة ستة عقود من الخيبات والانتكاسات.
لكم تمنيت أن أسمع عبارة واحدة فيها اعتذار للجنوبيين عما ألحقه بهم المنتصرون والمهزومون من أضرار وخرائب، ودمار معيشي ونفسي ومعنوي وإنساني، وليس البحث عن “حالمين” يتمنون تمزيق البلاد التي لا تحتاج إلى من يمزقها أكثر مما مزقها هؤلاء المحتفلون.
السلام والخلود لروح الحكيم الذي قال “إن الحماقة ليست أكثر من أن تكرر نفس المحاولة وبنفس الأدوات وفي نفس الظروف وتعتقد أنك ستحصل على نتائج مغايرة”