خمسة احتمالات يرجحها الخبراء عن طبيعة الظواهر الجوية الغريبة
طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية
مع اقتراب الكشف عن تقرير رسمي من الاستخبارات الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون) حول الأجسام الطائرة المجهولة التي يرصدها الطيارون بالأشعة تحت الحمراء، ثار الجدل من جديد على شاشات الشبكات التلفزيونية الأميركية وفي صفحات المواقع والصحف حول ماهية هذه الأجسام ومصدرها، وما إذا كانت تنتمي لكائنات فضائية أو لدولة معادية أم مجرد ظاهرة طبيعية. ولم يقتصر النقاش حول تهديد ذلك للأمن القومي الأميركي، على شخصيات سياسية مثل الرئيس السابق باراك أوباما، بل امتد إلى عسكريين متقاعدين وباحثين اختلفوا في تفسيراتهم حول طبيعة هذه الأجسام. فما الذي سيكشف عنه التقرير؟ وما توقعات المتخصصين والمهتمين حول هذه الظاهرة المحيرة التي تتكرر بين حين وآخر وتثير معها كثير من اللغط؟
لجنة الاستخبارات
بحلول منتصف شهر يونيو (حزيران) المقبل، ستتلقى لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي تقرير “مجموعة عمل الظواهر الجوية المجهولة” التابعة لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية ومكتب وزير الدفاع، إذ يتوقع أن يحتوي التقرير على تحليل مفصل لبيانات الأجسام الطائرة المجهولة، والمعلومات التي تم جمعها من مكتب الاستخبارات البحرية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) والوكالات الاستخباراتية الأخرى المعنية.
غموض وإثارة
وفي حين لم تتكشف بعد أي معلومات عن فحوى التقرير الذي يمثل نقطة فاصلة وجوهرية في تاريخ مناقشة هذه الظواهر بشكل رسمي بين الحكومة والكونغرس بشكل علني، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية سارعت إلى فتح الباب على مصراعيه لمناقشة موضوع الأجسام الطائرة المجهولة وما يمثله هذا الأمر من غموض وتشويق وإثارة. وبادر برنامج “60 دقيقة”، أحد أشهر وأهم البرامج السياسية في أميركا، بطرح القضية للنقاش، فاستضاف مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع وعسكريين متقاعدين وخبراء وباحثين لتقديم تفسيراتهم حول هذه الظواهر المربكة والمحيرة.
لكن الاعتراف الأهم جاء على لسان الرئيس السابق باراك أوباما على شبكة “سي بي أس”، حينما قال بجدية إنه كان على علم بما شاهده الطيارون العسكريون الأميركيون في السماء ولا يستطيعون تحديده، وأن “هناك لقطات وتسجيلات لأجسام طائرة لا نعرف ما هي بالضبط، ولا نستطيع أن نشرح كيف تتحرك، وما هو مسارها لأنه لم يكن لها نمط يمكن تفسيره”.
كما بثت قنوات تلفزيونية ومواقع تحليلات وتوقعات عدة حول الأجسام الطائرة المجهولة. وأثار مذيع قناة “فوكس نيوز” تاكر كارلسون مخاوف مماثلة حين أوضح أن البنتاغون يعترف بأنه لا يعرف ما هو هذا الشيء، ما يمثل “مشكلة كبيرة جداً” بحسب وصفه.
اختراق صامت
كما تحدث جون راتكليف مدير الاستخبارات الوطنية السابق في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب إلى شبكة “فوكس نيوز”، مشيراً إلى أن “المشاهد التي التقطتها البحرية أو عبر الأقمار الصناعية يصعب فيها تفسير تحركات هذه الأجسام أو محاكاتها، فهي تتحرك بسرعات هائلة تخترق حاجز الصوت بصمت من دون أن تحدث فرقعة صوتية”.
واعتبر زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ، السيناتور هاري ريد، أن “البنتاغون يعالج فقط سطح ما كشفت عنه الأبحاث الموجودة” وأنه لا بد من أن تلقي الولايات المتحدة “نظرة علمية وجادة لمعرفة تداعيات ذلك على الأمن القومي الأميركي”. كما تابع ريد في تصريح نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” أن “التركيز على نظريات المؤامرة أو مناقشة فكرة الرجال الخضر قصار القامة لا ينبغي أن يبعدنا عن فحص الأمر بعناية، وبخاصة بعدما أكدت الدراسات التي كلّفت 22 مليون دولار ضمن برنامج تابع للبنتاغون أن مئات من الأشخاص شاهدوا هذه الأجسام الطائرة، وليس شخصين أو أربعة أو ستة”.
بلا أجنحة أو محركات دفع
ويعود الاهتمام المتجدد بالأجسام الطائرة المجهولة الهوية (يو أف أو) إلى ثلاثة مقاطع فيديو بالأشعة تحت الحمراء نزع عنها البنتاغون صفة السرية للمرة الأولى في أبريل (نيسان) من العام الماضي، وتُظهر بالأبيض والأسود ما التقطته طائرات مقاتلة تابعة للبحرية الأميركية كانت تحلق من حاملتي الطائرات نيميتز وروزفلت في أعوام 2004 و2014 و2015، وتكشف عن أجسام تطير بسرعات هائلة وليس لديها أجنحة، وتناور بشكل غير معروف لأي طائرة أخرى، وتختفي فجأة ولا تعمل بمحركات دفع.
واضطرت وزارة الدفاع الأميركية إلى الكشف عن مقاطع الفيديو الثلاثة العام الماضي بعد تسلمها عدداً مذهلاً من الطلبات التي تستند إلى قانون حرية المعلومات، في أعقاب تسريبات لبعض الصور نشرتها مواقع مختلفة.
ولكن ما هي حقيقة ما حدث؟ وما التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة المتكررة؟ هناك خمسة احتمالات أساسية يتناولها الخبراء، أولها وأيسرها أن تكون تلك مجرد ظواهر طبيعية فُسرت بشكل خاطئ لأغراض معينة، لكن الاحتمالات الأربعة الأخرى تتحدث عن أن هؤلاء الطيارين شاهدوا تكنولوجيا عسكرية حكومية سرية، أو تكنولوجيا سرية من نتاج شركات القطاع الخاص الدفاعية، أو أن تكون تقنية سرية ابتكرتها دولة غير صديقة، أو ذاك الاحتمال الأخير البعيد، وهو أن تكون تكنولوجيا لكائنات فضائية.
ظاهرة طبيعية
يقول أصحاب هذه النظرية إن تعبير “جسم طائر مجهول” الذي استخدمه البنتاغون لا يعني مركبة فضائية مجهولة أو طائرة من دون طيار متقدمة للغاية، لأن مقاطع الفيديو التي تم الكشف عنها حتى الآن تحتوي على تفسيرات محتملة واضحة، بخاصة وأنه لم يثبت بشكل قاطع أو حتى مقنع وجود أي نوع من الذكاء خارج كوكب الأرض، ومن المرجح أن يكون هذا الجسم الغريب طائراً بحرياً أو منطاداً أو بالون طقس، وربما كان قطعاً من تحطم نيزك، أو احتراق قطع من النفايات الفضائية المنتشرة في الغلاف الجوي للأرض.
ويرجح هؤلاء أن الجيش ربما لا يرغب في أن يزعج نفسه بالتسجيل والقول إن هذا الشيء هو في الواقع منطاد أو طائرة أو نيزك. وقد يرغب الجيش أيضاً في السماح للجنون الإعلامي بالاستمرار من أجل جذب المزيد من الانتباه إلى تقنية التصوير بالأشعة تحت الحمراء المثيرة للإعجاب تقنياً التي كشفت عنها مقاطع الفيديو، كرسالة تحذير خفية إلى الدول المعادية.
ويستند أصحاب هذه النظرية إلى أنه لدى حكومة الولايات المتحدة تاريخ طويل من السماح للخيال العام بالانتشار مع نظريات المؤامرة التي تتحدث عن حياة خارج كوكب الأرض لتحويل الانتباه عن المشاريع المصنفة سرية، مثلما حدث في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما أطلق سلاح الجو والاستخبارات المركزية الأميركية عن عمد على مشاهدة طائرات التجسس شديدة السرية من طراز “يو 2” تعبير “الأجسام الطائرة المجهولة” بهدف إخفاء الطبيعة الحقيقية لتلك الطائرات.
تكنولوجيا سرية أميركية
غير أن آخرين يرجحون أحد الاحتمالات الأربعة الأخرى، فبين الحين والآخر، يدلي مسؤولون حكوميون بتعليقات تشير إلى أن الحكومة الأميركية حققت اختراقات تكنولوجية مذهلة، مثلما تحدث دونالد ترمب في مايو (أيار) 2020 عن صاروخ خارق، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة تبني معدات عسكرية لا تُصدق وبمستوى لم يره أحد من قبل، وتصل سرعتها إلى أسرع 17 مرة مما لدى خصوم أميركا الآن”. وأوضح مسؤولو البنتاغون في وقت لاحق أن الرئيس كان يشير إلى البحث والتطوير لإنتاج صواريخ فرط صوتية يمكنها التحليق بسرعة تزيد 17 مرة عن سرعة الصوت.
لكن أحد المسؤولين الحكوميين المتقاعدين الذين تحدثوا إلى برنامج “60 دقيقة”، وهو نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الاستخبارات، نفى أن تكون هذه التكنولوجيا موجودة لدى الولايات المتحدة.
وقد يكون الرئيس السابق أوباما يحاول الحفاظ على سرية ميزة القتال الجوي أو نظم المراقبة الأميركية، ولكن إذا كانت لدى أميركا تقنيات متقدمة جداً لدرجة أن طياريها اعتقدوا أن هذه المركبات تتجاوز القدرات البشرية الآن، ألم يكن أداء القوات الأميركية أفضل على مختلف الجبهات العسكرية حول العالم، في وقت يحجب فيه مجتمع الاستخبارات هذه الأسلحة التي تتمتع بتكنولوجيا يمكنها الطيران بسرعة 13 ألف ميل في الساعة، والتهرب من الرادار والتحليق في الهواء والماء وربما الفضاء؟
ولكن في بعض الأحيان يمكن لوزارة الدفاع إخفاء الأسرار عن بقية العالم، ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، كشفت القوات الجوية الأميركية أنها صممت وصنعت وأطلقت بشكل سري نموذجاً أولياً واحداً على الأقل من مقاتلة الجيل المقبل للسيطرة الجوية قبل الموعد المحدد لذلك بسنوات. وخلال الشهر الماضي فقط، تم الكشف عن شكل المقاتلة التي تبدو مثل المقاتلات المسطحة الشبيهة بالسهم في فيلم “يوم الاستقلال” الذي أنتجته هوليوود قبل سنوات، ولهذا ليس من الصعب أن يعتقد من يرون رحلة تجريبية لتلك المقاتلة، أنها طائرة من الفضاء الخارجي.
تتمثل إحدى مشكلات هذه النظرية في أن إحدى المشاهد التي كشف عنها البنتاغون عام 2020 وناقشها برنامج “60 دقيقة” حدثت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، أي منذ 17 عاماً، ولكن لا شيء من ابتكارات الطيران الأميركية يشبه ما وصفه طيارو البحرية في تلك الحادثة من حيث السرعة والقدرة على المناورة والاختفاء المفاجئ.
تكنولوجيا سرية للشركات الخاصة
وتقوم شركات خاصة مثل “سبيس إكس” و”بلو أورشارد” ببعض الأشياء المدهشة، ولكن ما أظهروه للعالم لا يشبه ما شوهد على كاميرات الأشعة تحت الحمراء للطائرات التابعة للبحرية. وهنا يظل ذات السؤال مطروحاً، وهو، إذا كان لدى جهة ما القدرة على امتلاك هذه التكنولوجيا الفائقة قبل 17 عاماً، فماذا كانوا يفعلون بها منذ ذلك الحين؟ وإذا طوروا قدرات على التسلل والمراقبة غير العادية، ألم يكن من الأجدى تطبيقها على أي نوع من الأهداف؟
تكنولوجيا سرية صينية أو روسية
في موازاة ذلك، تطور الصين مقاتلاتها الشبحية “أف سي 31 غيرفالكون”، ويعتقد الأميركيون أنها أكملت اختبار طيران أواخر العام الماضي، لكن الصور المتاحة عن الطائرة تشير إلى أنها تبدو مقاتلة نفاثة، ولا شيء يشبه صور المركبات الدائرية أو الأنبوبية التي كشف عنها برنامج “60 دقيقة” نقلاً عن وزارة الدفاع.
أما روسيا فتجري اختبار لطائرتها القتالية بدون طيار من طراز “أوخوتنيك”، ويمكن لهذه الطائرة وطائرات الدرون بالتأكيد أن تبدو غريبة لأنها لا تحتاج إلى وضع طيار بشري داخلها، لكن السؤال هو ما إذا كان بإمكان المهندسين الموهوبين من الصينيين أو الروس صناعة طائرة تشبه الكرة وتتحرك بالطريقة التي شاهدها الطيارون الأميركيون. وإذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا لم يكونوا واثقين من أنفسهم أو يمتلكون الجرأة الكافية لتحدي القوة القتالية الأميركية منذ 17 سنة عندما ظهرت هذه الصور للأميركيين، بخاصة وأن الصين تريد إعادة تايوان تحت سيطرتها ولو بالقوة العسكرية، كما تريد روسيا السيطرة على أوكرانيا. ولو كانت أي منهما تمتلك تفوقاً جوياً ساحقاً بشكل لا يُصدق لما ترددتا في استخدام التقنيات الجديدة.
قد تكون مركبات لكائنات فضائية
والاحتمال الأخير وهو الأقل احتمالاً، هو أن هذه الأجسام الطائرة المجهولة تنتمي لكائنات من الفضاء الخارجي، وهذا من شأنه أن يبعث على الطمأنينة في نفوس الأميركيين، لأنهم يفضلون ذلك على أن تستحوذ قوة أجنبية بشرية معادية على هذه التكنولوجيا الخارقة. ومما يجعل الأميركيين أكثر اطمئناناً، هو أن الأجسام المجهولة التي تم رصدها لا تبدو معادية، بل من المؤكد أن من يتحكمون فيها غير مهتمين بالظهور في مركبة عملاقة فوق المدن الأميركية مثلما كانت تصورهم بعض أفلام الخيال العلمي السينمائية في هوليوود، ولكن ربما تكون لديهم توجيهات بمراقبة البشر في هدوء وعدم التدخل في تطورهم، وهو ما يعني أن البشرية أصبحت عرضاً واقعياً ضخماً لبعض الحضارات الفضائية.
وإذا تبيّن في يوم من الأيام أن هذه هي حقيقة الأجسام الطائرة المجهولة، فربما يتعامل أهل الأرض مع المخلوقات الفضائية مثلما يتعامل رجال القبائل المنعزلة في جزيرة نورث سينتينيل في خليج البنغال، والذين ليس لهم أي اتصال بالعالم الخارجي، ويهاجمون كل من يحاول الاقتراب منهم بوابل من السهام والحراب بسبب ثقافتهم المنعزلة.
وعلى الرغم من أن البشر قادرون على صنع أشياء عظيمة وإظهار الرحمة والود والمحبة وتحسين مجتمعاتهم باستمرار، إلا أننا ربما لا نظهر بهذا الشكل لثقافة غريبة، فقد خاضت البشرية حروباً هائلة وارتكب البشر العديد من الفظائع والمذابح بسبب التنافس على الأراضي والموارد والاختلافات الثقافية والعقائدية والعرقية. وعلى الرغم من التطورات المذهلة التي حسّنت حياة الناس خلال القرنين الأخيرين، إلا أن الطبيعة البشرية لم تتغير كثيراً ولا يزال الإنسان يظهر تفكيراً قصير المدى، وعادات سيئة مدمرة للذات، ويتخذ قرارات متهورة، ويبدي مزيداً من الجشع والغطرسة والكذب، وإنكار الحقائق المزعجة.
ولهذا قد يرى البعض أن حضارةً فضائية قادرة على تطوير التكنولوجيا لنقل البشر في الفضاء والسفر بين الكواكب والمجرات ربما نجحت في حل الكثير من المشكلات، أما إذا فضلت هذه المخلوقات مراقبة البشر عن بعد، فذلك لأنهم سينظرون إلينا كأطفال صغار جامحين، ومن الأفضل لهم مراقبتنا من مسافة آمنة.
نقلا” عن أندبندنت عربية