كتب – د. محمد علي السقاف
كان لدول الخليج العربية السبق يوم 25 مايو (أيار) 1981 بإعلان تأسيس أول منظمة إقليمية للتعاون بين دولها الست: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت، وقطر، وسلطنة عمان المطلة على الخليج العربي، وقد جاء إنشاء مجلس التعاون الخليجي في ظل ظروف سياسية مضطربة على مستوى الخليج العربي من ناحية قيام الثورة الإيرانية، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وما مثلته من تداعيات على تنمية وأمن واستقرار الدول الخليجية العربية.
تلاها بعد ذلك في 16 فبراير (شباط) 1989 إنشاء مجلس التعاون العربي، وأعلن بعدها بفارق يوم واحد تأسيس اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989.
فإذا كانت منظمتا التعاون العربي، واتحاد المغرب العربي قد علقتا أعمالهما، فإن مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا يزال قائماً.
هذه المنظمات الإقليمية الثلاث تختلف عن المنظمة الإقليمية الأقدم تاريخياً والأوسع نطاقاً في عدد دولها الأعضاء وفي أهدافها وتوجهاتها التي تجسدها، وهي جامعة الدول العربية التي تضم جميع الدول الأعضاء للتنظيمات الإقليمية الثلاث.
ويختلف التنظيم الإقليمي هنا عن مشاريع توحد دولتين أو أكثر وفق تجارب عديدة عرفتها المنطقة العربية، ولم يُكتب لها النجاح والاستمرارية باستثناء وحدة دولتي شمال اليمن وجنوبه.
وأهم العناصر الأساسية التي تميز مجلس التعاون الخليجي عن المجلسين الآخرين وينفرد بها المجلس الخليجي أيضاً عن بقية المنظمات الإقليمية الأجنبية، أن دوله ذات أنظمة ملكية أو أميرية، أو سلطانية والتي وفق النظام الأساسي للمجلس وما نص في ديباجة مقدمته ترتبط فيما بينها بـ«علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة» ما يقيد شروط عضوية الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، بينما حققت نفس هدف تقييد عضوية الانضمام اتفاقية تأسيس منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط في يناير (كانون الثاني) 1968، عند إعلان إنشائها من العاصمة اللبنانية بيروت من قبل الدول الثلاث المؤسسة: المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت والمملكة الليبية التي اشترطت لقبول انضمام أعضاء جدد إلى المنظمة أن «يكون البترول هو المصدر الرئيسي والأساسي للدخل» ما أدَّى إلى رفض قبول عضوية بعض الدول العربية النفطية مثل الجزائر والعراق وهي دولة نفطية تلبي شروط العضوية، ورفع هذا الحظر بعد تغير النظام السياسي في ليبيا في الأول من سبتمبر (أيلول) 1969 وإعلان الجمهورية الليبية، وعليه تم تغيير شرط العضوية ليصبح المطلوب من الدولة الراغبة في الانضمام إلى الأوابك العربية «أن يكون البترول مصدراً مهماً للدخل» بدلاً من أن يكون المصدر الرئيسي والأساسي للدخل، وعلى أثر ذلك التعديل تم قبول عضوية الجزائر، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والعراق، وسوريا، ومصر، وتونس.
وتختلف الصورة في إطار اتحاد المغرب العربي الذي يجمع دولاً عربية مثل الجزائر، وليبيا، وتونس، وموريتانيا، ومملكة واحدة ممثلة في المملكة المغربية، وكذلك أيضاً على مستوى مجلس التعاون العربي الذي يضم في عضويته كلاً من مصر، والعراق، واليمن الشمالي، ومملكة الأردن الوحيدة في المجموعة، وإذا أخذنا واحدة من المنظمات الإقليمية الأجنبية كالاتحاد الأوروبي فسيلاحظ وجود ست دول ذات أنظمة ملكية من أصل 27 دولة وهي بلجيكا، والدنمارك، واللوكسمبورغ، وهولندا، وإسبانيا. والسويد (ولم نشر إلى المملكة المتحدة بعد خروجها «بريكست» من الاتحاد الأوروبي) في الأشهر القليلة الماضية،
وقد حددت المادة الرابعة من النظام الأساسي أهداف المجلس بـ«تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك «الشؤون الاقتصادية والمالية والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات والتعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والصحية، وكذلك في الشؤون التشريعية والإدارية».
وقضت الفقرة الثانية من المادة الرابعة بالعمل على دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة… وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها.
ونشير بهذا الخصوص إلى أنه برغم الجهود الحثيثة التي بذلها مجلس التعاون في تحقيق اندماج اقتصادي بين دوله الأعضاء، لكنه واجه صعوبات في تحقيق وحدته النقدية والسوق الخليجية المشتركة، وإن كان استطاع تحقيق تقدم في نطاق الاتحاد الجمركي، وفي مجال العمل العسكري والأمني أقرت قمة العلا في بيان المجلس الأعلى في دورته (41) بتاريخ 5 يناير 2021 تغيير مسمى قيادة «قوات درع الجزيرة المشتركة» إلى «القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي».
وأكد المجلس الأعلى في بيانه الأخير حرصه على قوة وتماسك مجلس التعاون ووحدة الصف بين أعضائه… مؤكداً وقوف دوله صفاً واحداً في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس.
وفي السنوات القليلة الماضية كانت وسائل الإعلام الغربية تصف مجلس التعاون الخليجي بأنه بمثابة نادي الأغنياء لدول النفط العربية بحكم اعتمادهم في دخلهم القومي بشكل أساسي على النفط، ولكن أظهرت التطورات اللاحقة أن هذه الصورة النمطية في طريقها إلى إحداث تحول تدريجي مختلف عما كانت عليه في الماضي، كما أظهر ذلك الحوار التلفزيوني الذي أجراه ولي عهد المملكة العربية السعودية في حديثه عن خطة 2030 والآمال المعقودة عليها للحد من المكانة الطاغية لموارد النفط على الاقتصاد الوطني في المملكة.
وما لا شك فيه أن مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى التحول من مجلس تعاون إلى مرحلة أبعد من ذلك على مستويين: فعلى المستوى الأول يجب أن يتم تنفيذ قرار المجلس الأعلى في دورته الثانية والثلاثين لعام 2011 بشأن مقترح الملك عبد الله رحمه الله بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهو الأمر الذي أكد عليه بيان المجلس الأعلى الأخير في قمة العلا.
والمستوى الثاني دراسة إمكانية تعديل إحدى فقرات النظام الأساسي المشار إليها أعلاه ليسمح بتوسيع نطاق العضوية في مجلس التعاون لانضمام أعضاء جدد إلى المجلس، ويمكن حدوث مثل هذا التعديل بعد المصالحة التي تمت بين دول المجلس بعد تحقيق المصالحة؛ لأن أي تعديل في فقرات النظام الأساسي يتطلب وفق المادة العشرين إقرار المجلس الأعلى بالإجماع على التعديل.