ورقة تقدم بها الأستاذ أحمد حرمل إلى الندوة السياسية التي اقامتها القيادة المحلية للمجلس الانتقالي في محافظة الضالع في أربعينية الشهيد البطل الرفيق يحيى محمد مثنى الشوبجي في 2يونيو 2021 في مدينة الضالع تحت شعار (الشهيد الشوبجي سمو الغاية وعظمة الوسيلة).
نص الورقة :
إن الفرد جزء حقيقي من مجتمعه، يتأثر بمجتمعه ويؤثر فيه بصورة واضحة؛ فالإنسان في تكوينه، في حياته، في ثقافته، في حاجاته، وفي كلّ شيء جزء من مجتمعه متأثرا ومؤثرا.
وتأثر الرفيق الشوبجي وتأثيره في مجتمعه لا يحتاج إلى دليل أو برهان؛ فقد عاش حياته بين أفراد مجتمعه بسيطا متواضعا يشاركهم أفراحهم وأتراحهم؛ ينصح هذا ويوجه ذاك بعيدا عن التكبر والغرور وحب الظهور يعرفه بذلك القاصي والداني، ويشهد له عدوه قبل صديقه.
وقبل الحديث عن الشوبجي المصلح الاجتماعي يجب أن نعرف أن الصلح هو سلوك إنساني حضاري يرمي إلى تسوية الخلافات القائمة بين الخصوم بطريقة ودية؛ إما بمبادرة من الخصوم أو من آخرين. وهو عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يمنعان به نزاعا محتملا وذلك بأن يتنازل كل منهما للآخر عن بعض حقه وصولا إلى إنهاء الخصومة .
وقد حث ديننا الإسلامي على إصلاح ذات البين وجعلها من أفضل القربات؛ يقول الله تعالى في محكم كتابه {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء114].
وقال: {ۖفَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال١].
ويقول أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم حاثا على إصلاح ذات البين: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ إصلاح ذات البين».
ولولا القيمة الدينية والدنيوية لإصلاح ذات البين لما حث عليه ديننا الحنيف .
ولتوضيح الدور الريادي للشهيد الشوبجي في إصلاح ذات البين نقف على بعض مآثره؛ فعقب حرب 94م العدوانية الظالمة على الجنوب التي توجت باحتلال الجنوب في 7/7/ 94 عمل نظام الاحتلال على إثارة النعرات المناطقية وتغذية الصراعات والاقتتال القبلي وغيرها من الممارسات والسلوكيات الدخيلة على الجنوب بهدف ضرب النسيج الاجتماعي وتمزيقه فكان الشهيد يحيى الشوبجي واحدا من الذين تنبهوا لخطورة هذا النهج؛ فعمل على التصدي له وبصلابة وإقدام.
وبخبراته الاجتماعية ومكانته السياسية وتجاربه الكثيرة استطاع في بادئ الأمر أن يصلح بين أبناء قريته قرية (العبارى) فجنبهم ويلات الخصومة والتشاجر والاقتتال، ثم توسع دوره ليشمل منطقة حجر والضالع بكاملها فمنعهم من الانزلاق في هذا الجانب، فحثهم على التماسك والإخوة، وبين لهم عواقب الخصومات والصدامات وخطرها على نسيجهم الاجتماعي، وحذرهم من مخططات المحتلين، وسعيهم في التفريق بين الناس.
فقد كان -رحمه الله- شديد الحرص على حماية الأسر والمجتمع من التفكك والتشرذم، ساعيا إلى تجنيبهم الأحقاد والضغائن، حريصا على حقن الدماء التي تراق بين المتخاصمين، مربيا للنفوس على العفو والإيثار.
لقد كان حكما” وحكيما” في وقت قل فيه المصلحون؛ فما أكثر من يحبون لعب دور المصلح الاجتماعى! ولكن كثيرا منهم يفشلون، ولا ينجحون كما نجح الشوبجي؛ لماذا؟
لأنهم يفتقرون إلى مهارات وصفات المصلح الاجتماعي الذي امتلكها الشوبجي.
فلكي تصبح مصلحا اجتماعيا حقيقيا عليك بالتحلى ببعض المهارات واكتساب بعض الصفات التي تمكنك من أن تصبح مصلحا ناجحا يحبك الآخرون، ويطلبون مساعدتك وقتما أرادوا.
فمن الصفات التي امتلكها الشهيد الشوبجي أنه كان شخصية اجتماعية محبوبة عند جميع من عرفه، وعاشره، وامتلك وجها بشوشاً مبتسماً لمن عرفه ولمن لم يعرفه؛ فكان -أعلى الله درجته في الجنة- لين الجانب، مرنا في تعامله مع الآخرين يستمع إليهم بروح مرحة مطمئنة؛ ويتفهم مشاكلهم، ويعمل على حلها مهما كانت معضلة. كان لطيفا ودودا ولديه قدرة كبيرة على امتصاص غضب المتخاصمين مهما بلغت درجته.
إلى جانب ذلك كان الشوبجي يتمتع بمهارات قيادية مميزة؛ شجاعا لا يهاب قول الحق، واثق النفس لا يهاب أحدا، رابط الجأش ثابتا عند الشدائد؛ لا يظهر الحزن ولا يشعر بالإحباط .. متعدد الاهتمامات وعلى تواصل دائم مع الآخرين .. يحمل هموم الناس ويصلح بينهم بكلمة طيبة .. ونصيحة غالية .. وجهد ووقت مبذول .. يستخدم جاهه وينفق ماله ليصلح بين المتخاصمين؛ فنفسه تحب الخير للناس جميعا.
إننا ونحن نتحدث عن المصلح الاجتماعي يحيى محمد مثنى الشوبجي نود أن نستشهد بمقولة للرئيس الأمريكي جون كندي قال فيها: “الوقت المناسب لإصلاح السقف هو وقت سطوع الشمس”
هذه المقولة تنطبق على الرفيق الشوبجي فقد كان يتحمل المتاعب والمشقة والعناء من أجل حل قضية هنا وأخرى هناك ولا يتردد لحظة واحدة في عمل الخير بعيدا عن أي حسابات .
كان الرفيق الشهيد يحيى الشوبجي يكره الغلظة والشدة والعنف في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، وكان يراها مناقضة للقيم، ومضادة لطبيعة متطلبات التعايش ويعتبرها ضعف لا قوة؛ لأنه كان مؤمنا بأن العلاقات الاجتماعية والإنسانية مبنيّة على الإخوة والمحبة والمودة، وقائمة على العدل والتآلف، وإن تباينت الأفكار والمواقف، واختلفت التوجهات والاتجاهات .
إن الشهيد يحيى الشوبجي امتلك صفات ومهارات ريادية فريدة أهلته لأن يقوم بدور المصلح الاجتماعي، وينجح في ذلك. وإن رمنا أن نكون مصلحين اجتماعيين مثله فعلينا أن نسلك الطريق الذي سلكه، ونحذو حذوه ونقتفي أثره؛ فنتحلى ببعض صفاته ومهاراته؛ كي نحظى بالحب والاحترام الذي حضي به، ونكسب ثقة مجتمعنا بنا كما كسبها الشهيد الشوبجي.
ولما ذكرت يجب توافر عدد من الشروط في المصلح الاجتماعي لكي يكون مقبولا في المجتمع وناجحا في عمله؛ وأهم تلك الشروط هي :
1- أن يكون متمتعا بمهارات الليونة الذكية والردود المفحمة وسرعة البديهة ولباقة الكلام.
2- أن يكون إيجابيا مع جميع الناس، وقدوة حسنة في علاقاته الأسرية وفى محيطه على أكمل وجه. وأن يكون قادرا على حل مشكلاته بشكل إيجابي؛ لكي يتمكن من السيطرة على مشكلات غيره وحلها.
3- أن يكون مفاوضا جيدا ومنصفا وحريصا على الطرفين، وأن يكون هناك ود بينه وبينهما يظهر أثر ذلك الود على سلوكه وأفعاله؛ لكي يمنحه الآخرون ثقتهم وتذلل له كل العقبات.
4- أن تتوفر لديه النية الصادقة في الإصلاح مع غياب المصالح الشخصيّة فيه.
5- اعتماد معايير العدل بعيداَ عن الحسابات الضيقة والرغبات والاهواء.
6- اعتماد أسلوب النصح واختيار العبارات المناسبة.
7- حفظ خصوصيات أطراف النزاع وعدم تجاهلها أو إهمالها.
8- عدم إفشاء ما يجب إسراره للضرورة التي تقتضي ذلك، ولما في الإفشاء من عرقلةٍ لجهود الإصلاح.
9-انتهاج الحوار بين المتخاصمين أسلوباً للإصلاح لما له من أثرٍ عظيمٍ في تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين.
10- أن يكون عارفا معرفة كافية سبل الإصلاح وطرائقها، محيطا بعادات وتقاليد المتخاصمين ويجب عليه احترامها.
11- السيرة الحسنة، والأخلاق القويمة؛ لما في ذلك من أثرٍ في قبول الإنسان المصلح والارتياح إلى رأيه.
12- الإخلاص في مساعي الصلح، وعدم وجود مصلحة شخصية في ذلك، والوقوف من جميع أطراف النزاع بدرجةٍ متساويةٍ.
وكل هذه الشروط قد توافرت في الشهيد الرفيق يحيى محمد مثنى الشوبجي وجعلت منه مصلحا اجتماعيا ناجحا في مجتمعه ومقبولا وأمينا ومنصفا.
لقد استطاع الشهيد الرفيق الشوبجي حل كثير من القضايا المعقدة؛ لما يتمتع به من حكمة ومكانة اجتماعية وقبول بين الناس .
احمد حرمل
انتهى