تونس – حمادي معمري
أعلنت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، الدخول في اعتصام مفتوح بساحة باردو، تنديداً بما سمته ”منظومة الإخوان”، والمطالبة برحيل راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان.
وكان أنصار الحزب قد توافدوا منذ صباح السبت، 5 يونيو (حزيران) 2021، إلى شارع “20 مارس” بباردو، حيث انطلقت مسيرة، نحو محيط البرلمان للمطالبة بـ”تحريره من ديكتاتورية الإخوان”، بحسب شعار المسيرة.
وتعد ساحة باردو محطة فارقة في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، تحيل إلى اعتصام الرحيل، الذي أنهى حكم الترويكا في 2013، وما تلاه من تحركات غاضبة على أداء البرلمان، ما دفع بقوات الأمن إلى تسييجها في أكثر من مناسبة للحيلولة دون اتخاذها كفضاء للاحتجاج والاعتصام.
وضمن هذه الرؤية لدور الساحة العامة، كمجال للتداول والاحتجاج والتظاهر والاعتصام، لترسيخ الممارسة الديمقراطية، اتخذت دلالات عند المحتجين، سواء من عموم التونسيين، أو من النخب والأحزاب السياسية.
وباردو لها في الذاكرة التونسية وظيفة مزدوجة سلبية وإيجابية في آنٍ واحد، بحسب محمد الجويلي، أستاذ الأنثروبولوجيا في الجامعة التونسية، حيث أكد أن الوظيفة السلبية اقترنت بكونها كانت مركز السلطة في عصر البايات، وهو عصر تميز منذ منتصف القرن التاسع عشر بالاستبداد، والفساد المالي.
وعلى الرغم من جهود خير الدين باشا الإصلاحية، وصدور دستور عهد الأمان عام 1864، وتأسيس المدرسة الحربية بباردو، التي تخرجت فيها نخبة من القيادات العسكرية، فإن ذلك العصر كان عصراً بائساً، تميز بضعف الدولة والانقضاض عليها من قبل المستعمر الفرنسي، بالإمضاء على ما يسمى معاهدة باردو (1881)، والتي انتهت باستسلام محمد الصادق.
ويضيف محمد الجويلي أن باردو بعد الاستقلال، لم تكن لها رمزية كبيرة لأن ثقل النظام السياسي كان في قرطاج، في عهدي بورقيبة وزين العابدين بن علي.
وبعد 2011، تحول النظام السياسي من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، واستعادت الساحة مجدها وثقلها السياسي، من خلال البرلمان.
مفارقة رمزية
يقول الجويلي، إن “هذا الثقل فيه مفارقة، من حيث الرمزية، فهو من الناحية الشكلية أعاد السلطة إلى الشعب، عن طريق البرلمان، وفي حقيقة الأمر السلطة لم تعد للشعب، لذلك بدأ يتظاهر أمام البرلمان، أو في ساحة باردو سخطاً على أداء هذه المؤسسة التشريعية، من قبل كل الشرائح التونسية، بما في ذلك التظاهر ضد البرلمان نفسه”.
وقد أدت الصراعات الحزبية الضيقة داخل البرلمان، وصولاً إلى تبادل العنف، إلى تنظيم سلسلة من الاحتجاجات أمام البرلمان، والمطالبة بحله، نظراً لأنه غفل عما يشغل الناس من مشاكل اقتصادية واجتماعية.
وختم محمد الجويلي بالقول، إن “باردو هي ساحة للاحتجاج ضد النظام السياسي القائم، الذي في ظاهره ديمقراطي، إلا أنه مخيب لآمال جزء كبير من الشعب التونسي، لذلك باتت الساحة قبلة المحتجين على النظام وعلى البرلمان نفسه، مثلما هو الشأن في اعتصام “الدستوري الحر”، المطالب بإنهاء وجود “الإخوان المسلمين” في البرلمان”.
مزيد من إضعاف الحكومة
من جهته، يؤكد أستاذ القانون العام والباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أن إعادة تجربة 2013 بالنسبة إلى المجلس التأسيسي، لن تنجح اليوم لأن المطالب مختلفة والسياق تغير، متسائلاً عن الآلية التي سيتم وفقها إنهاء وجود النهضة في البرلمان، مؤكداً أنه لا توجد آلية دستورية في الوقت الراهن تنهي عمل البرلمان.
وعاب الخرايفي على المجلس التأسيسي أنه لم يترك فرصة للشعب في أن يقول كلمته الفصل، إذا ما خاب ظنه في الطبقة السياسية التي انتخبها.
واعتبر أستاذ القانون أن اعتصام الدستوري الحر الموجه إلى البرلمان، سيزيد من ضعف الحكومة، وهو يستثمر في المزاج الشعبي العام المناهض لحركة النهضة، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية، معتبراً أن الحكومة منتهية فعلياً وسياسياً، وهي غير موجودة، نظراً لما تعانيه من نقائص في هيكلتها ما حال دون أدائها لمهامها بالشكل المطلوب.
تسجيل نقاط سياسية
يتوافق الخرايفي مع ما يقوله الصحافي المختص في الشأن السياسي، أيمن زمال، الذي استبعد أن يكون لاعتصام الحزب الدستوري الحر، في باردو، التأثير السياسي نفسه والقدرة على قلب المشهد، كما كان الشأن في اعتصام الرحيل في 2013، بالنظر إلى تغير الظروف، وموازين القوى، معتبراً أن اعتصام الحزب الدستوري الحر يدخل في سياق حشد الدعم للحزب تحشيد منخرطيه والمتعاطفين معه وتسجيل نقاط سياسية على حساب المتنافسين معه.
من جهة أخرى، يرى زمال أنه “على الرغم من هذا النجاح الحزبي في تحشيد المنخرطين، فإن هذا الاعتصام غير قادر على تغيير المعادلة في الواقع، ولا يهدد حكومة المشيشي، لأنه أحادي الجانب، ولا يحظى بدعم المنظمة العمالية ومكونات المجتمع المدني والفاعلين السياسيين”.
حكومة المشيشي قد تسقط الآن
في المقابل، يصف المحلل السياسي، نصر الدين بن حديد، التوازنات الحالية في تونس بأنها غير منطقية، بالتالي فإن حكومة المشيشي قد تدوم أشهراً، وقد تسقط الآن، واصفاً نوعية العلاقة القائمة بين الرئاسات الثلاثة بالمضطربة، وهو ما يجعل الحكومة ضحية التفاهمات السياسية والتوازنات والاقتصادية والاجتماعية.
ولفت ابن حديد أن الزيادات في الأسعار التي باتت تؤلم التونسيين، تهدد الحكومة أكثر مما يدور في الفلك السياسي من توازنات وصراعات، معتبراً أن أزمة الحكومة هي جزء من أزمة البلاد بكاملها في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
“النهضة” تدعو للحوار
وقد دعت حركة النهضة، اليوم، الأحد 6 يونيو (حزيران)، إلى “الترفق بالتجربة الديمقراطية في تونس والتضامن بين مراكز الحكم في قرطاج وباردو والقصبة، والتعالي عن المناكفات السياسية الحادة والمزايدات والابتعاد عن الخطابات الشعبوية غير المسؤولة والتي لا تراعي المصالح العليا للبلاد”.
وأكدت الحركة في بيان لها بمناسبة الذكرى الأربعين للإعلان عن تأسيسها، أهمية “الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني دون إقصاء، لدعم الشراكة السياسية في إدارة الشأن الوطني والتوافق حول الحلول المناسبة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتعمق مع مرور الوقت، والتزام جميع الأطراف بدعمها وتوفير شروط نجاحها”.
المصدر : أندبندنت عربية