الجزائر – صابر بليدي
كشفت تصريحات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عمق التنسيق مع تركيا وقطر في معركة السيطرة على طرابلس والدور الذي لعبته الجزائر في تلك المعركة، وهو ما يخرجها من دائرة الحياد الذي ادعته طيلة سنوات الأزمة ويؤكد انحيازها إلى محور الإسلام السياسي وميليشياته.
واستبق “الخط الأحمر” الجزائري الخط الأحمر الذي رسمته مصر عندما منعت تركيا من الوصول إلى سرت، والتي لا تخفي وقوفها إلى جانب الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقال تبون إن رسالة بلاده بأن طرابلس “خط أحمر” وصلت إلى من يهمه الأمر، مؤكدا أن الجزائر كانت “مستعدة للتدخل” لمنع سقوط العاصمة الليبية.
جاء ذلك في مقتطفات نشرتها فضائية الجزيرة، الثلاثاء، منْ مقابلة أجرتها مع تبون ومنَ المقرر أن تبث كاملة في وقت لاحق.
وجاء تصريح الرئيس الجزائري لقناة الجزيرة القطرية ليكرس التناغم القائم مع قطر وتركيا؛ ففي أقل من أسبوع رجح عبدالمجيد تبون كفة المعسكر التركي – القطري، بعدما أعلن عن استعداد بلاده لتعزيز التعاون الشامل مع أنقرة، واستدل على ذلك بالقول لمجلة “لوبوان” الفرنسية إن “تركيا تستثمر خمسة مليارات دولار في بلاده دون مقابل سياسي”، في تلميح إلى الاستثمارات الفرنسية المرتبطة في الغالب بملفات سياسية ودبلوماسية.
عبدالمجيد تبون: الجزائر كانت مستعدة للتدخل لمنع سقوط العاصمة الليبية
ويبدو أن تبون، الذي اختار قناة الجزيرة القطرية كأول رئيس جزائري يدلي بمقابلة معها منذ نشأتها في منتصف التسعينات، يريد توجيه رسائل طمأنة للحليفين القطري والتركي، على حساب الدول المعروفة بدعمها لخليفة حفتر والتي تصنف كدول حليفة للجزائر أيضا مثل فرنسا وروسيا.
وفي يناير 2020 قال الرئيس الجزائري، خلال استقباله فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية السابق، إن “طرابلس في نظر الجزائر تعتبر خطا أحمر ترجو عدم تجاوزه”.
وأضاف تبون للجزيرة أن بلاده “رفضت أن تكون طرابلس أول عاصمة عربية ومغاربية يحتلها المرتزقة”.
ولم يوضح تبون حينئذ المقصود تحديدا بالمرتزقة؛ حيث كانت تقارير إعلامية تتحدث عن نقل تركيا آلاف المرتزقة من سوريا إلى طرابلس لمساندة الميليشيات في حين تشير تصريحات مسؤولين أميركيين إلى انضمام مرتزقة فاغنر الروس للقتال في صفوف الجيش. لكن تصريحاته لقناة الجزيرة أكدت أن المقصود هم مرتزقة فاغنر وأن لا مشكلة للجزائر مع المرتزقة السوريين الذين أشارت تقارير إعلامية إلى وجود متطرفين من جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإسلامية معهم.
وذهب الكثير من المتابعين حينئذ إلى اعتبار أن المقصود بتصريحات تبون هو تركيا باعتبار علاقة التوتر التي تربط الجيش الجزائري بالإسلاميين الذين خاض معهم حربا استمرت عشر سنوات خلال ما يعرف بالعشرية السوداء.
لكن تبون قال في ملخص لحواره مع قناة الجزيرة نشر على الصفحة الرسمية للرئاسة إن “التيار الإسلامي في بلاده يختلف عن ذلك الموجود في دول أخرى”.
وأكد أن “الجزائر تخلصت من الإسلام الأيديولوجي إلى غير رجعة”، في إشارة إلى ما تعتبره السلطات الجزائرية تيارات إسلامية متطرفة.
وظلت الجزائر منذ بدء الأزمة الليبية في 2014 تعتبر نفسها بلدا محايدا وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، رغم وجود اتهامات بانحيازها إلى معسكر الإسلام السياسي خاصة بعد أن استقبلت الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج.
كما تمسكت منذ عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة برفضها “أي تدخل عسكري في ليبيا والدفع بالحلول السياسية”، لكن تأهبها للتدخل في طرابلس فاجأ إلى حد ما المتابعين للموقف الجزائري “المحايد”.
وتميزت علاقة الجزائر بخليفة حفتر بالفتور حينا وبالتوتر حينا آخر، رغم اللقاءات المحدودة التي جمعته بكبار المسؤولين الجزائريين، لاسيما بعد ما نسب إليه من تهديدات باجتياح المنطقة الحدودية، وامتعاضه في أكثر من مرة مما أسماه بـ”انحياز الجزائر لصالح خصومه في الصراع القائم بليبيا”.
ويقول مراقبون إن المقصود بهذه التصريحات بالدرجة الأولى هو فرنسا التي تدعم المغرب في صراعه مع الجزائر على الصحراء، وإن التوتر القائم بين البلدين (الجزائر وفرنسا) يعود أساسا إلى هذا الموضوع.
ولا يستبعد هؤلاء أن تؤثر تصريحات تبون على الدور الذي تأمل السلطة الجديدة في طرابلس أن تلعبه الجزائر خلال الفترة المقبلة لتحقيق المصالحة المنشودة.
وكان رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة أعلن عن طلبه من الرئيس الجزائري “المشاركة في المصالحة الوطنية الليبية؛ لأن الجزائر مؤهلة لأن تقود وتدعم المصالحة الليبية – الليبية”.
ولفت إلى أن “الجزائر لم تتدخل في الشأن الليبي خلال السنوات العشر الماضية، وأن ليبيا تنظر للجزائر كأخ أكبر”.
المصدر : العرب اللندنية