تونس – صغير الحيدري
أثارت طريقة استقبال الناطق باسم حركة حماس الفلسطينية سامي أبوزهري في تونس جدلا واسعا، خاصة أن الرجل الذي ينتمي إلى حركة إسلامية حظي بحفاوة كبيرة من قبل النخب التي تزعم معاداة تيار الإسلام السياسي ما شكل مدعاة للتساؤل عن أسباب ذلك، خصوصا أن هناك من رأى الأمر يعود إلى جهل تلك الأوساط بطبيعة الحركات الإخوانية.
وسلطت زيارة الناطق الرسمي باسم حركة حماس الفلسطينية سامي أبوزهري إلى تونس مؤخرا الضوء على مواقف النخب التونسية، لاسيما السياسية منها، المتناقضة تجاه تيارات الإسلام السياسي.
ففيما تُبدي تلك النخب عداء مطلقا لحركة النهضة الإسلامية في تونس إلا أنها احتفت بالناطق باسم الحركة الفلسطينية وهو ما أثار جدلا واسعا خاصة أن الحركتين خرجتا من نفس الرحم: الإخوان المسلمون.
وكان الناطق باسم حماس قد أدى في وقت سابق زيارة إلى تونس أكد خلالها أنه يتم التحضير لزيارة سيؤديها رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى البلاد في أعقاب التصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة أو ما بات يُعرف بحرب الأحد عشر يوما.
التحالفات مع الإسلاميين وإن كان المنخرطون فيها يروجون على أنها تكتيك سياسي فإنها تعكس جهلا بفكر الإخوان
وتتباين تفسيرات المواقف المتناقضة لمكونات المشهد السياسي، التي تُبدي معارضة شديدة لتيارات الإسلام السياسي في تونس بينما تمد يدها لتيارات تنشط خارج البلاد على غرار حماس، بين من يرى أن ذلك نتاج لعدم فهم طبيعة الحركات الإخوانية وأجنداتها وبين من يعتبر أنه يندرج في سياق شعبوي باعتبار ما أفرزه التصعيد في غزة من مكاسب لحماس سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي وبالأساس عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمامات العرب.
وشملت زيارة سامي أبوزهري لقاءات مع العديد من الأحزاب السياسية التي لطالما تغنت بالتصدي لأجندات الإسلام السياسي الذي تمثله في تونس حركة النهضة، على غرار حزب العمال الشيوعي وحزب قلب تونس (الذي يتحالف مع النهضة حاليا بعدما بنى حملته الانتخابية على معاداتها) والتيار الديمقراطي وحركة الشعب القومية التي تعادي تيار الإخوان لكن في سياق المزايدة بالملف الفلسطيني صارت تدعم فرعهم في فلسطين.
امتداد للشعبوية
محمد صالح العبيدي: الشعبوية هي التي تقف وراء الاحتفاء بالناطق باسم حماس
انتهت رحلة سامي أبوزهري إلى تونس لكن الجدل بشأنها لا يزال متواصلا، ليس لأنها جاءت في سياق التحضير لزيارة هنية إلى البلاد فحسب بل كذلك باعتبار أن بعض الأنشطة التي قام بها، ومن بينها لقاءات جمعته بقادة سياسيين، فاجأت المتابعين.
من بين هؤلاء رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي الذي لم يتفاجأ التونسيون باستقباله للناطق باسم حماس بقدر ما أثار استقبال الرجل من قبل تنظيمات تُجاهر بمعاداة الإسلاميين -على غرار حزب العمال الشيوعي أو الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تعهد في وقت سابق بالتصدي للخيارات الإخوانية وغيرها من التصريحات القوية المناهضة للإسلاميين- جدلا واسعا.
ويُرجع متابعون للشأن السياسي في تونس الحفاوة التي حظي بها أبوزهري مقابل معاداة حركة النهضة إلى الشعبوية التي باتت تمثل تيارا جارفا مر بجل الأحزاب السياسية والمنظمات في البلاد.
وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن “الشعبوية هي التي تقف وراء تلك الحفاوة لأن هناك أحزابا تواجه شبح الاندثار وهناك منظمات تواجه أزمات داخلية لذلك تلجأ إلى مثل هذه التحركات لاستعادة الشعبية أولا ولتجاوز الخلافات الداخلية ثانيا بصرف الأنظار عنها”.
وأضاف العبيدي في تصريح لـ”العرب” أن “حمة الهمامي مثلا يُدرك جيدا تدني شعبيته وكان ذلك واضحا وجليا خلال مشاركته في الانتخابات الرئاسية، لذلك يستنجد بأي وسيلة قد تجعله يعود إلى المزاحمة على الرئاسة أو غيرها من الاستحقاقات، لاسيما في ظل الهوس بالزعامات في البلاد”.
وتابع “أيضا ذلك لا يخفي أن هناك نخبا تونسية تعتبر حركة حماس مقاومة، أما بالنسبة إلى النهضة فهؤلاء يحملونها مسؤولية ما حصل طيلة السنوات العشر من عبث بالمؤسسات الحكومية وتدهور اقتصادي. وأعتقد أن هذا صحيح؛ فحركة النهضة تتحمل المسؤولية الكبرى عما آلت إليه الأوضاع في تونس لكن التيارات الإسلامية في النهاية تبقى لها الأيديولوجيا نفسها”.
واستنتج العبيدي أنه “في النهاية هناك من يساير الغالبية وما تقوله لكسب نقاط؛ فلا يمكن نفي أن يكون هناك نوع من المتاجرة في إطار المبالغة في طريقة استضافة هذا القيادي بحماس، فالقضية الفلسطينية -شأنها شأن أي ملف آخر سواء كان وطنيا أو دوليا- تتم المتاجرة بها والمزايدة عليها، أما وطنيا فهناك مثلا ملف الفساد في تونس تتم المزايدة بشأنه للظهور في ثوب العفة والطهارة. الأمر نفسه ينطبق على القضية الفلسطينية”.
المشكل فكري
في المقابل تذهب أوساط تونسية إلى تفسير التناقضات التي ما انفكت تطرأ على الأحزاب السياسية التي تصنف نفسها ضمن القوى التي تحمل لواء الدفاع عن مدنية الدولة والمعادية للإسلام السياسي بالجهل بطبيعة الجماعات الإخوانية التي تتحالف مع بعضها البعض.
ودأبت تلك الأحزاب على إيجاد مبررات للدخول في تحالفات مع تيارات الإسلام السياسي محليا، لكنها مع حماس هذه المرة بدت أكثر وضوحا وكأنها تسعى إلى تجنب الحرج أمام عامة الناس الذين لم يتوانوا في إبداء تحمّسهم لـ”انتصارات المقاومة”.
ومع ذلك يرى مراقبون أن هذه التحالفات وإن كان المنخرطون فيها يروجون لها على أنها تكتيك سياسي أو تحالفات الضرورة فإنها تعكس جهلا بفكر التنظيمات الإخوانية.
أبوزهري أجرى لقاءات مع أحزاب لطالما تغنت بالتصدي للإسلامين مثل حزب العمال الشيوعي وحركة الشعب التي تعادي الإخوان لكن صارت تدعمهم في فلسطين
ويقول المحلل السياسي والمؤرخ التونسي عبدالجليل بوقرة إن “بعض التحديثيين إما من باب الجهل بحقيقة وطبيعة الصراع الآن أو بدعوى التكتيك والتقارب الوقتي يقتربون من تيار الإسلام السياسي مثل ما حدث عام 2005 في تونس عندما تم تشكيل ذلك التحالف الغريب العجيب بين الشيوعيين والماركسيين والإسلاميين والعروبيين”.
وفي 18 أكتوبر 2005 تم تشكيل “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” التي هي بمثابة تجمع لمعارضي الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي من إسلاميين ويساريين وعروبيين، بعد أن قام قياديون من مختلف تلك التوجهات بإضراب جوع في ذلك العام انتهى بإعلان تشكيل هذه الهيئة لمواجهة “استبداد بن علي”.
وأوضح بوقرة في تصريح لـ”العرب” أننا “الآن نرى تقاربا مماثلا من التحديثيين مع حماس بحجة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإثبات حق الفلسطينيين في إقامة دولة عاصمتها القدس، وهو تقارب ناتج عن الجهل والأمية السياسية. ولا أتصور أن المشروع الإسلامي يؤمن بالوطنية وبالدولة الوطنية، مشروعهم النهائي مشروع الخلافة والخلافة تعني الأمة الإسلامية وليست الأمة التونسية أو الفلسطينية وفي تصورهم ما الوطن كما قال سيد قطب سوى حفنة من التراب العفن”.
وأكد أن “القادة اليساريين مثلا هم شبه أميين، هم لا يقرأون، ولا يعرفون أسس المعرفة التاريخية والفلسفة والفكر السياسي، كل هذه الأشياء يجهلها قادة اليسار في تونس”، مضيفا أن “معلومات هؤلاء القادة الفكرية والسياسية والفلسفية منقوصة، لذلك يرتكبون أخطاء شنيعة ويصبحون عاجزين عن تقدير الموقف، لا يرون من الأحداث الأخيرة في غزة غير الصواريخ ولكن لا يرون النتائج ومن استفاد؛ استفاد (بنيامين) نتنياهو والإخوان فقط في الوقت الذي دفع فيه المواطن الفلسطيني الثمن غاليا”.
عبدالجليل بوقرة: تقارب التحديثيين مع حماس هو نتاج للجهل والأمية السياسية
وشدد على أن “هناك الليبراليين أيضا -مثل المرحوم الباجي قائد السبسي- الذين لم يحسموا مواقفهم بعد من الإسلام السياسي ومن التقليديين، ولديهم وهم إمكانية تغير التيار الإسلامي وأن تكون هناك نقاط التقاء معهم، وهذه الدوافع تجعل من الصراع السياسي في تونس معقدا ومكلفا وطويل المدى. أعتقد أن هذا الصراع سيحسم في انتخابات 2024”.
وانتهى التصعيد في غزة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في الـ21 من مايو الماضي بعد أن أودى بحياة نحو 250 فلسطينيا، وإصابة ما يزيد على 1900 آخرين في القطاع الخاضع لسيطرة حماس.
انتقادات حقوقية
على صعيد آخر أحدث استقبال النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الناطقَ باسم حماس صدمة لدى العديد من الأوساط التي لم تتوان في توجيه سهام النقد للنقابة بسبب سجل حماس الحقوقي في قطاع غزة.
ونظمت النقابة، التي لطالما واجهت اتهامات من الإسلاميين أو جيوشهم الإلكترونية بأنها تحت سيطرة اليسار التونسي، قبل أيام مؤتمرا صحافيا لسامي أبوزهري كشف فيه العديد من المعطيات بشأن التصعيد الأخير في قطاع غزة وكذلك تحدث عن زيارة محتملة لإسماعيل هنية إلى تونس.
ورغم أن العديد من الصحافيين ينظرون بعدم الرضا لهذا الاستقبال إلا أن أصواتا قليلة ارتفعت على استحياء منددة به لاسيما في ظل الهيستيريا التي باتت تسيطر على الغالبية في تونس والتي صارت ترفض أي اختلاف خاصة في قضية أضفوا عليها نوعا من القداسة وهي القضية الفلسطينية.
وندد الصحافي والكاتب التونسي هادي يحمد بهذا الاستقبال من قبل “النقابة التي لطالما دافعت عن الحريات العامة والفردية”.
هادي يحمد: استقبال ممثل حماس في نقابة الصحافيين خطأ كبير
وقال يحمد في تصريح لـ”العرب” إن “استقبال ممثل حركة حماس الإسلامية في مقر نقابة الصحافيين التونسيين خطأ كبير”، موضحا أنه “في عقيدة حماس لا حقوق للنساء ولا للأقليات بل اعتداء عليها وهذا يخالف مبادئ نقابة الصحافيين التونسيين”.
وتابع “في عقيدة حماس باسم البندقية وصواريخ الكاتيوشا التي توجه ضد الاحتلال عليك أن تصمت أمام انتهاكات الداخل وآخرها الاعتداء على صحافية فلسطينية بالعصي لأنها لا ترتدي زيا محتشما! لا يمكن باسم المقاومة أن تزكي فكرا رجعيا متخلفا في مقر نقابة ميثاقها يدافع عن الحريات، كل الحريات. النقابة التي أعرفها والتي ساندت تقرير المساواة الكاملة وحقوق الأقليات لا يمكن أن تكون النقابة ذاتها التي تستقبل ناطقا باسم حركة رجعيّة لا تعترف بالمساواة وبالأقليات وتنتهك حقوق الإنسان، باسم المقاومة يجب أن تصمت على انتهاك حقوق الإنسان لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة؟”.
وأردف متسائلا “أي مقاومة هذه التي تريد تحرير الأرض وتسجن الإنسان، الحريات في غزّة وحقوق النساء وحقوق المختلفين ‘موش وقتو’ (لم يحن وقتها)؟”.
المصدر: العرب