كتب : علي ناصر محمد
اينما يذهب الشاعر يترك اثرا ، حتى حين يذهب إلى الموت ، هذا سرخلود الشاعر والمبدع عموما .
وسعدي يوسف ليس اي شاعر ، فهو شاعر كبير ، تميزه فرادته ، وإنسانيته، وعالمه الخاص الذي يصوغ مفرداته ، وموقفه من الحياة وكل مايحيط به ، انه عالم فريد ليس لسعدي يوسف بل لنفسه وللآخرين .
اعتقد ان هذا مايمنح حياة الشاعر معنى وقيمة ، ذلك الرباط الحميمي الذي لايجعل شاعرا كبيرا مثل سعدي يوسف يشيح بوجهه عن الحياة ويترك محبيه للحزن والألم .
ماان مر وقت قصير على وجوده في عدن حتى حول إقامته القصيرة التي لم تستمر طويلا إلى حضور ملهم للمبدعين .
اما كيف جاء سعدي إلى عدن .
فعقب مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية بيروت جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان والمنظمة وحصار بيروت عام ١٩٨٢ ، وجهنا سفارتنا هناك باستضافة عدد من الكتاب والشعراء العرب المنفيين في لبنان للانتقال والعيش في عدن .
كان الشاعر الكبير سعدي يوسف على رأس الذين لبوا دعوتنا وتم استقباله بحفاوة رسمية وشعبية تليقان بمكانة هذا الاديب العربي المناضل الفذ. وقد تعرفت اليه اول ماتعرفت في عدن .
لكني قرأت له قبل ذلك الكثير ، ثم التقينا بعدها في دمشق وبيروت والعديد من البلدان ، وواظبت على متابعة كل جديد يصدره .
مايميز سعدي يوسف هو التواضع الجم الذي يختفي خلفه شاعر عظيم ، فيمنحك العبور الى ذاته الانسانية .. إنه درس كبير جدا لكل من يريد ان يصعد سلم المجد دون ان يقتله الكبرياء .
كانت عدن خلال هذه الفترة ، غاصة بالعراقيين والعرب المنفيين من بلدانهم واحتضنتهم اليمن الديمقراطية .
وباشر الكثير منهم اعمالهم المعتادة في الصحف .والمطابع وموظفين في دوائر مختلفة حسب تخصصاتهم ، منهم الشاعر عبد الكريم كاصد الذي باشر عمله في مجلة ( الثقافة الجديدة ) التي كان يراس تحريرها الشاعر المثقف فريد بركات رحمه الله . والشاعر السوداني الكبير جيلي عبد الرحمن الذي الذي باشر عمله في جامعة عدن ، وكذلك الشاعر السوداني الكبير مبارك حسن الخليفة ، والشاعر المصري زكي عمر الذي عمل في صحيفة 14 اكتوبر والكثيرين الذين احتضنتهم عدن الجميلة .
اما الشاعر الكبير سعدي يوسف ، القادم من حصار بيروت فقد اختارته دار الهمداني للطباعة والنشر مستشاراً لها ولمديرعام الدار الأستاذ الشهيد أحمد سالم الحنكي ، ومشرفا على إصدارات الدارمن الكتب والمطبوعات الصادرة عنها . وكان سعدي رئيس التحرير الفعلي لمجلة ( المسار ) الصادرة عن الدار.
ويصف الصحفي نعمان قائد سيف في رثاء سعدي يوسف وقد عمل معه ومع الشهيد احمد سالم الحنكي ، هذا العمل بانه كان بمثابة بعث الروح في آلات الطباعة المهملة ، بتحفيز العمال والفنيين على إصلاحها وتشغيلها ، وجذب المثقفين الى صف الدار فكان الابداع المميز في سنوات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المأسوف عليها .
وبالمثل ، فقد كان لعدن اثرها في شعر سعدي يوسف .. هذه المدينة التي عاش فيها شاعر فرنسا العظيم رامبو فترة من حياته.. فلهذه المدينة سحرها وتأثيرها على كل من يعيش فيها ولولفترة قصيرة .. وانعكس هذاعلى النشاط الثقافي والأدبي الذي اضطلع به سعدي في المحافل والامسيات الشعرية والأدبية في كل من عدن وحضرموت ولحج ويافع التي رافقه في رحلته الى لبعوس عام 1984 الشاعر جنيد محمد الجنيد. الذي قال انه استفاد من سعدي كثيرا في الشعر والادب ، ولم يكن يقصد نفسه فقط بل اجيالا من الشعراء العرب الذين تأثروا بسعدي يوسف وتجربته الشعرية الثرية .
أبدع سعدي عدداً كبيراً من القصائد والدواوين خلال وجوده في عدن فضلاً عن إشرافه المباشر على إصدارات الكتب ودواوين الشعر وكذا المجلات المتخصصة في الأدب وأدب الطفل الصادرة عن دار الهمداني .
وهكذا كانت إقامته حافلة بالعطاء الزاخر لن تنساها الاجيال المثقفة التي ترعرعت ونمت في تلك الفترة الزاهرة من تاريخ اليمن الديمقراطية. فقد كان حضور الشاعر الكبير سعدي يوسف نبراسا ملهما للإبداع والمبدعين .
وسيظل شعره وكلماته التي خطها هي الكلمات التي ستقراها اجيال واجيال ، وسيجدون بين سطورها مايعيد لهم الامل اويمنحهم العزاء
يقول سعدي يوسف في كتابه يوميات المنفي الأخير
عدن بعيدة.. وعدن في القلب.. ولا مسافة بين القلب والمسافة.
تقول جنوبيون.. تقول يمانيون علمونا اللغة وانطقونا الشعر، ومنحونا امرؤ القيس الجميل..
تطاول الليل علينا دمون
دمون إنا أخوة يمانيون وإننا لأهلنا محبون.
تقول جنوبيون تقول يمانيون..
سددوا خطاهم من الثورة إلى نظرية الثورة.. ومن نظرية الثورة إلى الثورة.. وأنبتوا في رايات العرب أول نجمة حمراء.
رحم الله سعدي يوسف . الشاعر والانسان .