منى عبد الفتاح
شهدت ثلاث عواصم اجتماعات أفرقاء أزمة سد النهضة الإثيوبي، مصر والسودان وإثيوبيا. فما بين الخرطوم والدوحة وأديس أبابا، انعكس التباين في الرؤى واتجاهات وضع حل للأزمة. وتحرك السودان ومصر، في هذه الأيام القليلة المتبقية على الملء الثاني لسد النهضة، بعد وصول مسار المفاوضات بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، إلى طريق مسدود، فيما تقترب أديس أبابا من عملية الملء الثاني لبحيرة السد في يوليو (تموز) المقبل. ولتنسيق الجهود، قامت دولتا مصب النيل بجولات أفريقية وعربية من واقع اتفاقهما على وجود مخاطر جدية ستنتج من الملء الأحادي للسد، لكسب تأييدها لمصلحة موقفهما، والضغط على إثيوبيا للتفاوض بجدية بغية التوصل إلى اتفاق. في الدوحة، عقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعاً تشاورياً غير عادي بطلب من السودان ومصر لمعالجة الأزمة. وفي هذه الأثناء، زار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي الخرطوم لمناقشة مساعي المنظمة الأفريقية لإيجاد حل للأزمة ذاتها. وفي أديس أبابا، عُقد الاجتماع الـ33 لوزراء المياه والري في دول حوض النيل الشرقي شارك فيه وزراء المياه في إثيوبيا والسودان وجنوب السودان، بينما غابت مصر.
وتتمسك الخرطوم والقاهرة بموقفهما الرافض لتنفيذ الملء الثاني للسد وتشغيله من دون توقيع اتفاق ملزم يشمل ضمانات دولية لكل الأطراف. وتصرّ إثيوبيا على عدم التراجع عن موقفها، وتسعى إلى فرض الأمر الواقع على البلدين، نظراً إلى التكلفة العالية للسد البالغة أكثر من أربعة مليارات دولار، كأكبر سد بعد اكتماله وأكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.
كتلة التأييد
يقول اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب لـ”اندبندنت عربية” إن “السودان اتجه إلى الدول الأفريقية والعربية ممثلة في الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية من أجل دعمه ومساعدته في ملف سد النهضة، لأن الخلاف أصبح يمس الأمن المائي والغذائي للبلاد. وجالت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي على عدد من الدول الأفريقية والعربية لشرح موقف الخرطوم”. ويوضح أن “الاجتماع الذي ترعاه جامعة الدول العربية في الدوحة سيمثّل كتلة من التأييد في مجلس الأمن عند طرح الأمر بحسب شكوى السودان ومصر لدى مجلس الأمن، ولكن لن يكون له تأثير مباشر في إثيوبيا، نظراً إلى تقاطعات مصالح الدول التي تستثمر في سد النهضة. لذلك، فإن الضغوط لن تكون مباشرة على إثيوبيا بالطريقة التي يتوقعها المراقبون”.
ويضيف مجذوب “الموقف السوداني متأرجح، إذ بدأ مع إثيوبيا قلباً وقالباً حتى عام 2015 وتوقيع إعلان المبادئ، ومن ثم تحوّل إلى مطابقة الموقف المصري. هذا الأمر أحدث خللاً في العلاقات مع أديس أبابا وأثر في المفاوضات. وتحاول هذه الأخيرة من خلال نهج التفاوض إخراج السودان بعيداً من مصر. ثم جاءت المناورات العسكرية المشتركة السودانية – المصرية مرتين خلال 3 أشهر فقط، فزادت الطين بلة من ناحية عدم الثقة، وظهرت خيارات أخرى غير الخيارات السلمية من التفاوض”.
اتفاق ملزم
“أضاعت المبادرات زمناً عزيزاً، سواء كانت المبادرة الأميركية أو الإماراتية أو البريطانية أو مبادرة الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي، وخدمت الأجندات الإثيوبية في إكمال البناء والوصول إلى الملء الثاني للسد”. ويتوقع مجذوب أن الأزمة ستكون في نهاياتها باقتراب الزمن المخصص للملء الثاني من دون أي اتفاق أو ثقة بين الأطراف الثلاثة، ما يخلق مشكلات كثيرة في المستقبل ويؤثر في تعاملها مع بعضها. فقد أدخلت إثيوبيا بعض البنود والمطالب الخاصة بتقسيم المياه، وهذا أمر جديد إذ تحدثت عن اتفاقية 1959 وحوض النيل. وهذا أمر سيعقّد الملف تعقيداً كبيراً.
ويتابع “الضوء في النفق هو المبادرة الأميركية التي يمكن أن تضغط على إثيوبيا مباشرة للوصول إلى اتفاق ملزم في الملء الثاني والتشغيل في المستقبل. أما اجتماع الدوحة، فلا أعتقد أنه سيؤثر مباشرة، ولكنه سيفيد عند طرح الأمر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
مواجهة حقيقية
ويعرب السفير علي يوسف لـ “اندبندنت عربية” عن اعتقاده بأن “أزمة سد النهضة دخلت مراحل حاسمة. فمن جهة إن المفاوضات التي جرت بين الأطراف الثلاثة، سواء كانت مباشرة أو بوساطة أفريقية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبي ورفض التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم للأطراف حول الملء والتشغيل. واقتراب موعد الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، يضع الأطراف أمام مواجهة حقيقية لواقع مرفوض من جانب مصر والسودان ومفروض من جانب إثيوبيا وهو الملء الأحادي من دون تشاور واتفاق”.
ويضيف أن “هناك تحركات شبه ختامية في المجالات الثلاثة، العربي والأفريقي وفي إطار الأمم المتحدة. في المجال العربي، فإن اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدوحة، فيه إشارة إلى ضرورة الدعم العربي لموقف البلدين. لكن لا يُتوقع وصول الاجتماع إلى حل للمشكلة مع غياب إثيوبيا، وسيتخذ موقفاً قوياً لدعم ومساندة كل من السودان ومصر في مطالبهما العادلة بأن يكون هناك اتفاق ملزم لإثيوبيا قبل الملء الثاني. وهذا ما سيخرج به الاجتماع. أما من ناحية الحسابات الدبلوماسية، فيُحسب الاجتماع لمصلحة الموقف السوداني المصري”.
ويذكر يوسف أنه “من جهة أخرى، فإن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، التقى خلال زيارته الخرطوم رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائب رئيس المجلس الفريق أول محمد حمدان “حميدتي” ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتباحث معهم في شأن أهمية وضرورة الحفاظ على سلمية المشكلة ومنح فرصة أكبر للوساطة الأفريقية لمعالجة الأزمة. وفي رأيي، يمكن للمفوضية إبداء حسن النيّات والتحرك من طرف إلى آخر، ولكن المفوض الأساسي للوساطة هو رئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ومكتب الاتحاد. وهذا الفريق لم يقمُ بأي محاولات لمواصلة الوساطة. لذلك، فإن الوساطة الأفريقية فشلت في أن تتوصل إلى حل للمشكلة أو الخلاف في أزمة سد النهضة”.
طابع قانوني
بينما شُكّلت لجنة من السعودية والأردن والعراق والمغرب، على مستوى الجامعة العربية، لإجراء اتصالات مع مجلس الأمن لدعم مصر والسودان في ملف سد النهضة، برزت تحفظات من دول المنبع على عدم المساس بحقوق الأطراف.
وفي هذا السياق، يعتبر يوسف أن رسالة مصر والسودان إلى مجلس الأمن في خصوص الأوضاع، باعتباره الجهة المسؤولة عن الأمن والسلام في العالم، سبقتها الإجراءات المتبعة في مثل هذه الأزمات، وهي أن يوكل إلى المنظمات الإقليمية القيام بحل المشكلات، ولكن في حال فشل هذه المنظمات، وكانت المشكلة تهدد أمن أي منطقة في العالم، من واجب مجلس الأمن، ومن حقّه، أن يتدخل للحفاظ على الأمن والسلام.
ويؤكد يوسف أن معظم أعضاء مجلس الأمن يدركون خطورة الأوضاع في القرن الأفريقي، خصوصاً موضوع سد النهضة والمشكلة الإنسانية الخاصة بصراع تيغراي التي اهتم بها مجلس الأمن وأعضاء مجموعة السبع في اجتماعهم الأخير في بريطانيا، وتهتم بها أطراف كثيرة في العالم. وهناك الوضع الخطير الذي يضعه مجلس الأمن في الاعتبار، وهو المواجهات بين القوات السودانية والإثيوبية في النزاع الحدودي بين البلدين، والمناورات العسكرية السودانية المصرية، ما ينذر بتطورات ربما تكون خطيرة.
خيارات أخرى
ويؤكد ياسر عباس، وزير الري والموارد المائية السودانية، لوكالة “سونا” للأنباء، أن موقف بلاده رافض لربط مسألة سد النهضة بطرح تقسيم المياه الذي تدعو إليه إثيوبيا. ويستبعد العمل العسكري كخيار في معالجة الموضوع، موضحاً أن “للسودان خيارات أخرى على الصعد القانونية والسياسية والتعاملات اللوجستية في ما يتعلق بالجوانب الفنية لتأمين استمرار التخطيط الزراعي، وعمليات الري وفق ما هو مخطط له”.
ويتوقع يوسف أن “يسعى مجلس الأمن إلى التدخل بصورة ما بتوجيه رسالة قوية للأطراف بعدم اللجوء إلى استخدام القوة لحل المشكلة. فالمشكلة في الأساس ذات طابع قانوني، إذ تعتبر إثيوبيا أن النيل الأزرق مسألة سيادة وطنية، ويرى السودان ومصر أن هذا مجافٍ للحقيقة بحسب الاتفاقيات الدولية، تحديداً اتفاقية 1997 الخاصة بالأنهار العابرة، إذ ينبغي على دولة المنبع أن تضع في الاعتبار مصالح الدول الأخرى وألا يؤدي استخدامها هذه الأنهار إلى أضرار للدول الأخرى. وتعتبر الخرطوم والقاهرة أن السد سيسفر عن أضرار كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى السودان”.
احتمالات مفتوحة
ويتابع يوسف “من المتوقع أيضاً أن يتجه مجلس الأمن إلى اتخاذ موقف يحدّ من هذا التدهور ولا يقود إلى مواجهة عسكرية بين الأطراف. وأعتقد إذا كان هناك قرار يدعو بقوة دولة إثيوبيا إلى الاستجابة لجهود توصّل لحل سلمي لأزمة السد وعدم ملئه بصورة أحادية، والانخراط في مفاوضات جادة للوصول إلى حل سلمي، فلن يؤدي هذا الطلب إلى استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو)، نظراً إلى علاقات ومصالح البلدين مع الخرطوم والقاهرة ومع أديس أبابا، إلا إذا كان هناك اتجاه لفرض عقوبات كبيرة على الأخيرة. وهذا لن يحدث في هذه المرحلة”.
واختتم يوسف كلامه، “واضح أن إثيوبيا ستستمر في سياستها للملء الأحادي، بإشارتها إلى أن الملء لن يكون كما قررت في السابق بحوالى 13.5 مليار متر مكعب، وإنما سيكون قريباً من حجم الملء الأول الذي كان 4.9 مليار متر مكعب وذلك لعدم اكتمال البناء في الجدار الأوسط، ولن تقبل دولتا السودان ومصر بأي ملء أحادي، ما سيقود إلى المرحلة الأخيرة من المواجهة بين الأطراف الثلاثة واحتمالاتها مفتوحة”.
نقلا” عن أندبندنت عربية