كتب – علي ناصر محمد
يرتبط شهر يونيو/حزيران في ذاكرتنا بجرح لم يلتئم منذ أكثر من خمسين عاماً، جرح النكسة 1967م، التي حلّت بمصر عبد الناصر والأمة العربية مع احتلال بعض الأراضي العربية في فلسطين والجولان وسيناء، ولم تكن هذه الحرب موجهة لمصر وحدها وإنما كانت موجهة ضد الأمة العربية من المحيط الى الخليج كما كانت تستهدف المد القومي بقيادة مصر عبد الناصر في الستينيات، ولا زلنا نعاني من آثار هذه الحرب وغياب القائد عبد الناصر الى اليوم، فعندما تنهض مصر تنهض الأمة العربية من المحيط الى الخليج.
وقد ذهب عدد من الساسة والمؤرخين إلى ربط هزيمة الجيش المصري في حربه مع إسرائيل بتورطه في حرب اليمن وخسائره فيها التي قدرت بالآلاف من الشهداء، إضافة إلى انشغال وحدات فاعلة منه بعيداً عن المعركة مع إسرائيل. وهذا الأمر غير دقيق، إذ لم يكن في اليمن آنذاك أكثر من عشرين ألف مقاتل مصري، بعد أن سحب الرئيس جمال عبد الناصر أضعاف هذا العدد في فترات سابقة، ولا يعقل أن يكون هذا العدد المحدود قد أثر في مجرى الحرب، خاصة مع تأكيد العديد من العسكريين والاستراتيجيين على أن الهزيمة المصرية قد تسللت عبر “ثغرة” ضعف الإدارة والقيادة العسكرية وإخفاق خططها المتعلقة باحتواء هجوم العدو وسوء تقديرها لقوته وإمكاناته.
وثمة من يذهب إلى أنه لو تم الزج بالقوات المتبقية في اليمن في معارك سيناء، لانقلب ميزان المواجهة لصالح مصر. وهو قول غير دقيق لأن القوات المصرية البرية لم تستطع القتال أصلاً، لافتقارها إلى غطاء جوي لها في صحراء سيناء، عقب ضرب الطائرات المصرية وهي جاثمة في مدارجها، بينما كان المشير عبد الحكيم عامر في طريقه الى سيناء ولا يعرف بهذا العدوان على المطارات مع الأسف وهذا ما أكده نائب الرئيس حسين الشافعي في شهادته على العصر.
وشهد هذا الشهر استقالة الرئيس جمال عبد الناصر والتي كانت بمثابة الزلزال في مصر والمنطقة، وتحت ضغط الجماهير المصرية والعربية التي كانت تهتف “ارفض ارفض يا زكريا.. عبد الناصر مية المية” وكانوا يقصدون زكريا محي الدين المرشح للرئاسة، وكنا يومها في مصر وخرجنا مع الجماهير وسمعنا هذه الهتافات، وتحت ضغط هذه الشعارات والهتافات ومناشدة زعماء العالم عدل عن قراره بالاستقالة.
كما شهد شهر يونيو / حزيران عدداً من الأحداث والتغييرات في الجنوب كانتفاضة 20 يونيو 1967م في كريتر ضد قوات الاحتلال البريطاني والسيطرة على كريتر قلب العاصمة عدن، وكان هذ أول رد ثوري شعبي على نكسة حزيران، واعتبر الثوار في عدن ذلك ابلغ رد لرفض الهزيمة، ولكن النصر الأكبر كان تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني وجلاء أكبر قاعدة بريطانية في الشرق الأوسط في 30 نوفمبر 1967م وقيام الدولة في الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي. وكانت مصر أول من اعترف بالدولة الجديدة والتي سجلت موقفاً قومياً في حرب 1973م باعتراض السفن الإسرائيلية في باب المندب بالتعاون مع البحرية المصرية كجزء من رد الجميل لدور مصر عبد الناصر في دعم ثورتي سبتمبر واكتوبر، والتأكيد على قومية المعركة.
كما شهدت عدن تغييرات عاصفة أدت الى استقالة الرئيس قحطان الشعبي في 22 يونيو/حزيران 1969م، وعلينا ان نعترف انه باستقالة المناضل قحطان الشعبي واغتيال القائد والمفكر فيصل عبد اللطيف الشعبي، وإقصاء بعض القيادات الأخرى خلال مراحل مختلفة، خسرت الثورة والدولة في الجنوب خيرة الكفاءات والتي قال عنها وزير المستعمرات البريطاني شاكلتون في مفاوضات جنيف 1967م بأنهم رجال من العيار الثقيل.. وذلك بسبب المزايدات والتطرف والتنظير المدمر للتجربة من قبل بعض قيادات حركة القوميين العرب في بيروت والذين صنفوا الرئيس قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف وغيرهما بأنهم يمثلون اليمين الرجعي في الثورة كما صنفوا في وقت لاحق الرئيس ربيع باليسار الانتهازي وصنفونا باليمين الانتهازي وغير ذلك من التصنيفات التي دمرت التجربة ولم يكن لها اساس من الصحة، رغم أن تجربة حركة القوميين العرب الوحيدة التي نجحت في الوصول الى السلطة في الوطن العربي هي في الجنوب، ولم يكونوا أوفياء لهذه التجربة.
وكأن يونيو على موعد بأحداثه مع اليمن، فالمناضل سالم ربيع علي الذي جاء في 22 يونيو رئيساً لمجلس رئاسة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، استشهد في 26 يونيو/حزيران عام 1978م بعد يومين من حادثة مقتل الرئيس أحمد حسين الغشمي في صنعاء. وباستشهاده خسرت الثورة والدولة أحد أبنائها وقياداتها المناضلة والشريفة.
وشهدت صنعاء كذلك أحداثاً عاصفة في شهر يونيو/حزيران بإجبار الرئيس المدني والوطني القاضي عبد الرحمن الارياني على الاستقالة بعد حركة 13 يونيو/حزيران 1974م والرحيل إلى سورية، واستشهد لاحقاً إبراهيم الحمدي في أكتوبر من عام 1977م والذي جاء بعده الرئيس أحمد الغشمي الذي استمر في الحكم ثمانية أشهر ومات بالحقيبة الدبلوماسية في 24 يونيو/حزيران 1978م.. وهذا يؤكد أن ما يحاول البعض إثباته بأن الصراع يخص التجربة في الجنوب والجنوبيين، ليس صحيحاً، وإن الثورة والتجربة في الشمال ايضاً لا تخلو من مثل هده الصراعات والأحداث المؤسفة، ولا حتى تخلو منه بقية التجارب والبلدان في العالم، في الماضي والحاضر.
ونلاحظ ان أكثر هذه الأحداث والتطورات جرت في يونيو/حزيران، وبعض أحداث التاريخ لا نجد لها تفسيراً، ولكنها تحدث مع ذلك ونحاول أن نتكيف معها، وبعد زمن تصبح جزء من التاريخ، ومن الماضي، ومن الذاكرة.
وهذه الأحداث وما قبلها وما بعدها هي امتداد للصراعات والحروب التي مر بها اليمن عبر تاريخه الطويل بسبب الموقع الاستراتيجي الهام في باب المندب والبحر الأحمر والقرن الافريقي وخليج عدن والمحيط الهندي والجزيرة العربية وآخر هذه الحروب هي حرب 2015م والتي نأمل أن تكون نهاية الحروب والمآسي التي مر بها الشعب في اليمن شمالاً وجنوباً.
فما آن لهذ الشعب أن ينعم بالأمن والسلام والاستقرار ليتمكن من استثمار خيراته وثرواته كغيره من شعوب المنطقة والعالم، فاستقرار اليمن هو استقرار للمنطقة والعالم.