كريتر نت – العرب اللندنية
أرجأ تعثّر الجهود الدولية والأممية الرامية لحل قضية مطار صنعاء الدولي في اليمن إلى أجل غير مسمّى عودة النشاط الطبيعي لهذا المرفق الاقتصادي والخدمي الحيوي الواقع ضحيّة للأزمة اليمنية الحادّة ذات الامتدادات الإقليمية.
وبدأ التحالف العربي بقيادة السعودية حظر الحركة الملاحية بالمطار في أغسطس 2016 مع إبقاء الرحلات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومنظمات أخرى.
وجاء قرار التحالف إثر اتهامه الحوثيين باستخدام المطار الحيوي لأغراض عسكرية، وهو اتّهام يستند بحسب المراقبين، إلى معطيات واقعية أبرزها وجود الكثير من الأسلحة والخبرات العسكرية الإيرانية بين أيدي المتمرّدين يستخدمونها في حربهم داخل البلاد وفي استهداف الأراضي السعودية.
ومع مرور الذكرى الأولى لإغلاق مطار صنعاء دعا التحالف العربي في أغسطس 2017 الأمم المتحدة إلى المساهمة في استئناف تسيير الرحلات التجارية ونقل الركاب عبره من خلال إدارة أمن المطار.
وقال التحالف آنذاك في بيان إنّه “في حال توفر عوامل حسن إدارة المطار وضمان أمن وسلامة الطائرات التجارية وإيقاف عمليات التهريب، فإن قيادة التحالف على أتم الاستعداد لفتح
حركة الملاحة الجوية أمام الطائرات التجارية”.
ولم يعلق الحوثيون آنذاك على هذا العرض من قبل التحالف لكن الجماعة ترفض بشكل قاطع إدارة المطار من أي طرف آخر وتقول إن ذلك حق سيادي لليمن.
وفي ديسمبر 2018 استضافت العاصمة السويدية ستوكهولم مفاوضات بين الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية الأمم المتحدة. وناقشت هذه المفاوضات عدة ملفات، من بينها ملف إعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية.
وجرت نقاشات متعددة حول هذا الملف غير أنها لم تحرز تقدما حقيقيا وسط تباين وجهات النظر بين الحكومة اليمنية والحوثيين، حيث وافقت الحكومة آنذاك على إعادة فتح المطار بشرط أن تخضع الطائرات التي تنطلق منه للتفتيش في مطار عدن بجنوب البلاد أو مطار سيئون بشرقها. لكن جماعة الحوثي رفضت الشرط وشددت على ضرورة عودة المطار إلى وضعه السابق دون إجراءات تفتيش.
وبعد فشل مشاورات ستوكهولم بخصوص ملف مطار صنعاء واصل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث التوسط بين الحكومة والحوثيين بهدف حل أزمة هذا المنفذ الجوي الحيوي.
وعقد غريفيث مباحثات متكررة مع مسؤولين حكوميين وآخرين حوثيين بهدف التوصل إلى حل وسط لإعادة فتح المطار من أجل تخفيف المعاناة عن ملايين اليمنيين الذين يرغبون في السفر إلى الخارج، ومنهم من تملي عليه الضرورات ذلك مثل الحاجة إلى العلاج خارج البلاد.
ويلجأ هؤلاء إلى السفر عبر مطاري عدن أو سيئون بعد رحلة برية طويلة تستغرق أحيانا 24 ساعة ويفارق بعض المرضى الحياة أثناءها.
وخلق هذا الملف صعوبات كبيرة للمبعوث الأممي، حيث تصطدم جهوده الرامية إلى وقف إطلاق النار بمطالبة الحوثيين بضرورة إعادة فتح مطار صنعاء ووقف ما تسميه الجماعة الحوثية حصارا دون شروط كتعبير عن حسن نية للتفاوض حول حل شامل للأزمة تمهيدا لإنهاء الحرب.
وبرزت الوساطة العمانية لحل الأزمة في اليمن بشكل أكبر خلال الأشهر الماضية، وتوسطت مسقط في أبرز ملفات الصراع في البلاد بما في ذلك ملف مطار صنعاء الدولي.
ومطلع يونيو الجاري وصل وفد عماني رفيع للمرة الأولى إلى صنعاء وعقد لقاءات مع مسؤولين حوثيين بينهم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي. وتطرقت المباحثات إلى عدة ملفات سياسية وعسكرية وإنسانية، وحظي ملف مطار صنعاء باهتمام بارز. لكن هذه المباحثات التي أجراها الوفد العماني لم تحرز تقدما في عدة ملفات، بما في ذلك ملف إعادة فتح المطار. وفي الحادي عشر من الشهر ذاته أفاد مصدر مقرب من الحوثيين لوكالة الأناضول بأنّ “جماعة الحوثي أبلغت الوفد العماني بأن إعادة فتح مطار صنعاء ينبغي أن يتم دون أي مساومات كونه حقا سياديا مشروعا”.
وقال متابعون للشأن اليمني إن الحوثيين أضاعوا بهذا الموقف المتشدّد فرصة كبيرة لفتح مطار صنعاء، كون الوساطة العمانية تميّزت بالجدية وحاولت التوفيق بين مصالح مختلف الأطراف.
وفي اليوم نفسه قالت وزارة الخارجية اليمنية في بيان إنّ “جماعة الحوثي ترفض فتح المطار إلا بشروطها وإن الحكومة قدمت تنازلات
كافية وضامنة للسفر الآمن لكافة المواطنين وليس لتحويل المطار إلى منفذ خاص لتقديم الخدمات الأمنية والعسكرية واستقدام الخبراء”. وشددت الوزارة على أنّ “فتح الطرقات وضمان حرية حركة المواطنين ورفع الحصار عن المدن يقع في قلب القضايا الإنسانية الأساسية التي تضعها في مقدمة أولوياتها”.
وعلى صعيد اقتصادي أدى إغلاق مطار صنعاء إلى تكبد الاقتصاد اليمني الواقع تحت سيطرة الحوثيين خسائر كبيرة، إضافة إلى تأثيرات إنسانية على الكثير من السكان الراغبين في السفر إلى الخارج.
وسبق لمدير مطار صنعاء خالد الشايف أن قدّر الخسائر المادية والاقتصادية جراء إغلاق المطار وتضرره من الحرب بأكثر من 3.5 مليار دولار، قائلا إن الإغلاق تسبب أيضا في وفاة أكثر من 80 ألف مريض كانوا بحاجة ماسة إلى تلقي العلاج في الخارج. وأوضح أنّ “أكثر من 450 ألف مريض لا يزالون بحاجة إلى السفر لتلقي العلاج خارج البلاد بسبب استمرار الحرب وتردي الظروف الصحية”.
ولفت إلى أنّ “أكثر من مليون مريض مهددون بالموت نتيجة انعدام أدوية الأمراض المستعصية، وأكثر من ثلاثة آلاف مريض مسجلين بوزارة الصحة يعانون من تشوهات قلبية بحاجة ملحة إلى السفر للخارج لتلقي العلاج”.
لكنّ الحكومة اليمنية تقول إن استخدام الحوثيين للبيانات والأرقام بشأن الأوضاع الصحية الناجمة عن إغلاق مطار صنعاء هو على سبيل متاجرة هؤلاء بالملف الإنساني