كتب – مختار النعماني
وهل يُجمعُ ماءُ البحرِ في كأسِ ماء ؟ أم هل يُختصر الألمُ في كلماتٍ معدودة ؟
ومقالاتٍ مسرودة وصورٍ منثورة وأفلامٍ منشورة ؟!
وبعد ، ما قصةُ المجاعة في حبيل حنش بمسيمير لحج
مئات الأطفال في حبيل حنش ، هل قلتُ “آلمائات ” !!؟؟ عفوكم سادتي ؛ بل الالاف من الأطفال في حبيل حنش ، مُقبلون على هاوية الموت يعاركون المرض والجوع وشحة المياه ويعاركهم، مرض الكوليرا بسبب تلوث المياه
ويطلبهم الموت فيدفعونه، لكنَّ المرض إذا فتك بالمريض عصرَه عصراً وسلبَ منه العافية وأخذ منه الهناء وطرحَ عليه العناء فكأنه على سريرٍ فراشُهُ من الشوك لا يستقرُ الجنبُ عليها ولا يهنأ.
أطفالٌ امتصَّ التعب والعناء ومشقه البحث عن الماء أجسادَهم وذوّبَ أركانَهم وعطّلَ حياتَهم وعصرهم الجوعُ
عصراً فلم يُبِق منهم لحماً ولا شحماً فالتصقَ الجلدُ بالجلد وذاب اللحمُ وظهرَ العظمُ
وجحظت العينُ وبرزتْ كأنها تحت مجهر..
تذوبُ أجسادُهم يوماً من شدة حرارة الشمس. القويه التي تصيبهم. وهم ذاهبون لمناطق ماويه تعز للبحث عن الماء انهم يذوبون كما تذوبُ الشمعة، وتغورُ أعينُهم من الجوع كما يغورُ
النبعُ الذي جفَّ معينُه ويمشي الموتُ في أعضائهم فيموتون ألفَ مرة قبل أن يصلوا إلى الموتةِ الأخيرة
تحسبُهم أمواتاً وهم أحياء ثم تحسبهم دمىً فإذا هم بشرٌ يتحركون،لقد سلبت شحه المياه من الفتاة مستقبلها ومن الشاب قوتَه وعنفوانَه ومن الشيخ حكمتَه والتعب والمرضُ أشكالَهم وأظهرَ عظامَهم وأسقطَ شعرَهم فتعذرَ عليهم الكلام وصعبت عليهم الحركة وثَقُلَ عليهم الحال …
وما بقي إلا أن يموتوا ليصبحوا لقمةً طرية تمضغهم الأرض عندما يُدفنون فيها.
ألا يوجد لهذا الطفل أمٌ يتلظى قلبُها جمراً عليه ؟
تموتُ مرتين قبل الممات، مرةً من جوعها ، ومرةً من تمزقِ قلبِها حزناً على اولادها حينما ياتي نصف الليل وهياء في قلق شديد علا ابنائهاء وهم في جبال ماويه يذهبون لجلب الماء والبعض لا يعود الا جثه هامده من السقوط في الجبال .
من المسؤولُ -يا أيها الناس- عن هؤلاء ؟
هذا طفلٌ مات جوعاً -أو كاد- وقد غصَّ بطنُ أرضه التي يعيش عليها بالثروات. كبيره من ضرائب الديزل وايرادات مصنع اسمنت الوطنية .
انظر إلى عينيه وكانها تحدثك بلغاتها لتقول كلاماً لم يقله بليغ ولم يخطّه قلم
لقد اصاب اهالي حبيل حنش بمسيمير لحج أسىً وحزن ، لوعةٌ وألم ..
أطفالٌ تتلوى وأمهاتٌ تتأوَّه ، الماء معدوم والطعامٌ مفقود والتعليمٌ نائم ، نائم !؟!
كيف قلت (نائم) ؟! أستغفر الله ، بل مات التعليمُ رحمه الله وصار نسياً منسياً لقد اصبح الاطفال هم الوحيد مساعدت امهاتهم في جلب الماء
أصبح ورقُ الشجر -الذي ننبذه ونعافُه- طعامَهم والماءُ الملوث شرابهم وبات عددُ
كبير من اهالي حبيل حنش مهددين بالموت بسبب الجوح يُقاس بمقياسِ المليون.
ملايين الناس؛ لهم مشاعر ولهم كرامة ورغبات يتطلعون إليها ويتشوقون لأجلها.
سحقَ الجوعُ أجسادَهم ودمّرَ أفئدتَهم وقهر قلوبَ أمهاتهم،
افترشوا التراب متخذين من الحشرات أصدقاءً لهم في جبال ماويه ومن الغبار عطراً لهم ومن مخلفاتِ الأشياء أغراضاً لهم .
مئات الأطفال في حبيل حنش لو أُوتيَ أحدُهم فصلَ الخطاب وقوة الكلام ثم وقفَ متكلماً لقال لنا
والألمُ يقطرُ من كلماته :
يا أيها القاده في المسيمير ؛ تستهلكون في كل عام مليارات الدولارات من ايرادات المصنع ونقاط الديزل ثم تعجزون عن إطعام أطفال دقَ الجوعُ أعناقَهم .
لو تحرّكَ كلُ واحدٍ منكم وألقى من كيسِه الف ريال واحدلغرقَ هؤلاء الأطفال بذلك المال ولَـ تشكلتْ جبالٌ من أموالكم تطاولُ أعنان السماء .. ولكنْ : هيهات …
لو هبّ كلُّ مسلم منكم مشمراً عن ساعديه وبذل شيئاً من اختصاصه أو حرفته أو مهنته لكفيتم هؤلاء ذلةَ العيش وثقلَ المرض وألمَ الحاجة الا الماء وشدةَ الجوع
مع كل ساعةٍ تدقّ وكلِ دقيقة تمرّ ؛ طفلٌ يمرض من اتعب اثناء جلب الماء ، وأمٌّ يشتعلُ قلبُها ناراً ، وأعصابُها
جمراً ، ونفسُها لهيباً ، وكأن تيارُ الكهرباء يمشي في عروقِها حرقةً وألماً على ولدها
الذي يموتُ جوعاً ومرضاً في بلدٍ لو شققتَ أرضَه ونبشتها لانفجرتْ ينابيعُ ماء
أين تذهبُ ضرائب المصنع وخيراتُه ؟ وضرائب نقاط الديزل في المديرية
من المسؤول عن هذه الازمة ؟
طفل وأمٌ وبنتٌ وشيخٌ وشابٌ لو نظرتَ إليهم لرأيتَ لهم أحوالاً تُبكي من القهر
أصخورٌ وحجارةٌ نحن ؟ مالنا لا تحركنا هذه الفواجع ؟ أم أنه أدركنا سباتٌ فصرنا
نمسي ونصبح نائمين لا نسمع ولا نرى ولا يهزنا مشهد ربما هزَّ رواسي الجبال..
وكلُ ما جرى ويجري في حبيل حنش لا يعادلُ قطرةً واحدة من كأسِ المرارة والألم الذي شرب منه بعض المناطق