كريتر نت – عدن
التلميح الأميركي إلى تحميل المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية التصعيد في جنوب اليمن اكتسب وقعا خاصّا لدى قيادات المجلس التي رأت فيه بوادر موقف أميركي سلبي من قضية استعادة دولة الجنوب التي يتبنّاها المجلس بقوّة ويدافع عنها وشرع في الترويج لها دوليا في منعطف حاسم تتسارع فيه الجهود لحسم ملف الصراع اليمني وطيّه.
و أثارت تلميحات أميركية إلى تحميل المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية التصعيد في مناطق جنوب اليمن حالة من الامتعاض لدى عدد من قيادات المجلس التي رأت في الموقف الأميركي بوادر انحياز ضدّ القضيّة الأمّ التي يتبنّاهى هؤلاء وهي استعادة دولة الجنوب.
وكانت السفارة الأميركية لدى اليمن قد حذّرت ممّا سمته “الخطاب التصعيدي في المحافظات الجنوبية”. وقالت كاثي ويستلي القائمة بأعمال السفير الأميركي في حساب السفارة على تويتر “الخطاب التصعيدي والإجراءات في محافظات اليمن الجنوبية يجب أن تتوقف”.
كما حثت ويستلي الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي على العودة إلى “الحوار الذي يركز على تنفيذ اتفاق الرياض ووضع مصلحة الشعب اليمني في المقام الأول”.
ولم يخل خطاب السفارة من تهديد حيث ورد في التغريدة “أولئك الذين يقوّضون أمن اليمن واستقراره ووحدته يخاطرون بالتعرض للرد الدولي ومضاعفة المعاناة في اليمن وإطالة أمدها”.
وجاء هذا الموقف في غمرة فعاليات نظمّها المجلس الانتقالي إحياء لذكرى السابع من يوليو 1994 تاريخ ما يعتبره المجلس استكمال “القوات الشمالية لغزو مناطق الجنوب” ودخولها عدن في ذلك التاريخ.
كما ورد أيضا في أعقاب توتّر في محافظة أبين ومواجهات محدودة بين قوات الانتقالي وقوات محسوبة على الحكومة اليمنية.
وردّ هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي على تغريدة ويستلي بالقول “مضحك أن يأتيك من يحدد لك مصلحة بلدك وشعبك، ويقول لك ابق خاضعا تحت الذل والهوان، ولا تطالب باستقلال بلدك، ويصف إرادة الشعب بالتصعيد”.
وأضاف في تغريدة على تويتر “فلتعد جمهوريات الاتحاد السوفييتي المستقلة لحضن موسكو ولتعد جمهوريات يوغسلافيا لحضن بلغراد، وهكذا كل الدول التي استقلت برعاية أميركا”، مختتما بالقول “القيم لا تتبدل”.
وكان لافتا في ردّ بن بريك على ويستلي تركيزه على قضية الاستقلال ما يعني أنّ المجلس فهم تغريدة الدبلوماسية الأميركية باعتبارها موقفا سلبيا من تلك القضية الجوهرية لدى المجلس، الأمر الذي يعني بالنتيجة اصطدام مساعي استعادة دولة جنوب اليمن بأول عقبة دولية في منعطف حاسم تتكثّف فيه جهود حلحلة الصراع في اليمن وتسعى فيه قيادات الانتقالي لجعل الأخير طرفا أساسيا في أي حلّ سلمي قد يتمّ التوصّل إليه، وذلك بهدف واضح وهو ترسيم استقلال الجنوب كبند رئيسي من بنود الحلّ المنشود.
وكانت قيادات الانتقالي قد شرعت في الفعل في الترويج دوليا لقضية الاستقلال حيث قاد عيدروس الزبيدي رئيس المجلس مطلع فبراير الماضي وفدا رفيعا في زيارة إلى روسيا وصفها عضو هيئة رئاسة الانتقالي سالم بن ثابت العولقي بأنّها جزء من “سلسلة تحركات خارجية تتركز على بحث قضية الجنوب وتطلعات شعبه”.
وقال الزبيدي عن تلك الزيارة التي أجرى خلالها مباحثات مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إنّها كانت إيجابية وتمّ خلالها بحث معظم الملفات وخاصة تفعيل قضية الجنوب على المستوى العالمي والمؤسسات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة، بما يضمن لشعب الجنوب حقه في تقرير مصيره.
ويخشى المجلس الانتقالي فرض تسوية عبر مؤسسات الشرعية الدولية لا تأخذ في الاعتبار قضية جنوب اليمن الأمر الذي يجعل لعلاقته بروسيا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي أهميّة خاصة خلال الفترة القادمة. ويريد المجلس أن يشارك كطرف أساسي في أي تسوية سياسية مستقبلية تقودها الأمم المتّحدة والمجتمع الدولي عموما.
ولا تستبعد المصادر وجود إرادة دولية لإنهاء الصراع اليمني الأمر الذي يرجّح إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لفرض تسوية سياسية له. وفي هذه الحالة يصبح اعتماد المجلس الانتقالي على روسيا لإحباط المشروع إذا كان يهمّش دوره أو يقفز على قضيّته الأساسية، الخيار الأنسب.
وقال مصدر سياسي يمني إنّ “تقارب الانتقالي مع موسكو الخصم اللدود في الوقت الحالي لواشنطن لن يكون من دون ثمن”، وأضاف مفضّلا عدم التصريح بهويته “ليس من المستبعد أن يكون موقف السفارة الأميركية الأخير أحد بواكير ذلك الثمن المنتظر”.
ورغم حالة الامتعاض من موقف السفارة الأميركية في اليمن، لم يخل خطاب الانتقالي الجنوبي من تطمينات للمجتمع الدولي عبّر عنها رئيس الجمعية الوطنية للمجلس أحمد سعيد بن بريك بالقول في سلسلة تغريدات على تويتر “نود أن نطمئن جميع الأشقاء والأصدقاء بأن جماهير شعبنا الجنوبي تتفهم قلق كافة الأشقاء والأصدقاء على مصالحهم في الجنوب”، مؤكّدا “نطمئنهم بأننا ندرك ذلك ولا داعي للقلق”.
كما وصف فعاليات ذكرى السابع من يوليو بأنّها تعبير سلمي من قبل “جماهير أبين وحضرموت وشبوة في ذكرى حرب اجتياح الجنوب”، اختزله البعض “من دعاة الديمقراطية وحرية التعبير بالخطاب التصعيدي بينما هو حق مشروع كفله ميثاق العهد الدولي لحقوق الإنسان وتعبير مشروع عن إرادة الجماهير الجنوبية لرفضها المطلق لفرض واقع الوحدة بالقوة التي فرضتها حرب نظام صنعاء على الجنوبيين عام 1994”.
ومن جهته قال العولقي إنّ “المجلس الانتقالي الجنوبي موجود على الأرض واتخذ الكثير من الخطوات لترتيب البيت الداخلي بدعم شعبي وجماهيري منقطع النظير، معتبرا في تغريدة على تويتر أنّ “ردود الأفعال الإقليمية أو الدولية مسألة طبيعية، والمجلس كيان سياسي يحاور ويفاوض ويتعاطى مع جميع الأطراف ويبقى الجنوب وقضيته ومستقبله أولوية أولى”.
أما أحمد عمر بن فريد رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المجلس الانتقالي الجنوبي بأوروبا، فحذّر من أن تفهم أطراف في الشرعية اليمنية أنّ “التصريح الأميركي بمثابة ضوء أخضر لممارسة المزيد من القمع والقتل ضد شعبنا في الجنوب العربي”، قائلا إنّ هؤلاء “سيوصلون هذه الرسالة إلى جنودهم وبهذا سيتحمل صاحب التصريح المسؤولية الأخلاقية تجاه ما قد يحدث لاحقا من قمع واعتقالات وقتل للمتظاهرين الأبرياء العزّل”.
وخاض المجلس الانتقالي الجنوبي خلال الفترة الماضية صراعا ضدّ الشرعية اليمنية التي يشارك فيها حزب التجمع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن والذي يحمل مشروعا خاصّا يقوم على فرض سيطرته على مناطق جنوب اليمن بعد أن خسر مناطق الشمال لمصلحة الحوثيين.
وتمكّنت السعودية من تطويق ذلك الصراع وجمعت المجلس وباقي الأطراف المشكّلة للشرعية ضمن حكومة شراكة نتجت عن اتّفاق الرياض. غير أنّ الاتفاق لا يزال مهدّدا بسبب تحرّكات الإخوان ومحاولتهم التملّص من استكمال الجوانب العسكرية والأمنية التي نصّ عليها سعيا للسيطرة على مناطق ذات أهميّة استراتيجية على رأسها محافظة شبوة النفطية المطلّة على خليج عدن.
المصدر : العرب