كتب – علي ناصر محمد
مات لبوزة ولم يمت تاريخ هذه الأسرة والثورة وردفان في ذاكرة التاريخ، فقد ارتبط اسم راجح بن غالب لبوزة، كأول شهيد في الثورة، بتاريخ الثورة المسلحة في الجنوب وبتاريخ ردفان التي انطلقت منها شرارة الثورة في ١٤ اكتوبر عام ١٩٦٣م .
ومن ردفان انطلقت الثورة المسلحة إلى عدن وإلى كافة المحميات في فترة الاحتلال البريطاني، بل إن تأثيرها امتد الى خارج اليمن شمالاً وجنوباً.. وقد وقفت مصر عبد الناصر إلى جانب الثورة وأعلن الزعيم عبد الناصر من مدينة تعز في أبريل من عام ١٩٦٥م وقوفه الى جانب الثورة، وقال كلمته التاريخية إن على الاستعمار البريطاني أن يحمل عصاه ويرحل عن عدن.. بل وقفت حركات التحرر العربية والعالمية إلى جانب الثورة والثوار الذين أطلق عليهم الاستعمار البريطاني لقب الذئاب الحمر..
أتذكر أنني التقيت لأول مرة بالليل بن راجح لبوزة في تعز وتكررت لقاءتي به في صنعاء والقاهرة حين شاركنا بوفدٍ في مؤتمر الحركة الوطنية بجامعة الدول العربية بقيادة المناضل قحطان الشعبي عام ١٩٦٥م، وقد شارك في هذا المؤتمر معظم قادة جبهات القتال بملابسهم العسكرية، بل إن البعض منهم دخل قاعة جامعة الدول العربية بالزي الشعبي، وكان ذلك مثار اهتمام الصحف والصحافيين بهؤلاء المقاتلين الذين كانوا يجلسون في الصفوف الخلفية لبعض القادة والممثلين لجامعة الدول العربية بملابسهم الرسمية.. وفي هذا الاجتماع اتُخذ القرار لدعم الثورة المسلحة..
وأتذكر أن مجلة القوات المسلحة المصرية نشرت لنا لأول مرة مقابلات على الصفحات الأولى كجزء من دعم الثورة وإبراز القضية و قادة الثورة الذين يأتون لأول مرة إلى مصر من أجل إظهار قضيتهم أمام العالم.
ولم تنقطع علاقاتي مع بالليل بن راجح لبوزة أثناء فترة الكفاح المسلح وحتى قيام الدولة في الجنوب.. ويجب أن نعترف أن بالليل قد ظُلم في فترة زمنية بسبب الصراع بين قيادات الجبهة القومية وجبهة التحرير في ما تسمى اليوم محافظة لحج والضالع.. وقد شكا لي من ذلك عندما زارني في دمشق واستضفته لأكثر من أسبوع وكنت ألتقي معه باستمرار للحديث عن ذكرياته عن الأيام الأولى للثورة واستشهاد والده. وتحدث معي حول المناضلين الجنوبيين الذين ذهبوا للدفاع عن ثورة ٢٦ سبتمبر بعد قيامها وفي مقدمتهم والده الذي عاد الى ردفان بسلاحه ورجاله لتفجير الثورة المسلحة.
وكان بالليل مصدر أساسي للمعلومات عن انطلاق الثورة المسلحة واعتمدت على أهم ملاحظاته في تلك المرحلة ونشرتها في كتابي “ذاكرة وطن.. عدن من الاحتلال الى الاستقلال”..
كما التقيت في وقت لاحق بالمناضل الفقيد اللواء محمد راجح لبوزة في عدن وصنعاء وتعز والقاهرة، وكنا نلتقي معه في منزله المتواضع بأحد أحياء القاهرة، واستمرت الاتصالات معه عبر الرسائل والمكالمات حتى وفاته.
وقد اشتهر بجرأته وتواضعه وأخلاقه السامية.. وكان قريباً إلى الناس ويحظى باحترام المسؤولين والمواطنين والقوات المسلحة. وهو امتداد للتاريخ المجيد والعظيم للشهيد الأول راجح وبالليل ولكافة أسرة لبوزة، بل هو امتداد لتاريخ مجيد لهذه المنطقة وأبنائها الذين عُرف عنهم الصدق والوفاء والإباء بلا أدنى أنانية..
وبوفاته فقدت صديقاً مناضلاً وفياً لوطنه وشعبه..
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته..
وإنا لله وإنا إليه راجعون