كتب : عبدالستار سيف الشميري
بعيدا عن الاختلاف في توصيف ما حدث في تونس، لكنه قطعا حالة تأديب سريعة لحركة النهضة، فرع التنظيم الدولي للإخوان، الأكثر انفتاحا عبر تاريخ الجماعة وفروعها المنتشرة في بلدان العالم، والتي بالمقابل تعد النسخة المصرية واليمنية هي الأكثر رداءة وبلادة وإجراما.
ماذا بعد..؟
هذا هو السؤال المطروح حاليا في تونس وأيضا من كل المتابعين لما حصل، ماذا بعد هذه الصدمة التي تلقتها النهضة، خاصة أنها حالة مؤقتة استثنائية يتم فيها تجميد البرلمان لفترة قصيرة لا تتعدى شهرا.
وعلى اعتبار أن ما حصل ثورة تصحيح، بغطاء دستوري وضربة خاطفة موجعة لأركان الفساد والاستبداد هل سوف يتم تحقيق ذلك واقعا؟
صحيح أن هناك زخما شعبيا لما يجري وإسنادا من قوى نقابية واجتماعية ذات حضور واسع في الشارع التونسي للرئيس قيس، مع بعض معارضة أيضا ولو على شكل تخوفات واشتراطات، لكن هذا الدعم المشروط، وغير المشروط هل سوف يستمر ويمنح الرئيس قيس شيكا مفتوحا ليمضي، أم أنه سوف يستعجل رؤية ثمار مؤكدة وسوف يطالب بخارطة طريق واضحة ومكاسب سريعة..
ولفهم ذلك لا بد أن نتلمس أولا أبرز نقاط الضعف لما يجري، بعد أن أشرنا لنقطة القوة.
وفي تقديري أنهما نقطتان رئيسيتان وهما:
نقطة الضعف الأولى أن ما يتم الآن في تونس يتحمله الرئيس وحيدا كونه مصدر الأمر ومتحمل تبعاته ويبدو الآخرون سندا وليس شركاء خطة، وهو وحده سوف يتحمل نجاح أو فشل ما ذهب إليه، كما أنه سوف يتحول إلى زعيم تاريخي إذا هو أحدث شيئا كبيرا في مسار تصحيح الأمر في دواليب الدولة والحد من الفساد واسترجاع أموال الشعب وربما يكون بورقيبة آخر، في التاريخ السياسي التونسي، والعكس تماما إذا أخفق وهذه النقطة تشكل ضعفا كون الأمر صدرت شرارته الفاعلة من شخص الرئيس، فالفعل منوط بفرد مسنود بالشارع أو جزء منه وليس لأحزاب ونقابات كما حصل في السودان مثلا مؤخرا ومصر سابقا، مع اختلاف أيضا في توصيف الأمر، فهناك ثورة شاملة بإرادة شعبية أما تونس فالأمر تصحيح جزئي، بشجاعة رجل، استطاع تكييف الدستور بخبرة فقيه دستوري له قلب من حديد.
أما نقطة الضعف الثانية فهي ترك أهم قيادات الإخوان حرة طليقة تدلي بتصريحات وتتحرك في الشارع كما يحلو لها لتتصل بمناصريها في الداخل والخارج وهذا خطأ قد يفشل أي تغيير ناجز وقد لا يعمل على تقليم أظافرهم في الحد الأدنى، وقد يعود الغنوشي ببرجماتيته المعروفة خطوتين إلى الخلف ليعود إلى ما كان لاحقا بعد مرور الأمر وهدوء العاصفة، وهذا الأمر قد يكون مبررا وقد لا يكون مبررا مع وجود ملفات سابقة وشواهد كثيرة تدين الحركة بالتمويل الأجنبي وعمليات فساد بعضها في دهاليز النيابات أو الأمن.
هذه النقطة هي النقطة الأهم وتشكل نقطة ضعف إذ ما فائدة الأمر إذا لم يكبح قيادة النهضة وحرسها القديم ليتيح لجيل آخر ربما يكون أكثر رشدا وأقل فسادا وأقل مراوغة، أن ثورة التصحيح حتى تكون كذلك لا بد أن تحدث إسقاط لأهم معاول الهدم وهي قيادة الصف الأول في حركة النهضة، ومحاسبة بعض من أفسدوا في المال العام أيضا.
والسؤال الآخر الأهم ما الذي سوف يكون بعد شهر؟
حيث سيعود المجلس النيابي لمباشرة مهامه مرة أخرى، هكذا يبدو ظاهر الإعلان ما لم يستجد شيء أكبر يصل إلى ثورة أكبر لا تتمنطق بغطاء دستوري إنما تستمد المشروعية الشعبية والإرادة الجمعية للتونسيين التي ضاقت بالإخوان ذرعا.
وعلى افتراض أفضل التقديرات يمكننا توصيف ما حصل على النحو الآتي:
إنها جولة أولى ستحتاج ولو بعد حين جولة ثانية أوسع وأعمق مصدرها الشارع يسانده لاحقا الجيش هذا أولا.
كما أنها مرحلة تمهيد تحاول إخلاء القيادات الإخوانية من أهم مفاصل الدولة التي تغلغلوا فيها، وذلك كله سيبقي تونس على موعد آخر محتوم ومؤكد للخلاص في جولة ثانية.
ذلك أنه ليس بمقدور قيس بن سعيد ومن يسنده الذهاب إلى آخر المشوار لتحقيق كل ما ينبغي أن يتحقق دفعة واحدة، لأن ظروفا موضوعية تمنع ذلك لا سيما والأمر تم وفق مواد الدستور والرئيس فقيه دستوري متميز، أراد فقط فتح ثقب في جدار التصحيح والتأديب وفق ما هو مخول له من صلاحيات،
ومن هنا يمكن القول إن تونس على موعد آخر كي تتخلص من أثقال الفساد والإخوان معا في جولة أخرى، كانت هذه الجولة مهادا لها فقط، لا سيما وأن النهضة قد امتصت الصفعة ولدى قياداتها خبرة في ذلك ومكر في التعاطي السياسي وليسوا مندفعين كإخوانهم في مصر واليمن، فهم أقرب إلى النموذج الأردني للإخوان الذي هو أشبه بأسفنجة تمتص كل شيء دون تردد في محاولة متكررة للوصول إلى لحظة التمكين، وقد فعلوا في العام 2011 شيئا من ذلك وتركوا السلطة واهتموا بتثبيت أقدامهم في النقابات وبعض المؤسسات وكسب تأييد شعبي، واختراق بعض المؤسسات المالية، وغيرها.
وخلاصة المقال وفصله:
إن تونس ذاهبة في تصحيح مسارها ولكن عبر مراحل حتى لا تذهب إلى صدام، وسوف تحتاج إلى جولة أخرى مع حركة النهضة كي تستكمل ما أراده الشعب وذهب إليه قيس، وهناك فارق كبير فيما حصل في مصر والسودان من ثورة كاملة على مشروع الإخوان والقطيعة معهم وبين ما حدث في تونس في محاولة تأديب وتقليم أظافرهم وتسوية الساحة كي تتم خطوة أخرى للخلاص منهم، وهذا يتطلب أن يكون الشارع هو بطل المرحلة القادمة وفاعلها بغطاء الثورة والمشروعية وليس الرئيس بغطاء الدستور والشرعية.
وغداً لناظره قريب.