ثاني أكبر الأزمات التي لا تزال تتفجر منذ خريف 2019 هي الثورات الشعبية في إيران والعراق ولبنان
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
صانعو القرار في المنطقة هم الفريق الأكثر معرفة بما يجري على الأرض، ما ينقصهم هو معرفة قدرة الولايات المتحدة على التعاطي مع التطورات وفرض المسارات.
من يراقب منطقة الشرق الأوسط الكبير والآلية السياسية في منطقة واشنطن الكبرى، ونحن من بين هؤلاء بكل تواضع، يرى بكل وضوح أن الفوضى العارمة التي تنتشر في المنطقة ستأتي رياحها حتماً إلى العاصمة الأميركية والعواصم الغربية، في سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط ومناطق ملاصقة له، وهذه المقالة مدخل لفهم ما قد يجري، وربما هو جار أصلاً.
بعد ستة أشهر من انطلاقة إدارة جو بايدن، كيف تبدو الأمور استراتيجياً في الشرق الأوسط بالنسبة إلى واشنطن؟ وكيف تحاول السياسة الخارجية الأميركية أن تصورها وأن تتعاطى معها؟ الجواب الأول يدور حول ما يقال وما هو واقع على الأرض، فبسبب التحديات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، من استمرار أزمة كورونا، إلى استشراس المعارضة عبر حكام الولايات، إلى وضع اقتصادي لم يخرج بعد من أزمته الناجمة عن الإقفالات، وعن موازنة لا تزال تتخبط، تسعى إدارة بايدن إلى تجنب أية أزمة في الشؤون الخارجية قد تزيد في المشكلات الداخلية، لذلك يسعى البيت الأبيض إلى سياسة خارجية هادئة لا تفتح إلا الملفات الضرورية، أو تلك التي تم الالتزام بها، كالعودة إلى الاتفاق النووي أو تنفيذ اتفاق الدوحة مع حركة” طالبان”، إلا أن هكذا سياسة متأنية إلى آخر الحدود لها مخاطرها ومزالقها، فالشرق الأوسط مجموعة براكين متفجرة، وعدم تهدئتها سينعكس كهزات سياسية في الداخل الأميركي.
فوضى الشرق تتفجر
صانعو القرار في المنطقة من قيادات وكبار مسؤولين وسياسيين واستخبارات، هم الفريق الأكثر معرفة بما يجري على الأرض، ما ينقصهم هو معرفة قدرة واشنطن على أن تتعاطى مع التطورات هذه وتفرض المسارات، أم عدم قدرتها، إذ إن القوة الشاملة للولايات المتحدة هي كبيرة بشكل أنها قادرة على تغيير المسارات إذا قررت. والسؤال هو ماذا لو لم تقرر واشنطن تغيير المسارات لسبب أو آخر؟ كيف ستتطور الأزمات في المنطقة؟
أول وأكبر تلك الأزمات الملف الإيراني الذي يبدأ في مفاوضات فيينا، ويمتد إلى التسلح الإيراني العسكري الاستراتيجي المستمر، وتمدد الميليشيات في أربع دول عربية، والقمع المستمر للشعب الإيراني والمجتمعات المدنية في المستعمرات الأربع، والهجمات التي تشنها الميليشيات الحوثية في اليمن على السعودية، و”الحشدية “في العراق على القوات الأميركية، والعنف الذي يمارسه “حزب الله” على السياديين في لبنان، ونظام الأسد على معارضته المدنية.
كل تلك الحروب الإيرانية لا ضوابط لها، بما فيه التوقيع المفترض على الـ “JCPOA”، فإن لم تتمكن إدارة أوباما من وضع حد للانفلاش الإيراني، لا نعتقد أن إدارة بايدن مع أوضاع أميركا الداخلية ستضع حداً للإعصار الخميني، لذا ما لم تحدث عجائب جيوسياسية فإن فوضى لا مثيل لها سوف تعصف بالمنطقة، مصدرها النخبة الحاكمة في طهران، حرب متصاعدة في اليمن، صدام أمني في العراق بين الميليشيات وكل الأطراف الأخرى من أكراد وسنة وشيعة معتدلين وقوات أميركية، واستمرار المواجهة في سوريا بين اللاعبين انفسهم، وتصعيد للعنف بين “حزب الله” من ناحية والسياديين والمحتجين من ناحية أخرى في لبنان، هذه ليست سيناريوهات محتملة، بل أحداث بدأت وستستمر لسنوات، وسيكون لها تأثير في واشنطن.
ثاني أكبر الأزمات، وهي لا تزال تتفجر منذ خريف 2019، هي الثورات الشعبية في إيران والعراق ولبنان، وكما نرى عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فإن هذه الانتفاضات ليست على تراجع، بل على العودة إلى الساحات والتصعيد المستمر، وما هو متوقع أن تضرب “الأنظمة والمنظومات الإيرانية” تلك الحركات الاحتجاجية الثورية بقوة، كما في الماضي، إلا أنه بعكس الماضي المجتمعات المدنية ستقاوم وتنتفض وتواجه، أحصلت على دعم إدارة بايدن أو لم تحصل، لذا ففوضى الثورات الشرق الأوسطية ستتوسع بدل أن تتقلص.
أخيراً وليس آخراً، وكما رأينا في تونس، فإن تحالف الحركات المدنية والاتحادات العمالية والتيارات الشبابية والنسوية، إضافة إلى المؤسسات الوطنية التاريخية كالجيش والقضاء، باتت في حال مواجهة مكشوفة مع القوى “الإسلاموية”، لا سيما جماعات “الإخوان”، وتتعدد ساحات المواجهة من مصر إلى ليبيا فتونس إلى اليمن فشمال سوريا، وهنا أيضاً ستضطر واشنطن أن تختار بين الحلف الذي بنته إدارة أوباما مع الحركات الإخوانية، والقوى المقاومة لها في المنطقة، كما قرارات دراماتيكية كبرى كسحب المقاتلين “الإسلامويين” من غرب ليبيا، ومن بعض مناطق شمال سوريا، إذ من دون ذلك فإن المواجهات بين معسكر التطرف ومعسكر الاعتدال ستنفجر على نطاق أوسع بكثير من الهلال الخصيب إلى شمال أفريقيا، أضف إلى ذلك الانسحاب الأطلسي الكارثي من أفغانستان الذي سيخلف من ورائه كياناً تكفيرياً تسيطر عليه “طالبان”، وتنتعش فيه المجموعات “القاعدية” و”الداعشية”.
هذ الملفات الصدامية الكبرى في المنطقة مرشحة لإحداث عواصف أكبر مع مرور الأشهر، ما لم تكن هناك سياسات حاسمة للإدارة، وقد تصل إلى حد التداخل مع المواجهة الاقتصادية والديبلوماسية والجيوسياسية بين القوى العظمى، ومما نراه في واشنطن الآن على الصعيد الداخلي يجعل هذا التحدي في ذروة التأثير على السياسات بين الإدارة ومعارضتها.
الرياح تصل واشنطن
إن أي قارئ متخصص بالسياسات المقارنة “Comparative Politics” يدرك مع استعراض ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، أتحركت الإدارة أم لا، أن الرياح ستصل بلاد العم “سام” عاجلاً ام آجلاً، فعودة “طالبان” إلى أفغانستان ومعها “القاعدة” و”داعش” ستكون صدمة نفسية لدى معظم الأميركيين الذين وعدوا من قبل حكوماتهم طوال 20 عاماً أن الحرب كُسبت في أفغانستان، وإذا حدثت أية عملية إرهابية على الأراضي الأميركية فإن ذلك سيحسب على الانسحاب ومن نفذه.
إذا اندلعت مواجهات أوسع بين ميليشيات إيران والقوات الأميركية في العراق، أو وقعت أحداث بين القوى العسكرية للبلدين في الخليج، فسيتم تحميل المسؤولية لموقعي الاتفاق النووي.
أما المواجهات المنتظرة بين منظومة المحور والشعوب الخمسة المحتلة، ولا سيما إيران والعراق ولبنان، فستؤثر في الرأي العام الغربي عامة والأميركي بخاصة، ولكن الأهم أن المعارضة الجمهورية في أميركا سوف تستعمل هذه الصور المأساوية لتضرب رصيد إدارة بايدن الدولي، مما سوف يدفع هذه الأخيرة لمحاولة القيام بشيء ما على الرغم من التعهدات التي أعطيت لطهران في الاتفاق النووي، ولـ “طالبان” عبر اتفاق الدوحة.
لهيب المنطقة سيخلق دخاناً كثيفاً في واشنطن وهي تستعد للدخول إلى سنة الانتخابات النصفية المفصلية العام المقبل، وكما توصف هكذا أوضاع معقدة ومتشابكة بين الخارج والداخل في اللغة السياسية الواشنطونية ”
نقلا : عن أندبندنت عربية