كتب : احمد حرمل
مَضَيتَ وَنَحنُ أَحوَجُ ما نَكونُ
إِلَيكَ وَمِثلُ خَطبِكَ لا يَهونُ
“حافظ أبراهيم”
في العاشر من مايو 2021م انطفأ مشعل الثورة الجنوبية التحررية الثانية ، لكن فكره الوضاء الذي أنار لنا الطريق وحدد لنا معالم السير صوب الهدف لم ولن ينطفئ ، بل سيظل حيا ما بقيت لشعب الجنوب قضية يتابع تقديم التضحيات لانتصارها.
توقف قلبه الطيب عن الخفقان بعد رحلة زاخرة بالعطاء .. رحل عنا رفيق درب النضال الفقيد المناضل أمين صالح محمد في وقت نحن احوج فيه الى الأمين الصالح الذي كان يميل الى التأني وعدم التسرع في الحكم على المتغيرات من حوله، وقبل ان يتخذ اي موقف كان يزن الامور من كافة الجوانب بحكم المعرفة والخبرة المتراكمة والنضج التي اكتسبها من خلال التجربة .
كم هو صعب ان يرثي الانسان نفسه وها انا اجد صعوبة في رثاء رفيق الدرب الفقيد المناضل أمين صالح محمد لانني احس بانني ارثي نفسي وتكمن هذه الصعوبة بحضوره الدائم وبكل تفاصيل حياته السياسية في كل خطوة اخطوها وفي كل حرف يختطه يراعي وفي كل عبارة اختزل فيها رأي .. اجده حاضر في كل اجابة اهتديت اليها ردا على سؤال ظل يراودني.
أمين صالح لم يكن سحابة صيف عابرة تمر علينا مرور الكرام ، ولا برد شتاء قارس نقي انفسنا منه ونتجنبه ، بل كان غيثا عندما يتساقط يجدد الأمل بالنفوس مثلما يجدد المطر نمو الأشجار والنباتات وذلك لإنه رمزا للعطاء .
هكذا كان الفقيد المناضل أمين صالح متفائلا ومتجددا يثري الحياة السياسية برؤاه ، يخلق حراك في اماكن الجمود وتفاعلا في اماكن الحراك ، يترك ابواب الأمل مشرعة ، يرى الامور بعقله ويتعامل معها بحنكته ولذا تجده ينتج الحلول ويتجاوز الصعوبات والمعوقات مدركا بان الأمل هي تلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها، إلّا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة.
مجسدا بذلك مقولة الكاتب الأسكتلندي “توماس كاريل” : “العقل القوي دائم الأمل، ولديه دائماً ما يبعث على الأمل”.
اعتاد الرفيق أمين على زيارتي الى منزلي في مدينة الضالع في كل مرة يقدم فيها من عدن ، وقبل ان يصيبه المرض باسبوع زارني الى منزلي بمعية العميد مقبل مثنى محسن والعقيد محمود قائد مثنى عمر يومها ضحكنا كثيرا في بداية المقيل ثم انتقلنا للحديث في السياسة كان حديثنا عبارة عن مزيج من مشاعر الأسف والأسى لما آلت اليه الاوضاع في الجنوب وعلى وجه خاص مدينة عدن ومشاعر الأمل التي حاول الفقيد ان يبعثها بداخلنا ، كان يتحدث الينا بثقة وبدأ وكانه على يقين بان الفرج قادم رغم الفرص التي اضعناها ، لقد كان الفقيد المناضل أمين صالح بحكمته وحلمه يعرف بان نهر الثورة الجنوبية قد جرت فيه الكثير من المياه ، وكان يدرك بان العامل الذاتي الذي اعاق الجنوبيين من الوصول الى الهدف لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية .
لم اكن اعرف بان زيارته تلك ستكون الأخيرة “زيارة الوداع” ولكنها مشيئة الله وقدره ولا على مشيئته اعتراض .
تزامن مرض رفيق دربي النضالي الفقيد المناضل أمين صالح مع مرضي ، وكم حز في نفسي ان اقف عاجزا عن تقديم اي مساعدة ولا اقوى على الحركة للقيام بواجب الزيارة او المشاركة في الدفن والعزاء .
كنت على تواصل يومي مستمر مع اولاد الفقيد وعلى وجه الخصوص المهندس فاروق الذي كان مرافقا لابيه عند نقله من الضالع الى عدن ، وكانت معنوياتي تتأرج صعودا وهبوطا متاثرة بالاخبار التي كنت اسمعها من فاروق عن حالة والده غير المستقرة .
لم اعش في حياتي ايام عصيبة كما عشتها في رمضان المنصرم اثناء مرضي المتزامن مع مرض امين .
وصلني خبر وفاة أمين المزلزل وانا لازلت واقعا تحت تاثير الصدمة التي اصابتني بوفاة الاخ والزميل والصديق الكابتن خالد صالح .
خلال ستة ايام ودعنا اعز وانبل واقرب الناس الى قلبي وعقلي خالدا وامينا لقد كانت بالنسبة لي كارثة غير متوقعة ، وكان يراودني شعور بانني ساكون ثالثهم رغم تحسن صحتي يوما عن اخر .
ووسط مشاعر الحزن والاسى التي سيطرت علي كان وضعي النفسي والمعنوي في اسوى حالاته ، حيث كنت اشبه بشجرة تعرضت لريح عاتية هزتها من الجذور ، ورافق هذا الوضع الحزين المنكسر عجز حقيقي في التعبير عما يجيش في الصدر وغصة في الخلق وألم يعتصر القلب .
في لحظة ضعف شعرت كم هو الانسان ضعيفا وكم هي الدنيا تافهة ، حينها تذكرت رواية الاديب العالمي
“ليو تولستوي” (علامَ يعيش الإنسان؟) ، التي اعطانا فيها تولستوي عبرة رائعة تتلخصُ في المعارفِ الثلاث تلك، إذ كأنه يقول لنا: أحبوا بعضكم، وحددوا الغاياتِ العليا والمثلى واهدفوا إليها، وعيشوا من أجلِ الآخرين، وارحموا كي ترحموا.