عدن – صالح البيضاني
وصفت أوساط سياسية يمنية قرار الحوثيين باستحداث تأشيرة لمن يريد دخول مناطق سيطرتهم بأنه خطوة في اتجاه ترسيم دولة “شمال اليمن” التي يعمل المتمردون على فرضها في “اليمن الشمالي” بعد أن جعلت التوازنات العسكرية من انقسام اليمن إلى سلطتين واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب أمرا واقعا.
وكشفت وثيقة حديثة صادرة عن الحوثيين توجههم نحو فرض المزيد من الإجراءات التي تعزز من سلطات الأمر الواقع التي فرضوها في أعقاب الانقلاب على الدولة في سبتمبر 2014.
وتضمنت الوثيقة، التي تداولها ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، استحداث الحوثيين لمكاتب تابعة لمصلحة الهجرة والجوازات الخاضعة لهم في منطقتي عفار بالبيضاء والراهدة بتعز، ومنع عبور أيّ مسافر يمني أو أجنبي من المناطق الخاضعة لسيطرتهم أو إليها إلا بتأشيرات صادرة عن هذه المكاتب.
فارس البيل: الميليشيا الحوثية تستهدف إذلال الناس باعتماد التأشيرات
واعتبر ناشطون وإعلاميون يمنيون الإجراء الحوثي المفاجئ بمثابة إعلان انفصال سياسي من جانب واحد، وأنه يصب في اتجاه تعزيز الميليشيات الحوثية لقبضتها على المناطق الخاضعة لها وتكريس سلطة المؤسسات غير المعترف بها دوليا التي تديرها الميليشيات، إلى جانب السعي لإفراغ مؤسسات الحكومة الشرعية من فاعليتها السياسية والإدارية والاقتصادية.
وفي تصريح لـ”العرب” وصف الباحث السياسي اليمني فارس البيل الإجراء بأنه محاولة حوثية جديدة لفرض الأمر الواقع، مشيرا إلى أن “الميليشيا لا تريد من السلطة وإدارة الناس سوى نهبهم وتسخيرهم لخدمتها وفرض نفوذها ووجودها؛ لذلك تسعى ما أمكن لاستغلال فراغات الدولة لتعزيز بقائها”.
ولفت البيل إلى أن الإجراء الحوثي يهدف في جانب آخر إلى فرض أمر واقع على الناس وعلى المجتمع الدولي والوسطاء، واللعب بورقة الأرض.
وأضاف “يبدو أن الميليشيا الحوثية تهدف من خلال منع الناس من السفر أو العودة إلا بتأشيرات أو موافقات إلى إذلالهم والتحكم بكل تحركاتهم، كما تسعى لإغلاق كل سبل العودة إلى الدولة وتقويض أيّ مسارات يمكن أن تقود إلى تسوية”.
وكان الحوثيون قد اتخذوا منذ انقلابهم على السلطة العديد من القرارات بهدف تغيير بنية الدولة اليمنية التقليدية، والقطيعة مع مشروع استعادة الدولة، عبر سلسلة من الإجراءات شملت تغيير عقيدة المؤسسة العسكرية والأمنية والعبث بهوية المؤسسات الثقافية والتعليمية وإحلال موالين لها في مفاصل الدولة.
كما تضمنت الإجراءات الحوثية في هذا السياق منع تداول العملة النقدية الصادرة عن البنك المركزي اليمني التابع للحكومة المعترف بها دوليا في عدن، واستحداث مراكز للضرائب والجمارك على حدود المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، في إشارة إلى عدم اعترافهم بأيّ من المؤسسات والقطاعات التي تديرها الحكومة الشرعية وإفراغها من فاعليتها ومضمونها.
همدان العليي: إجراء يهدف إلى زيادة العقبات بين المناطق اليمنية
وأشار البيل إلى إجراءات حوثية مشابهة مثل منع تداول العملة القادمة من المناطق الحكومية، والذي يندرج في سياق التكتيك الاقتصادي والنفع الذي أرادته الميليشيا، إلى جانب الرغبة في تقويض أعمدة الشرعية حتى لا تبقي منها شيئا من خلال بناء مؤسسات جديدة تتماشى مع نهج الجماعة وأيديولوجيتها.
ووجهت الهيئة العامة للنقل التابعة للحوثيين تعميما إلى مدراء شركات النقل الجماعي الدولي والمحلي، ومكاتب تأجير السيارات، ينص على “عدم تحرك أيّ سائق أجنبي أو عربي من مقر انطلاق الحافلات ما لم يكن حاصلا على تأشيرة خروج أو عودة على جواز سفر من مصلحة الهجرة والجوازات في صنعاء”.
وأكد الصحافي اليمني همدان العليي في تصريح لـ”العرب” أن هذه الإجراءات لا تتعارض مع الحرص الذي يبديه مشروع إيران في اليمن للسيطرة على البلاد برمتها، مشيرا إلى أن هذا الإجراء “تكتيكي مرحلي يهدف إلى زيادة العقبات التي بين اليمنيين وبين المناطق اليمنية”.
وقال العليي “لا أريد أن أقول بأن الحوثي يسعى فعلياً للتقسيم فهو يعتقد بأنه إذا تعرض لهجوم عسكري ومحاولات فعلية لتحرير المناطق الخاضعة لسيطرته، سيحصر نفسه في المناطق الخاضعة لسيطرته حالياً لفترة مؤقتة ومن ثم وبمجرد أن يستعيد عافيته سيتجه إلى المناطق الجنوبية والشرقية وحتى إلى خارج اليمن”.
وأضاف “لذلك بالنسبة إلى هذه الحواجز وهذه الفوارق وهذه المعوقات التي ينشئها أو يفتعلها الحوثيون بين الفينة والأخرى في المناطق الحدودية ما هي إلا إجراءات مؤقتة للحفاظ على سيطرتهم وهيمنتهم على هذه المناطق كخطوة أولى قبل الانقضاض على بقية المناطق”.
العرب اللندنية