كريتر نت – العرب
بات التقدم العسكري لحركة طالبان أمرا واقعا بالنسبة إلى الدول الغربية التي بادر أغلبها لإجلاء دبلوماسييه قبل وصول الحركة إلى كابول وإتمام سيطرتها على أفغانستان، في مقابل ذلك يلوّح البعض من الدول مثل بريطانيا بالتراجع عن خيار الانسحاب إذا عاد تنظيم القاعدة إلى أنشطته.
ويعتقد مراقبون أن بناء هذه المعادلة، القائمة على فرضية غير واقعية، يهدف إلى إظهار خيار القبول بالأمر الواقع وكأنه خطوة مدروسة خاصة أن تلك المعادلة لا تنبني على معطيات دقيقة عن وضع تنظيم القاعدة وعن علاقته بحركة طالبان.
وقال وزير الدفاع البريطاني بن والاس الجمعة إن بلاده قد تعود إلى أفغانستان إذا بدأت طالبان في إيواء تنظيم القاعدة على نحو يهدّد الغرب.
بن والاس: سنعود إلى أفغانستان إذا بدأت طالبان في إيواء تنظيم القاعدة
وردا على سؤال بشأن إرسال بريطانيا قوات مجددا إلى أفغانستان قال والاس لإذاعة “إل.بي.سي”، “سأترك كافة الخيارات مطروحة. إذا كانت لديّ رسالة إلى طالبان من المرة السابقة فسوف تكون: إذا بدأتم في استضافة القاعدة ومهاجمة الغرب أو بلدان أخرى، فسوف نعود”.
ولم يكن شرط قطع العلاقة بين طالبان وتنظيم القاعدة أساسيا خلال المفاوضات مع طالبان بل كانت الدول المعنية تبحث عن ضمانات تتعلق بمصالحها وبمصير حلفائها الأفغان، في وقت يعرف فيه المفاوضون أن العلاقة بين طالبان والقاعدة علاقة متينة ومن الصعب كسرها حتى وإن ظهرت على السطح خلافات أو تصريحات تتبرأ من التنظيم.
ويعتقد المراقبون أن الدول الغربية تلجأ إلى تبرير انسحابها بغياب أيّ تأثير لتنظيم القاعدة في أفغانستان وأن حركة طالبان يمكن أن تتولى مهمة منعه من معاودة نشاطه، لافتين إلى أنه على أرض الواقع لا توجد ضمانات لإجبار التنظيم المتشدد على وقف عملياته.
وفيما تتجنب طالبان الحديث عن القاعدة درءا لأيّ إحراج، فإن التنظيم سبق أن أشاد في بيان له بالمكاسب التي حققها اتفاق طالبان مع الأميركيين في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب العام الماضي، معتبرا ذلك “فتحا مبينا” و”نصرا تاريخيا” لتنظيم القاعدة، وهو ما يبدد التخمينات التي تتحدث عن توتر بين طالبان والقاعدة، وأن الحركة مستعدة لمواجهة التنظيم من أجل الحصول على اعتراف غربي.
وقال أسفانديار مير زميل مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد “لا يوجد دليل واضح على حدوث انفصال بين القاعدة وطالبان”.
وتوقع وزير الدفاع البريطاني أن يكون الانسحاب الأميركي مفيدًا لتنظيم القاعدة، قائلا “أنا قلق للغاية من أن الدول الفاشلة هي أرض خصبة لهذا النوع من الناس”.
وأضاف “بالطبع ستعود القاعدة على الأرجح”، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى “تهديد أمني لنا ولمصالحنا”.
وواصلت حركة طالبان تقدمها الجمعة، وسيطرت على مدينة بولي علم عاصمة ولاية لوغار على بعد 50 كلم من كابول بعد لشكركاه عاصمة ولاية هلمند في جنوب البلاد وذلك بعد ساعات قليلة على سقوط قندهار ثاني مدن البلاد على بعد 150 كلم إلى الشرق منها.
وقال مسؤول محلي “طالبان تسيطر على كافة المنشآت الحكومية في بولي علم.. فرضوا سيطرة تامة والمعارك متوقفة حاليا”.
وسيطرت طالبان كذلك من دون أن تواجه مقاومة الجمعة على شغشران عاصمة ولاية غور في الوسط. وبذلك صارت عواصم نصف الولايات تقريبا في قبضتها وقد سقطت كلها خلال ثمانية أيام.
انسحاب غير مدروس العواقب
وأصبح الجزء الأكبر من شمال البلاد وغربها وجنوبها تحت سيطرة مقاتلي الحركة. وكابول ومزار شريف كبرى مدن الشمال، وجلال أباد (شرق) هي المدن الكبرى الثلاث الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة.
واستسلم إسماعيل خان أحد أشهر أمراء الحرب في أفغانستان وعمره 75 عامًا لحركة طالبان بعد سقوط هرات في الغرب الخميس بعد أن ظل يحكمها بلا منازع على مدى عقود. ووعد المتمردون بضمان سلامته.
وفي مقابل هذا التقدم توقفت التحذيرات الغربية الموجهة إلى طالبان، واكتفت الدول الغربية بإعلان إجلاء دبلوماسييها على وجه السرعة. وبعد الولايات المتحدة وبريطانيا، جددت وزارة الخارجية الفرنسية دعوتها الجمعة للمواطنين الفرنسيين لمغادرة أفغانستان في أسرع وقت ممكن.
أسفانديار مير: لا يوجد دليل واضح على حدوث انفصال بين القاعدة وطالبان
وقالت الوزارة في بيان “في ضوء الوضع الأمني المتفاقم (في أفغانستان) ندعو المواطنين الفرنسيين مجددا لمغادرة هذا البلد بأسرع وقت ممكن”. وأعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن بلاده ستقلص عدد موظفي سفارتها في كابول إلى الحد الأدنى وستعزز الإجراءات الأمنية في المجمّع.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مساء الخميس أنه بسبب “تسارع الهجمات العسكريّة لطالبان وتصاعد العنف وعدم الاستقرار الناتج عن ذلك في كلّ أنحاء أفغانستان”، قررت الولايات المتحدة “تقليص وجودها الدبلوماسي” في كابول.
ولضمان إجلاء الدبلوماسيين الأميركيين بسلام سترسل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ثلاثة آلاف جندي إلى مطار كابول الدولي لينضموا إلى العسكريين الأميركيين الـ650 الموجودين في أفغانستان، حسب الناطق باسم الوزارة جون كيربي.
وأضاف الناطق أنه سيتمّ إرسال نحو 3500 عسكري آخرين إلى الكويت من أجل نقلهم إلى كابول كتعزيزات في حال أيّ تدهور للوضع. وفي الوقت نفسه، أعلنت بريطانيا أنها سترسل 600 عسكري لمساعدة الرعايا البريطانيين على مغادرة الأراضي الأفغانية.
واختتمت اجتماعات دولية استمرت ثلاثة أيام في العاصمة القطرية الدوحة الخميس دون إحراز أيّ تقدم ملموس. وقالت الولايات المتحدة وباكستان والاتحاد الأوروبي والصين في بيان مشترك إنها لن تعترف بأيّ حكومة في أفغانستان “مفروضة بالقوة”.
ويرجّح أن يكون الفساد وعدم الرغبة في القتال من الأسباب التي أدت دورا في انهيار الجيش الأفغاني، إلى جانب الفراغ الذي خلّفه انسحاب القوات الأميركية.
وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة نشرت طوال السنوات الماضية تقارير عن حجم الفساد الذي ينخر بنى القوات الأفغانية؛ فقد كان قادة منهم يحتفظون بالأموال الموجهة إلى قواتهم أو يبيعون الأسلحة في الأسواق السوداء ويكذبون بشأن عدد الجنود في صفوفهم.
كما أنّ القوات الأفغانية كانت تعتمد بشكل كامل على المساندة التي توفرها القوة الجوية الأميركية، ليس فقط على الصعيد اللوجستي والضربات ولكن أيضاً في مجال الصيانة. ويضاف إلى ذلك وجود قيادة مدنية في القصر الرئاسي من دون أيّ تجربة عسكرية، ترافقها مجموعة من الجنرالات المتقدمين في العمر والمنخرطين في الصراعات السياسية بعيدا عن الحرب الدائرة.