كتب – محمد الثريا
لا أريد أن أبدو هنا متحدثا من نافذة التنظير السياسي وحسب أثناء محاولة التعرض لمعطى حساس ويغشاه الكثير من الجدل اليوم !
ولكن هي خطوة واحدة ومركزة جاءت في سياق نصيحة وجهناها يومذاك لقيادة الانتقالي وكانت كفيلة حقا بتوفير الوقت والجهد وربما النتائج التي يدعي المجلس رغبة تحقيقها عبر دعوته اليوم إلى عقد حوار جنوبي- جنوبي .
والأهم من ذلك، دلالة تلك الخطوة في إثبات مدى الجدية لدى قيادة الانتقالي في تحقيق التوافق الجنوبي وصدق الرغبة لديها في الوصول إلى صيغة وقالب مشترك تذوب خلاله رؤى وأفكار مختلف القوى والمكونات الجنوبية على الساحة بهدف مواجهة تحديات المرحلة القادمة .
تلك الخطوة لم تكن تحتاج سوى إعلان الإنتقالي قبوله بنود ورقة العمل الخاصة بلجنة التوافق الجنوبي، وتأكيد دعمه الكامل لمقرراتها في سبيل نجاح جهود لجنة الوفاق الجنوبي برئاسة المهندس المصعبي، بعدها يتنظر المجلس فقط نتائج جهود اللجنة وردود الأخرين ثم البناء على ذلك،وعند هذه الجزئية تحديدا كان بإمكان الانتقالي ان يكسب الكثير من النقاط السياسية، فمجرد مسالة قبوله تلك كانت ستعني التخفيف كثيرا من سؤة وصفه بالوصي الاوحد للقضية الجنوبية والساع الى إقصاء بعض القيادات الجنوبية وإبتلاع البعض الاخر، وبالتالي إزاحة أحد أهم اسباب الخلاف مع بقية المكونات الجنوبية، وتأكيد جدوى مساهمته في إنجاح جهود التقارب وقبول الحوار .
حقيقة، تحتاج قيادة الانتقالي هنا الى تفسير سبب تفويت هذه الفرصة الثمينة والخطوة الحصيفة على نفسها !!
وبالعودة إلى قضية الساعة والجدل الدائر اليوم حول دعوة الإنتقالي للحوار، فإنه لامحالة سيبرز أمامنا التساؤل التالي ! وهو أن الانتقالي كان يعلم جيدا طبيعة الرد المتوقع لدى أغلب القيادات والمكونات الجنوبية الأخرى تجاه دعوة الحوار التي أطلقها، وكذا الأسباب والإعتبارات التي جعلت مسألة رفض دعوته تبدو شبه مؤكدة، لكنه أصر وفعل ذلك..فما الذي قد يعنيه هذا التصرف؟!
سياسيا، الإنتقالي هنا يناور ويسعى فقط لإستثمار المواقف الرافضة تلك بإعتبارها مواقف معرقلة لمطلب شعبي جامع، وبالتالي هو ينجح حينها في إظهار خصومه الجنوبيين أمام الشارع بمظهر الطرف المذنب والعقبة الكؤود الواجب تجاوزها لتحقيق الإصطفاف الجنوبي، ومحاولا بذلك أيضا تجاوز الأسباب الحقيقية لواقع الشتات السياسي الجنوبي ورمي سكينة تمزيق النسيج الجنوبي في مسرح مناوئيه ورافضي دعوته للحوار، وبإعتقادي بات بإمكان حتى المتابع البسيط حاليا ملاحظة ذلك المنحى بوضوح من خلال سماع لغة الخطاب الاعلامي المشيطن لبيانات رفض دعوة الإنتقالي للحوار رغم حق أصحابها السياسي في ذلك سيما وأن قيادات الإنتقالي نفسها تحفظت ورفضت أحيانا دعوات سابقة للحوار كانت قد وجهت لها من قبل قوى ومنتديات جنوبية مختلفة وأيضا تحت مبررات لم تختلف كثيرا عن مبررات رافضي دعوته اليوم ..
ما نود التأكيد عليه في خضم كل هذا الجدل أنه وبغير الوقوف بشكل جاد وحقيقي على مسببات تكرار فشل دعوات الحوار والتقارب الجنوبي، وأيضا دونما العمل صادقا على تبديد عوامل إضمحلال وتصدع أرضية التصالح والتسامح الجنوبي كأولوية لا تحتمل التسويف، فإن أي جهود أو دعوات جنوبية بعد ذلك قطعا سوف لن يتعدى تأثيرها أثر المناورات والفقاعات الفارغة، وبالنتيجة حينئذ ستظل جميع المكونات الجنوبية مجرد أدوات ساذجة لمشهد إنتاج الفشل الممل، فيما سيبقى مصيرها مرتبط كليا بمدى رغبة داعميها في إستمرار واقع الصراع السياسي المتجدد بالجنوب .