كتب : فضل مبارك
لاادعي الفهم العميق والمعرفة الكاملة في التحليل المالي والاقتصادي ، لكن اجزم بأن لدي قدر كاف يخولني بطرح وعرض بعض اوجه النظر _ وقد تكون قاصرة لأنني لست متخصصا _ فيما يتعلق بالاوضاع الحالية في ضوء مااعلن عنه البنك المركزي اليمني من قرارات وتوجهات قال أنه يسعى من خلالها للتصحيح .. وهي بحق تعتبر معركة تحديات ، نجاح تنفيذها يمكًن البنك من مواصلة خطواته بضبط ايقاع وضع العملة والسياسات النقدية والمالية .وان تعثر في بعضها فلاباس من المتابعة .. مع التأكيد أن يد البنك لاتصفق لوحدها كما يقول المثل ولابد من تناسق وتكامل الجهود .
من خلال نظرة فاحصة حول نشاط البنك المركزي ومن خلال متابعتي لخطواته (سواء المعلنة أو المنفذة على الأرض) في إطار ما أطلق عليه البنك برنامج إصلاح سوق صرف النقد ومعالجة الاختلالات المزمنة فيه، والتي تسببت في الاضطرابات الكبيرة التي يشهدها حاليا والتدهور الشديد لقيمة العملة المحلية، يبدو واضحا أن البنك المركزي يتجه في ثلاثة مسارات رئيسة ، المسار الأول إزالة الانقسام في السوق من خلال ما أسماه (إزالة تشوهات قيمة العملة المحلية)، والمسار الثاني يتمثل في اصلاح الاختلالات في نشاط الصرافة والمسار الثالث ضبط اداء القطاع المصرفي والرقابة على عملياته.
لا اختلف مع إدارة البنك المركزي في تحديده لمواطن الخلل الرئيسة والتي على ضوءها حدد مسارات المعالجة لكل منها، فوق دراسات قام بها ، وأرى أنه كان صائبا الى حد كبير فيها، كما أعتبره تطوراً نوعيا في منهاج إدارة البنك المركزي، لكن الاختلاف يكمن في ترتيب أولوياتها وتزمين تنفيذ المعالجات.
فإدارة البنك أعطت أولوية لإزالة الانقسام في السوق والعملة، ومعلوم أن من يقف وراء هذا الانقسام هي سلطة الأمر الواقع في صنعاء التي ورثت مؤسسات دولة جاهزة، ومقومات اقتصادية ومالية أكبر بالمقارنة بما هو متاح في مناطق الشرعية وتشتمل على قاعدة صناعية وزراعية وبنوك وشركات وسوق استهلاكية أكبر بسبب نسبة عدد السكان هناك. لذا فإن معالجة البنك المركزي لإزالة انقسام السوق والعملة سيواجه بالتأكيد بمقاومة شديدة من قبل الحوثيين الذين يسيطرون على سوق الاقتصاد والمال في مناطقهم، ويملكون من عناصر المواجهة أكبر مما لدى إدارة بنك مركزي عدن الذي يعمل في بيئة يفتقد فيها حتى الى حضور الدولة بأجهزتها التي لأغنى عنها لتعزيز تنفيذه لقرارته، وقد بدات تتوالى ردة فعل جماعة الحوثي على توجهات البنك في عدن ، وبالتالي فإن كفة المواجهة لا تميل لصالح مركزي عدن على الأقل في المدى القصير وكلفتها ستكون كبيرة على إدارة البنك المركزي ومن المؤكد انها تستنزف طاقاته التي يحتاج لها في مواجهاته على مسارات أخرى.
أما الإصلاح الشامل لنشاط الصرافة وجعلها كأولوية ثانية ، فأنني أرى فيها قدراً من المجازفة، وكنت أتمنى أن يقتصر الأمر على إصلاح ما هو تحت يد البنك المركزي وسيطرته، والاكتفاء مرحليا بإصلاح نشاط الصرافة وضبط الانفلات واحكام السيطرة عليها في مناطق الشرعية. واتفق مع ذكره بعض المحللين في أن الصرافين في مناطق الشرعية ليسوا بمستوى قوة الصرافين في مناطق الحوثة الذين يملكون اليد الطولي على نشاط الصرافة في عموم البلاد، بل أن الصرافين في صنعاء وبتوجيه من الحوثيين هم الذين يحددوا عناصر سوق الصرافة والمتحكم في جوانب العرض والطلب. لكن مع هذا، فإنه كان بالإمكان تشكيل منظومة من الصرافين الجادين والمنضبطين في مناطق سيطرة الشرعية والتعامل معهم وإلغاء تراخيص الصرافين المضاربين والمعرقلين لخطة البنك المركزي في اصلاح نشاط الصرافة. ولايزال الأمر مطروحا لتنفيذ هذا الاجراء بمساعدة اجهزة الامن والجهات ذات العلاقة .
وفيما يتعلق بالبنوك وضبط اداءها والرقابة على عملياتها، كان ينبغي على ادارة البنك المركزي أن لا تجعلها اولوية ثالثه، مع تأييدي له في إعلانه مؤخرا بتوجيه البنوك التجارية لنقل مراكز عملياتها الى عدن حيث يقع المقر الرئيس للبنك المركزي، كان يتوجب أن يمثل هذا الأمر أولوية للبنك المركزي ، وكان ينبغي الشروع به مباشرة عند صدور قرار نقل المركز الرئيس للبنك من صنعاء إلى عدن عام 2016 نظرا لما يترتب على تنفيذ هذا الاجراء من عوامل كان يمكن له أن تخلق أثرا ايجابيا في نشاط البنك واحكامه القبضة على كثير من القضايا التي القت بضلالها على وضع العملة بشكل خاص والوضع الاقتصادي بشكل عام .
وللتدليل على أهمية قرار نقل مراكز عمليات البنوك من صنعاء الى عدن حيث يقع المقر الرئيسي للبنك المركزي، لاحظوا انزعاج وقلق الحوثيين حاليا من قرار سحب البساط ونقل مراكز عمليات البنوك من تحت سبطرتهم، ورد فعلهم المتخبط، والذي تضمنه بيان محمد علي الحوثي حيث أظهر استسلاما واضحاً ودعي لمساومة البنك المركزي في عدن بموضوع تقديم البيانات وبالطبع مقابل أن يتراجع مركزي عدن عن قراره بنقل جميع مراكز عمليات البنوك الى عدن.وكذلك البيانات المتلاحقة للبنك المركزي بصنعاء وماخفي أعظم من تهديدات للبنوك التجارية أن هي اقدمت على تلبية قرار البنك المركزي بعدن .