كريتر نت – العرب
تثير خانة الديانة في الأوراق الرسمية لدى المواطنين في مصر نقاشا سياسيا يطفو على السطح كلما حاول أحد المسؤولين الاقتراب منها والتفكير في إلغائها بالتصريح أو التلميح، حيث تمس وترا حساسا يهرب منه الكثيرون لمنع نشوب خلافات جديدة بين المسلمين، الذين يمثلون غالبية، والمسيحيين كأقلية في مصر.
وأعاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الجدل حول خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي التي تكتب فيها ديانة الشخص، مسلما كان أو مسيحيا، إلى دائرة الضوء من خلال مداخلة هاتفية مع برنامج “صالة التحرير” على قناة صدى البلد لا تزال تداعياتها مستمرة في الحوارات بين النخب السياسية والثقافية.
وقد جدد السيسي التأكيد على أهمية قضية الوعي، قائلا “كلنا ولدنا المسلم مسلم والمسيحي مسيحي، حد عارف إنه المفروض نعيد صياغة فهمنا للمعتقد، فكرنا ولا خايفين نفكر”.
ويقول متابعون إن هذه العبارة كفيلة بفتح باب النقاش بجدية هذه المرة لحذف خانة الديانة من البطاقة التي يحملها كل مصري بلغ السادسة عشرة من العمر، وحث الحكومة على اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، حيث باتت مطلبا يتناسب مع أهمية مفهوم المواطنة المطلوب تكريسه في مصر حاليا.
وفي كل مرة تثار فيها قضية الديانة تصطدم بمعوقات عديدة من بعض المسلمين والمسيحيين من المتطرفين الذين يريدون الحفاظ على ذكر الهوية الدينية، مع أنها تتعارض مع أدبيات الدولة المدنية ومشروع “الجمهورية الجديدة” الذي يعتبر أن المساواة بين الناس تكون على قاعدة المواطنة وليس الدين أحد مرتكزاته.
تنفيذ الخطوة يحتاج إلى مراجعة عدد كبير من الإجراءات الإدارية، مثل تسجيل المواليد والزواج والطلاق والميراث
وأدى العزف على وتر الديانة إلى مشكلات دقيقة إلى الدرجة التي أصبحت فيها بعض الوظائف قاصرة على المسلمين (ضمنيا) لأن الدستور يشدد على المساواة بين جميع المواطنين دون تفرقة في الحقوق والواجبات.
وزادت الأزمة حدة عقب لجوء بعض رجال الأعمال من المسيحيين والمسلمين إلى الاستعانة بمنتمين إلى ديانتهم في مؤسساتهم الخاصة، مع قلة من الديانة الأخرى للإيحاء بالتنوع وعدم العزوف عن المساواة.
ويعدّ إلغاء خانة الدين من بطاقة الهوية من الموضوعات التي تلغي التمييز الظاهر أحيانا، لكن تنفيذ الخطوة يحتاج إلى مراجعة وإعادة هيكلة في عدد كبير من الإجراءات الإدارية، مثل تسجيل المواليد والزواج والطلاق واستخراج شهادات الوفاة والميراث، حيث يُعتبر إثبات الديانة في هذه الوثائق من الأمور الهامة.
وتقدم أحد نواب البرلمان عام 2018 بمشروع قانون لإلزام الحكومة المصرية بحذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية، مستندا إلى المادة الـ53 من الدستور التي تنص على أن “المواطنين سواء أمام القانون ولا تمييز بينهم لأسباب، منها الدين أو العقيدة”، وهي المادة التي من المفترض أن تلزم الحكومة باتخاذ جميع التدابير للقضاء على كل أشكال التمييز، وإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
ومنذ ذلك الوقت لم يطرح الموضوع للنقاش العام بجدية، غير أن مداخلة السيسي وتحريضه على ضرورة زيادة الوعي أعادته إلى الضوء مرة أخرى. وتتخطى المشكلة في مصر مجرد تعديل في نصوص القوانين أو إلغاء خانة ديانة عبر تشريع جديد، لأن الأسماء نفسها تدل على الهوية الدينية لصاحبها.
وتتجاوز القضيةُ عمليةَ إلغاء خانة الديانة التي هي في نهاية الأمر إجراء روتيني يمكن أن يعبّر ظاهريا عن مساواة غير موجودة في الواقع، وقد تخلق تنافسا من نوع آخر يتعلق بالتعبير عن الهوية الدينية؛ فهناك مسيحيون يحرصون على رسم صلبان بشكل بارز على إحدى اليديْن أو ارتداء حليّ في شكل صليب على الصدر، خاصة لدى النساء.
ومثل هذا السلوك يمكن أن يؤدّي إلى استفزاز المسلمين؛ وربما يبالغ البعض منهم في تسمية أبنائهم بأسماء إسلامية أو يضعون على بيوتهم وسياراتهم ما يشير إلى هويتهم الدينية بشكل مستفز، وتستمر هذه الحلقة بما يقود إلى أزمة حقيقية.
وكانت هذه المخاوف أحد العوامل التي أدت إلى تجاوز ملف خانة الديانة كلما تم طرح الموضوع، وحتى إشارة الرئيس السيسي نفسه الأخيرة يمكن أن تحرك المياه الراكدة، لكنها لن تؤدي إلى نتيجة ملموسة على المدى القريب.
ويبدو هذا الملف على علاقة وثيقة بالثقافة العامة والوعي الحضاري الذي أشار إليه السيسي في مداخلته الهاتفية، والتي ثمّن فيها اجتهادات المؤلف والسيناريست عبدالرحيم كمال، وطالبه بتقديم المزيد من الأعمال التي تسهم في زيادة نشر الوعي حول هذه المسألة.
وقالت الكاتبة المصرية وعضو مجلس الشيوخ فريدة الشوباشي إن توجه الرئيس السيسي بحاجة إلى التنفيذ والتطبيق، وإنه من الأنسب أن يتم توظيف عودة زخم النقاش الدائر حول مسألة إلغاء خانة الدين في توعية أصحاب الديانات والفئات المختلفة بضرورة إلغاء هذه الخانة، على أن تكون هذه الخطوة مصحوبة بقرارات تدعم تغيير الثقافة السائدة لدى المواطنين الذين يريدون استعراض عقائدهم الدينية بشكل سافر.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “تنفيذ توجيهات الرئيس دون أن يكون ذلك مصحوبا بتعامل جديّ مع المنابر المتشددة وبتنظيم حملات للتعريف بأهمية القرار في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام سيواجه أزمات نتيجة عدم اقتناع المواطنين به، فمن المهم إدراكهم لأهمية الشعارات التي ترفعها الدولة من أجل التأكيد على المواطنة، ومن الضروري أيضا أن يكون هناك فهم عميق لمقولة: الدين لله والوطن للجميع”.
ويعود تاريخ وجود البطاقة الشخصية إلى ما قبل ثورة يوليو 1952، وكانت مصنوعة من الورق وكتبت عليها عبارة “المملكة المصرية”، وتصدرها وزارة الشؤون الاجتماعية، وحوت البيانات التالية: الاسم، اللون، الطول، لون العيون، الشعر، مع صورة شخصية دون تدوين الديانة.
وبعد الثورة وقيام الجمهورية وإلغاء الملكية تغير شكل البطاقة وتولت إصدارها وزارة الداخلية وليست وزارة الشؤون الاجتماعية وحوت عام 1958 البيانات التالية: الاسم، تاريخ الميلاد، الديانة، الحالة الاجتماعية، الوظيفة، محل الإقامة، فصيلة الدم.