كريتر نت – العرب
حال اللاّجئين الأكراد الإيرانيين إلى العراق إذ تشبه في كثير من الجوانب حال مواطنيهم في البلد الأصلي وأبناء جلدتهم في بلد اللجوء، فإنّها تختلف عنها في هشاشة أوضاعهم المادية والاجتماعية وفي افتقارهم لأغلب الحقوق الأساسية، وعدم شعورهم بالأمان على حياتهم وعلى مستقبل أبنائهم ما يجعلهم في توق دائم إلى الهجرة نحو بلد ثالث دون أن يتمكّنوا من ذلك.
أربيل (العراق) – يكاد الأكراد الإيرانيون اللاجئون إلى العراق فرارا من سوء الأوضاع في إيران أو على خلفية معارضتهم للنظام هناك، يجمعون متاعب ومعاناة سائر الإيرانيين والعراقيين وأكراد المنطقة ككلّ.
فهم فقراء يعانون قلة موارد الرزق ومَواطن العمل وسوء الخدمات الأساسية أو انعدامها مثل الغالبية العظمى من الإيرانيين والعراقيين، ويحلمون مثلهم بالهجرة خارج المنطقة دون أن يتمكّنوا من ذلك في ظل تشديد الدول لقيودها على حركة المهاجرين بسبب ما باتت تنطوي عليه من مخاطر وتهديدات أمنية، فضلا عن حالة الإغلاق التي شهدها العالم منذ تفشّي وباء كورونا في أغلب أنحائه.
وهم مثل الكثيرين من أكراد العراق وسوريا وتركيا ومن بقي داخل المناطق الكردية الإيرانية يعانون تضييقات النظم الحاكمة واعتداءات الجماعات المسلّحة (بالنسبة للحالة العراقية) إلى درجة أنّ شرائح كثيرة من أكراد المنطقة لا تشعر بالأمان على حياتها في مناطقها، وهو ما ينطبق مثلا على سكان أجزاء من المناطق الكردية في العراق حيث تشنّ تركيا حملات عسكرية مكثّفة وقصفا بالطيران والمدفعية في نطاق حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة تنظيما إرهابيا.
وشكّلت أراضي العراق في فترات سابقة ملاذا للكثير من الأكراد الإيرانيين بما في ذلك خلال مرحلة حكم حزب البعث المعادي لنظام الولي الفقيه القائم في إيران منذ آخر عقد السبعينات من القرن الماضي، لكن حكم الأحزاب الشيعية الذي قام على أنقاض نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين صعّب من مهمّة اللاجئين الإيرانيين إلى العراق وخصوصا منهم المعارضون للنظام الإيراني بمن فيهم الأكراد، وذلك على الرغم من أنّ الغالبية العظمى من هؤلاء يقيمون في إقليم كردستان العراق الذي يتمتّع بحكم شبه ذاتي، ومع ذلك فإن أراضيه تظل مسرحا للمخبرين والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية التي تستخدمهم في تعقّب المعارضين الأمر الذي يفسّر تعدّد حوادث الاغتيال والموت المستراب في صفوف اللاجئين الأكراد الإيرانيين.
نهاية مؤلمة
يقول العديد من أكراد إيران الذين لجأوا إلى شمال العراق إنهم يعانون أوضاعا معيشية قاسية وسوء معاملة، بالإضافة إلى أنهم مهددون بالترحيل والاغتيالات، وفقا لما ذكرت صحيفة إندبندنت البريطانية في تقرير استقصائي.
وأوضحت الصحيفة أنها وصلت إلى تلك النتائج بعد أن أجرت سلسلة من المقابلات مع عشرين من طالبي اللجوء والمهاجرين الأكراد الإيرانيين، ومسؤولين في الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان واثنين من النواب الأكراد العراقيين وممثلين عن الوكالات المعنية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويقول اللاجئ عكو والبالغ من العمر خمسة وعشرين عاما إنه كان شاهد عيان على الأيام الأخيرة من حياة صديقه بهزاد محمودي الذي قضى في مايو الماضي بأحد المستشفيات، بعد أن أضرم النار في نفسه احتجاجا على ظروفه المعيشية اليائسة وما اعتبره إهمالا من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وكان بهزاد وهو طالب لجوء كردي إيراني قد أحرق نفسه خارج مقر الأمم المتحدة في أربيل مركز إقليم كردستان العراق. وهنا يتذكر عكو تلك الأيام قائلا “لقد كان صديقي يبكي بشدة قبل أن يموت وقال لي إنه لم يكن يرغب في إنهاء حياته بهذا الشكل”.
أكراد إيرانيون لجأوا إلى العراق كمناضلين ضدّ نظام الملالي وتحوّلوا مثل سائر أبناء جلدتهم إلى مكافحين لتوفير القوت اليومي
ويتابع عكو “بعد ذلك أقدم على خياطة فمه لمدة أربعة أيام احتجاجا على الظروف التي يعاني منها أكراد إيران في إقليم كردستان، خاصة وأنه لم يتمكن من العثور على عمل لدفع إيجار البيت الذي يسكنه”.
وأكد عكو أن كل ما يحلم به في الوقت الحالي هو “مغادرة كردستان العراق”، مضيفا “لا يهمني أين أذهب أريد فقط الابتعاد عن هذه الحياة المحفوفة بالمخاطر”.
أما آزاد البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما ويقطن مع أخيه في بيت متواضع بحي فقير في أربيل فيقول إن “جميع الناس في إيران يعانون الجوع وليست لديهم وظائف ولا مال”، لافتا إلى أنه غادر بلاده إلى إقليم كردستان بشكل غير قانوني في أبريل من العام الماضي بعد أن فقد الأمل في تحسن الأوضاع في إيران.
أما آزاد البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما ويقطن مع أخيه في بيت متواضع بحي فقير في أربيل فيقول إن “جميع الناس في إيران يعانون الجوع وليست لديهم وظائف ولا مال”، لافتا إلى أنه غادر بلاده إلى إقليم كردستان بشكل غير قانوني في أبريل من العام الماضي بعد أن فقد الأمل في تحسن الأوضاع في إيران.
ولفت آزاد إلى أن الحياة في منفاه صعبة للغاية قائلا إنه عندما يتمكن من الحصول على عمل فإنه يكون مؤقتا وشاقا ويأخذ أكثر من اثنتي عشرة ساعة من وقته بشكل يومي ليتقاضى أجرة تتراوح قيمتها بين عشرة إلى ثلاثة عشر دولارا أميركيا موضّحا أن ذلك ليس أفضل مما كان سيكسبه لو بقي في إيران، لكنه يتمسك بالأمل في بناء حياة أفضل لابنته البالغة من العمر خمس سنوات.
وإذا كان آزاد لم يمضِ عليه وقت طويل في كردستان العراق فإن حسين كريمي البالغ من العمر اثنين وخمسين عاما كان قد هرب من إيران بعد عام من ثورة الخميني في العام 1979. وهو موجود في العراق منذ ذلك الحين. ويقول إنه لا يزال يعيش أوضاعا غير عادية منذ ذلك الوقت، فإقليم كردستان ليس دولة مستقلة حتى يمنحه الجنسية وبالتالي فإنه هو وأمثاله يضطرون إلى تجديد تصاريح الإقامة في عملية مطولة وبيروقراطية كل 6 أو 12 شهرا.
انخفاض سقف النضال
انضمّت أعداد من أكراد إيران نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي لحركات معارضة تنشط على أرض كردستان العراق أملا في التغيير. لكنّ هؤلاء وجدوا أنفسهم وقد تحولوّا إلى مناضلين لمجرّد تأمين القوت لعائلاتهم. وازدادت أوضاعهم صعوبة مع تفشي وباء كورونا الذي أثّر اقتصاديا على اللاّجئين أكثر من تأثيره على باقي سكان العراق وفق الأمم المتحدة، فيما كان أبرز المتأثرين هم العاملون بأجرة اليوم بسبب حظر التجول والإغلاق.
وترفض الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 وتسيطر عليها أحزاب شيعية موالية لطهران منح الجنسية العراقية للأكراد الفارّين من إيران رغم أن بعضهم موجود في البلد منذ أربعين عاما. وكان عدد هؤلاء ستّة عشر ألفا حتى مطلع الألفية الجديدة بحسب إحصاء أممي. أما اليوم فيبلغ حوالي أحد عشر ألفا تقيم غالبيتهم في إقليم كردستان.
وتمنح أربيل من جهتها اللاجئين الأكراد الإيرانيين تصريح إقامة إذا تمكنوا من إيجاد كفيل محلي. إلاّ أن هذا التصريح لا يمنحهم الحق في العمل ولا التحرك إلاّ داخل حدود محافظات الإقليم، أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة لأن الحكومة الاتّحادية العراقية لا تعترف بهم.
وبسبب كل ذلك بات اللجوء إلى بلد ثالث الحل الوحيد. بيد أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة لا تقبل إلا عددا قليلا من طلبات اللجوء.
ويقول كريمي “التصاريح التي تمنح لنا لا تسمح لنا بالخروج من إقليم كردستان ولا تضمن لنا التنقل دون عوائق عبر نقاط التفتيش الداخلية، كما أنه ممنوع علينا تسجيل شركات أو سيارات أو أرقام هواتف محمولة بأسمائنا”.
ريزان شيخ دلير: أربيل لا تحمي اللاّجئين السياسيين لخشيتها من طهران
ولا تقف مشكلات اللاجئين الأكراد عند هذا الحد فهم أيضا معرضون للقتل والاغتيال، فخلال العام الماضي وحده لقي العديد من النشطاء السياسيين مصرعهم في ظروف مريبة.
وعُثر مؤخرا على موسى باباخاني وهو مسؤول كبير في حزب سياسي كردي إيراني معارض جثة هامدة في أحد فنادق أربيل.
ويقول أحد مساعديه السابقين إن “موسى كان نشطا للغاية في التواصل مع المجتمع المدني في محافظة كرمانشاه بإيران وهي المنطقة الأكثر حساسية بالنسبة للنظام في طهران”، كونها جزءا مما يعرف بكردستان إيران بحسب التسمية غير الرسمية للمنطقة الواقعة بشمال غرب البلاد ويسكنها أكراد على الحدود مع كل من العراق وتركيا وتشمل محافظة كردستان ومحافظة کرمانشاه وأجزاء من محافظة أذربيجان الغربية ومحافظة إيلام.
ومناطق أكراد إيران تشكّل جزءا من المناطق الأربع المكونة لكردستان الكبرى وتشمل مناطق من جنوب شرق تركيا وشمال سوريا وشمال العراق، حيث يوجد الإقليم الوحيد لأكراد المنطقة الذي يتمتّع بحكم شبه ذاتي ضمن الدولة الاتّحادية العراقية.
وفي حادثة أخرى قُتل عضو في حزب كردي إيراني معارض آخر بالرصاص خارج السليمانية قبل بضعة أسابيع مع توجيه أصابع الاتهام لعملاء إيرانيين، حيث تصنف طهران جماعات المعارضة الإيرانية المتمركزة في إقليم كردستان على أنها منظمات إرهابية لديها أجنحة مسلحة.
ولا يقتصر خطر الاغتيال على المعارضين السياسيين، فالكثير من النشطاء الحقوقيين معرضون أيضا للقتل كما يوضح الصحافي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد أميني، الذي أُجبر على الفرار من إيران في العام 2007 بعد تلقيه تهديدات من قوات الأمن.
ويقول أميني الذي يعيش حاليا في مدينة السليمانية “نحن هنا في خطر داهم فقوات الأمن الإيرانية تضغط علينا وتهددنا وكردستان العراق ليس مكانا آمنا لنا، ولذلك علينا أن نرحل إلى بلد ثالث يضمن سلامتنا وحياتنا”.
ويقول العديد من طالبي اللجوء الأكراد الإيرانيين إنهم يشعرون بالتخلي عنهم وإن الحكومات والوكالات الدولية ذات الصلة غير مهتمة أو غير راغبة في الاضطلاع بمسؤولياتها وذلك بسبب ضغوط طهران أو الجمود البيروقراطي.
خوفا من إيران
تقول عضو البرلمان العراقي عن المكوّن الكردي ريزان شيخ دلير “لا حكومة إقليم كردستان ولا الحكومة المركزية في بغداد مهتمتان بقضية اللاجئين، فقد تم اقتراح العديد من مسودات التشريعات المتعلقة بالقضية منذ العام 2014 لكنها ألغيت قبل أن يجري التصويت عليها في البرلمان”.
وتوضّح البرلمانية الكردية أن “حكومة إقليم كردستان تخشى النظام الإيراني وبالتالي هي ليست قادرة على فعل أي شيء للاّجئين السياسيين”. وتضيف “بعد العام 2003 أصبحت الحكومات العراقية ومؤسساتها أكثر ارتباطا بطهران ولذلك كان من المستحيل وضع قوانين خاصة باللاجئين”.
ويستضيف إقليم كردستان حاليا أيضا ما يقرب من مليون نازح عراقي آخر ولاجئ بما في ذلك سوريون وأتراك وفلسطينيون وفقا لأحدث البيانات الرسمية.
وقال متحدث باسم المفوضية في العراق إن القيود المتعلقة بوباء كورونا تسببت في “تأخيرات لا مفر منها” في عمليات تسجيل الهويات وتجديدها، وإن الانكماش الاقتصادي العالمي قد أثر على قدرة البلدان المانحة على توفير التمويل في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العراق.
ويضيف المتحدث باسم المفوضية أنه بعد حادثة حرق بهزاد محمودي نفسه في وقت سابق من هذا العام “عززت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين حوارها مع ممثلي المجتمع المدني بشأن القضايا الجوهرية، ولا يزال بابنا مفتوحا لجميع اللاجئين وطالبي اللجوء في العراق”.