كريتر نت – العرب – دانيش كامات
مع وجود مخزون هائل من الأسلحة الأميركية وذخائر من حلف الناتو تحت سيطرة طالبان، أصبحت الحركة الآن هي المجموعة الإرهابية الأكثر فتكا على مستوى العالم، فضلا عن سيطرتها على كافة أنحاء البلاد، وبالنظر إلى أنها لم تقطع علانية علاقاتها مع حركة الجهاد العالمي حتى الآن، فإن صعود طالبان إلى السلطة يمثل تهديدا خطيرا لدول الجوار وما وراءها.
وحسب بعض التقديرات، فإن ما لا يقل عن 230 مليون دولار من المخزون الأميركي وحده أصبح تحت أيدي طالبان، ويشمل ذلك المخزون الأسلحة والذخيرة والمركبات والطائرات والطائرات دون طيار، ناهيك عن معدات أخرى بقيمة 19 مليون دولار كانت مخصصة للشرطة الأفغانية، وقد أظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلي طالبان وهم يلتقطون الصور أمام مروحيات أميركية من طراز بلاك هوك وطائرات هجومية برازيلية الصنع من طراز AN – 29، أضف إلى ذلك أن الحكومة السابقة كانت لديها أيضا طائرات هليكوبتر روسية التصميم من طراز Mi – 17.
وبالنسبة للأسلحة الأكثر تقدما، مثل الطائرات، فيبدو أن طالبان تفتقر إلى المعرفة الفنية حول تشغيل وصيانة تلك الطائرات، لكن هذا لا يمنع احتمال أن يعرض الجهاديون الأجانب المتحالفون أيديولوجيا مع الحركة خدماتهم في ذلك المجال، خاصة إذا امتلكوا مثل تلك القدرات، أو قد تبيع طالبان بعض الفائض من ذلك المخزون إلى الجماعات الجهادية في السوق السوداء الدولية، والذي بدوره سيمهد الطريق لتأجيج الإرهاب في المنطقة وخارجها بنفس الطريقة التي غذت بها الحرب الأهلية في ليبيا الإرهاب الإسلامي في منطقة الساحل الأفريقي.
230 مليون دولار من المخزون الأميركي من الأسلحة والذخائر أصبح تحت أيدي طالبان
وحسب الأحاديث التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أشارت إلى احتفال الفضاء الإلكتروني الجهادي عندما اقتحمت طالبان كابول، فالجماعات الجهادية مثل هيئة تحرير الشام في سوريا تحدثت عن انتصار طالبان كمثال يستحق الاقتداء به، وأشاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بحركة طالبان كمحررة لدولة أفغانستان، بينما بايعت حركة تحريك طالبان في باكستان، المعروفة أيضا باسم طالبان الباكستانية، نظيرتها الأفغانية. وبعد دخول كابول، أفرجت طالبان أيضا عن خمسة آلاف سجين من سجن بول الشرقي في المدينة، وكان من بين السجناء بعض مقاتلي القاعدة وداعش.
وتشير التقارير إلى تواجد إرهابيين من جماعتي عسكر طيبة وجيش محمد في كابول، كما يقال إن أيمن الظواهري، زعيم القاعدة منذ عام 2011، يعيش في أفغانستان تحت مظلة طالبان، وقد بايع الظواهري زعيم طالبان هيبة الله أخوندزاده في عام 2016، والغريب في الأمر أن البيعة لم تكن بالطريقة المعاكسة، حيث كان يفترض أن يبايع أخوندزاده زعيم القاعدة. ويجمع كلا التنظيمين طالبان والقاعدة نفس الفكر، فضلا عن رابطة النسب. إضافة إلى ذلك، هناك عشرة آلاف مقاتل أجنبي في أفغانستان من دول مختلفة، بما في ذلك أولئك المتحالفون مع داعش.
ومع تعزيز طالبان قبضتها على مقاليد الحكم خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة والقضاء على أي معارضة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، فمن المرجح أن تميط اللثام عن وجهها الحقيقي، وهو الحاصل في المناطق البعيدة عن كابول، حيث تتحدث التقارير الواردة من البلدات الصغيرة بالقرب من الحدود مع باكستان عن مقتل مدنيين. ولكن في كابول، وعدت طالبان باحترام حقوق المرأة والأقليات والأفراد الذين عملوا مع النظام السابق، وقد يكون هذا السلوك المتناقض مع نفسه إما بسبب الانقسامات داخل طالبان وإما استراتيجية لاكتساب الاعتراف الدولي، وإلغاء تجميد الأموال ووقف نزيف رأس المال البشري.
ويعتقد المحللون الغربيون أن حجب الولايات المتحدة للأموال عن طالبان سوف يتحكم ويضبط من سلوكيات وتصرفات الحركة، وهذا تفكير خاطئ، فقبل وصول طالبان إلى السلطة كانت تتلقى تمويلا جيدا من خلال تهريب الهيروين والتعدين والمضاربة على العقارات والابتزاز والضرائب، كما غفل المحللون أيضا عن فكرة أن بلدا ما قد يكون مركزا للإرهاب العالمي وفي نفس الوقت يبدو كدولة “طبيعية”، على سبيل المثال دولة باكستان، التي عُثر فيها على أسامة بن لادن في عام 2011 وهو يعيش على بعد أقل من ميل من إحدى الأكاديميات العسكرية.
ودول مثل إيران وروسيا والصين مستعدة لعقد صفقات مع طالبان لضمان عدم تعرضها للأذى الجهادي، وهي بعقد تلك الصفقات تمد يد العون للحركة، وقد بدأت إيران، على سبيل المثال، بتزويد طالبان بالوقود مقابل مبالغ مالية من الدولارات التي تجنيها طالبان من تهريب المخدرات والتعدين غير المشروعين.
وتبدو الصورة قاتمة لتلك الدول غير الراغبة أو غير القادرة على إبرام مثل تلك الصفقات مع طالبان، وليس من قبيل المصادفة أن تستضيف بغداد قمة إقليمية حضرها تقريبا جميع دول المنطقة: إيران وسوريا والسعودية والإمارات ومصر والأردن وتركيا وقطر والكويت والاتحاد الأوروبي. إن صعود حركة طالبان في كابول وخطر الجهاد العالمي سيشحذان عقول صناع القرار في عواصم دول الإقليم.
وحتى عندما وعدت أميركا بشن هجمات “في الأفق” عبر طائرات دون طيار في حال ظهور تهديد إرهابي من على الأراضي الأفغانية، فإنها لم تحدد ماذا تعني بقولها “تهديد”، وفي الوقت الذي تتخلى فيه أميركا بصورة متزايدة عن دورها التاريخي كضامن وحيد للأمن في المنطقة، هناك أمران واضحان: أولا، صعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان يشكل تهديدا خطيرا للشرق الأوسط، وثانيا، سيتعين على دول المنطقة البحث عن حل إقليمي لهذا التهديد الناشئ.