كتب : فاروق يوسف
يظهر التنظيم الإرهابي “داعش” ويختفي في سياق توقيتات غير منتظمة وعلى خرائط لا يمكن التنبؤ بدروبها. الأدهى من كل ذلك أن لا أحد يمكنه التعرف على العدو الذي يمكن أن يستهدفه داعش في المرة القادمة. جزء من لغز داعش أن يكون هناك أعداء غير متوقعين. في المقابل فقد لا يتعرض الأعداء المتوقعون لأذى داعش.
يقول الخبر إن داعش استهدف عربات عسكرية تابعة لحركة طالبان في مدينة جلال أباد شرقي أفغانستان. هذا يعني أن هناك عداء يتم الإعلان عنه بين تنظيم الدولة الإسلامية وحركة طالبان التي أعلنت عن استعادة الإمارة الإسلامية في أفغانستان. عداء ضد المنطق ولا يستوي مع المصالح إلا إذا كان تنظيم الدولة واجهة أقيمت من أجل هدف آخر غير تأسيس دولة أو إمارة إسلامية على غرار الدولة الإسلامية في إيران لكن مع فرق بسيط في الفقه الذي يقوم بتصريف الشريعة على المستوى العملي.
منطقيا فإنه يُفترض أن لا يكون هناك خلاف ما بين الدولة الإسلامية التي أعلن عن إقامتها في العراق والشام عام 2014 وإمارة أفغانستان الإسلامية التي تمت استعادتها عام 2021. ومثلما نقلت التسريبات من أن أعضاء سابقين في تنظيم القاعدة قد بدأوا بالعودة إلى أفغانستان بعد أن استقرت الأمور لطالبان، كان متوقعا أن يلتحق إخوتهم في داعش بهم لتكون أفغانستان قاعدة للنضال المشترك.
أما أن يعلن تنظيم داعش الحرب على طالبان وهي التي يتطابق فقهها مع الفقه الداعشي بدلا من أن يعلنها على إيران التي لا تختلف فقهيا مع داعش فحسب بل وأيضا تسفّه كل ما يقوله الفقه الداعشي وتحط من قيمة رموزه وتتهمه في أحيان كثيرة بالكفر، فذلك يُخرج الأمور من نطاقها العقلي ويجعل اللعبة السياسية المغطاة بالدين تتخذ طابعا مخابراتيا لا علاقة له بما تنطق به وسائل الإعلام من أباطيل.
فداعش السني إذاً يمكن أن يحارب حركة طالبان السنية ولكنه لن يتخطى حدود إيران الشيعية ولا يمكن أن يمسها بضرر وهو لم يفعل ذلك عبر السنوات التي قضاها في العراق وسوريا ولم يخطر في بال أحد أن داعشيا واحدا يمكن أن يقوم بعملية تفجير ضد إيران التي قامت ميليشياتها بتدمير عدد من المدن العراقية ذات الأغلبية السنية. ما سر هذا اللغز؟ فهل تم اختراع داعش من أجل تعذيب أهل الموصل وجر شبابها إلى الموقع الذي لا يمكنهم من خلاله إلا أن يكونوا إرهابيين حسب القانون العراقي 4 إرهاب الموجه بشكل خاص ضد أتباع المذهب السني من العراقيين؟
لقد لعب داعش لعبته المأساوية في العراق، فهل سيقوم بنقل فعالياته التخريبية إلى أفغانستان؟ إذا ما تغاضينا عن الهدف العقائدي وهو كما يبدو مجرد وسيلة للتضليل والخداع يمكننا أن نتوقع أن أجهزة مخابرات الدول التي ترعى داعش ستوجهه في اتجاه إقامة حفلة تفجيرات على أراضي ما يمكن أن نسميه بالدولة الإسلامية الفتية. لقد خسرت الولايات المتحدة حربها هناك. ولكن لن يُسمح لحركة طالبان أن تتمتع بانتصارها. تلك معادلة لا يمكن القبول بها حتى لو كان المرء يقف من حيث المبادئ ضد حركة طالبان وضد استمرار الاحتلال الأميركي لأفغانستان، البلد الذي التهمت الحرب الجزء الأكبر من نضارته.
داعش سيكون ذراع القوة التي خسرت الحرب. فهل ذلك يعني أن الفوضى ستكون السمة الرئيسة لتجربة الحكم في أفغانستان؟ لا تحتاج طالبان إلى تفجيرات داعش لكي تعلن عن حضور إمارتها المزعج بالنسبة إلى دول كثيرة. فالفوضى ستعم أفغانستان ليس لأن حركة طالبان تريد ذلك بل لأن سياستها لا بد أن تقود إلى ذلك. فطالبان لا يمكن أن تبني دولة. لن تكون دولتها في أرقى حالاتها إلا نوعا من دولة داعش وإن كانت أفغانستان مضطرة لحمايتها باعتبارها حاضنة إجبارية.
لم يكن المرء في حاجة إلى تجربة داعش في أفغانستان ليعرف أن التنظيم الإرهابي يتمتع برعاية أميركية – إيرانية مشتركة. سيُقال إن ذلك جزء من نظرية المؤامرة. ولكن دروب وتوقيتات حركة التنظيم الإرهابي في مختلف تجلياته تثبت ذلك. ومَن يحتج بالبراءة عليه أن يراجع أفكاره. فليست إيران هي العدو الطائفي. كما أن داعش لا يرى في إيران عدوا. تلك معادلة ينبغي أن يتعلم منها الكثيرون درسا في الوطنية التي أريد لها أن تقوم على أساس طائفي. فليس التنظيم الإرهابي داعش يمثل أحدا بقدر ما يهدف إلى تدمير مجتمعات يُراد لها أن لا تكون سوية وأن تفقد الطريق إلى مستقبلها.
نقلا عن العرب اللندنية