أحمد حافظ
يواجه اتحاد الكرة ووزارة الشباب والرياضة في مصر أزمة في إقناع الجمهور الرياضي بأن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأندية جراء شعور بعض الأندية بأنها مستهدفة ويتم افتعال أزمات معها لإرضاء أندية أخرى، حتى صار اسم الحكومة يُطرح مع كل مشكلة يواجهها أحد الأندية الشعبية ذات الجماهيرية العريضة.
حتى لو كانت الأزمة مرتبطة بإيقاف لاعب كرة قدم لفترة طويلة جراء ارتكابه سلوكا غير رياضي ويتبع ناديا جماهيريا، تُكال الاتهامات لبعض دوائر صناعة القرار ويتم إقحام اسم جهات مختلفة بالدولة على أنها تقف وراء ذلك لصالح فريق منافس، ويتم تجييش المشجعين وإقناعهم بهذه الرواية من جانب منصات إعلامية معلومة في محاولة للضغط لرفع العقوبة.
أكثر لاعب مصري تسبب في مثل هذه الأزمات هو محمود عبدالرازق الملقب بــ”شيكابالا” الذي يلعب لنادي الزمالك صاحب الجماهيرية الكبيرة، حيث تعرض اللاعب للإيقاف المتكرر من جانب اتحادات الكرة المتعاقبة بسبب تصرفاته السلبية واعتياده الخروج عن التقاليد الرياضية وافتعال أزمات تستوجب العقوبة.
في كل مرة يتعرض شيكابالا لعقوبة تنتفض جماهير الزمالك لاتهام دوائر رياضية وحكومية لها انتماءات كروية بعينها بأنها تقف وراء معاقبة اللاعب، لكونه كابتن الفريق وصاحب موهبة لافتة، والإيحاء بأن استهدافه يأتي كمحاولة لإرضاء جمهور الفريق المنافس، أي جمهور النادي الأهلي، الذي اعتاد توجيه هتافات عنصرية ضده واستفزازه لدفعه إلى الخروج عن طوره دائما.
جاءت العقوبة الأخيرة التي وقّعها اتحاد الكرة على اللاعب لتسكب الزيت على النار بين جمهوري الأهلي والزمالك، فهناك شريحة من مشجعي المارد الأحمر يقولون إن الدولة انتصرت لهم واستجابت لضرورة قسم ظهر “شيكا”، والمشكلة أنه شخصيا يوحي بذلك ضمنيا بأنه مستهدف ما دفع جمهور النادي الأبيض للانتفاض والضغط لتخفيض العقوبة.
ضغوط شعبية
شيكابالا يكاد يكون أكثر من تعرض للعنصرية والهتافات المسيئة داخل الملاعب المصرية من بعض جماهير الأهلي
بسبب شيكابالا، صاحب الخمسة والثلاثين عاما، أصبح اتحاد الكرة المصري يعيش أزمة حقيقية، فهو مطالب بالنظر في تخفيف عقوبة اللاعب، وهي الإيقاف ثمانية أشهر، استجابة للضغوط الواقعة عليه، في حين يلوّح كابتن الزمالك بأنه “سوف يحصل على حقه بذراعيه” في حال استمر الإيقاف دون تخفيض، وهي اللغة التي يستخدمها الخارجون عن القانون وتتعارض مع هيبة الدولة ومؤسساتها.
قرر اتحاد الكرة إيقاف شيكابالا ثمانية أشهر وتغريمه نصف مليون جنيه، لسلوكه غير الرياضي ضد رئيس الاتحاد خلال احتفالية تسليم درع الدوري للزمالك مؤخرا، وصارت العقوبة مثار حديث الشارع الرياضي وتحولت إلى قضية رأي عام بسبب التصعيد الذي يقوم به اللاعب وبعض المنابر الإعلامية التي تدعمه، ولها انتماءات رياضية تميل إلى تشجيع الزمالك.
أزمة شيكابالا أنه نجح في إقناع جمهور النادي الأبيض بأن استهدافه بتكرار معاقبته على أيّ تصرف يستهدف الكيان نفسه، والصمت يقود إلى تدمير الفريق لصالح النادي المنافس، باعتباره الكابتن الذي إذا نال عقوبة لأيّ هفوة أو كلمة فذلك يمس هيبة الزمالك وكرامته وشموخه وجماهيره ما يستوجب مساندته بكل السبل.
يتعامل مشجعو الزمالك مع شيكا باعتباره رمزا لا يجوز الاقتراب منه أو صدور عقوبة ضده، بدعوى أن كل تصرف سلبي يقوم به يكون مجرد رد فعل عن الهتافات المسيئة والتي تأخذ منحى عنصريا بسبب بشرة اللاعب السمراء، والتي يتعرض لها من جماهير الأهلي، وهي مبررات زرعت داخل اللاعب قناعات بأنه مظلوم، ما شجعه على التمادي في الخطأ، بعيدا عن تداعيات ذلك على الاستقرار الرياضي.
اتحاد الكرة يقرّر إيقاف شيكابالا ثمانية أشهر وتغريمه نصف مليون جنيه، لسلوكه غير الرياضي ضد رئيس الاتحاد خلال احتفالية تسليم درع الدوري للزمالك مؤخرا
منحه جمهور الزمالك العديد من الألقاب التي تنم عن إعجابهم بمهاراته الكروية، مثل “الأباتشي” كناية عن سرعته الخيالية داخل الملعب، و”الفهد الأسمر”، تعبيرا عن قدراته وإمكانياته القوية عند مواجهة منافسيه، مع أن اسم شيكابالا ليس لقبه العائلي، بل هو اسم لاعب زامبي كان نجما متألقا مع منتخب بلاده، وبحكم التشابه في الشكل والمهارة بينهما أطلق هذا اللقب عليه منذ صغره.
ورغم ألقابه المحدودة مع الفرق التي لعب لها محليا وعربيا ودوليا، فإن المتابع له داخل الملعب يشعر أنه أمام موهبة لم يحسن استغلال قدراتها وحرم نفسه من الوصول إلى مكانة أعلى لعدم الالتزام واستسهال افتعال الأزمات وكثرة العقوبات التي تعرض لها خلال مسيرته الكروية، كلاعب بالزمالك أو ضمن صفوف منتخب مصر.
كانت أول عقوبة تعرض لها اللاعب، وهو في عمر 13 سنة فقط، حيث تم إيقافه عن تمثيل منتخب مصر للناشئين والشباب لتطاوله على فاروق السيد مدرب منتخب الناشئين آنذاك والذي تقدم بمذكرة لاتحاد الكرة لإيقاف اللاعب لسوء السلوك، وخلال عام 2007 تم إيقافه 3 مباريات لقيامه بسب جمهور النادي الأهلي بعد إشارته على الحذاء لهم.
بعد احترافه في نادي باوك اليوناني لم يسلم من العقوبات وجرى إيقافه من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم ستة أشهر وتغريمه 990 ألف يورو بعدما ترك فريقه دون سابق إنذار ورفض استكمال اللعب معه وعاد إلى مصر، ثم بعد التحاقه بصفوف الزمالك مرة أخرى تعرض للإيقاف لتجاوزه بحق الجهاز الفني وتوجيه السباب لبعض أفراده.
خلال عام 2014 ورّط الزمالك في دفع 550 ألف يورو بعدما وقّع لفريق سبورتينغ لشبونة ورفض استكمال الموسم معه ليعود إلى النادي الأبيض وتستمر بعدها مناوشاته مع الجماهير الحمراء (النادي الأهلي) ويضع نفسه في ورطة الاعتداء اللفظي على أحمد مجاهد رئيس اتحاد الكرة المؤقت مؤخرا ويعاقب لسلوكه غير الرياضي.
هتافات عنصرية
جمهور الزمالك يسبغ على شيكابالا العديد من الألقاب التي تنم عن إعجابه بمهاراته الكروية، مثل {الأباتشي}
يكاد شيكابالا يكون أكثر من تعرض للعنصرية والهتافات المسيئة داخل الملاعب المصرية من بعض جماهير الأهلي بسبب بشرته السمراء، لكن العداء بين الطرفين له جذور، فهو الذي سبق ووقّع للنادي الأحمر نكاية في الزمالك الذي فسخ التعاقد معه لتمرده على الإدارة والمدرب وبعدها رفض اللعب للأهلي، وقال إن تصرفه كان مجرد تحرك لاستفزاز إدارة الزمالك.
حينها شعر جمهور الأهلي بأنه أمام لاعب يمارس هواية التلاعب باسم النادي وجمهوره، ويستغله لتحقيق مآرب شخصية ولا يريد اللعب له تحت أيّ ظرف، فتسرب لدى المشجعين إحساس بالكراهية يكنها شيكا لهم ولفريقهم، فلم تنس الجماهير له هذا الموقف وقررت مطاردته بالهتافات العنصرية كنوع من الانتقام على تصرفه الذي لا يليق بمكانة واسم فريقهم.
مشكلة اللاعب أنه لم يبحث عن حل لمشكلته مع جمهور الأهلي، وتعمد التعامل معهم بندية والرد على مشجعي النادي بالأسلوب الذي يرضيه، فتارة يرفع الحذاء في وجوههم، وأخرى يوجه إليهم السباب، وثالثة يرد عليهم بطريقة استفزازية، فأزمته الأزلية أنه لاعب عصبي ومن السهل أن يفقد السيطرة على تصرفاته، وهي النقطة التي استثمرها المشجعون بعدما فهموا شخصيته وحفظوها بأنه منفلت في ردة فعله وقت الضيق.
جمهور الزمالك يسبغ على شيكابالا العديد من الألقاب التي تنم عن إعجابه بمهاراته الكروية، مثل “الأباتشي” كناية عن سرعته الخيالية داخل الملعب
استساغ بعض المتعصّبين داخل الملاعب المصرية، وتحديدا جمهور الأهلي، إخراج شيكابالا عن طوره ليجنّ جنونه ويقع في الخطأ، ثم يتعرض للعقوبة، فلم يتعظ أو يتعلم أن يستقبل الإساءة بأعصاب هادئة مع الشريحة التي فهمت وحفظت شخصيته بأنه يتعصب من أقل كلمة أو إشارة وصار فريسة من السهل إيقاعها في شر أعمالها.
في كل مرة يبرر شيكابالا أنه معذور، ويدعمه أغلب مشجعي الزمالك في ذلك للاستهداف الدائم ضده، لكنه لا يدرك أن خطأ الجمهور لا يجب أن يوازيه خطيئة لاعب، وليس مطلوبا منه أخذ حقه بطريقة تضعه في وجه العقوبات باستمرار وتجعله في مرمى الاتهامات بأنه سبب الوقيعة بين رواد الملاعب.
صارت تصرفات اللاعب وعلاقته المتوترة بمشجعي الفريق المنافس سببا رئيسيا في تعامل الأجهزة الأمنية مع مباريات الأهلي والزمالك بحسابات دقيقة خشية تهور الجمهور وحدوث احتكاكات ومناوشات تقود إلى ارتكاب مذبحة جديدة تعيد إلى الأذهان ذاكرة مجزرة ملعب بورسعيد التي راح ضحيتها 72 مشجعا أهلاويا.
صحيح أن ما يتعرض له شيكابالا من عنصرية وسباب يفوق طاقة أيّ لاعب، إلا أن مشكلته أنه ينزلق إلى الخطأ بسهولة مدفوعا بغضب مكتوم من تجاهل إدارة الأهلي لتحث جمهورها على عدم الهتاف العنصري ضده، وتعامل اتحاد الكرة ولجنة الانضباط الرياضي برعونة مع كثرة محاولات استهدافه لفظيا والطعن في شرف أسرته.
صاحب مزاج خاص
رغم مهاراته الكروية واعتباره ضمن أفضل اللاعبين المصريين طوال العشرين سنة الماضية، فإنه لم يتعلم أو يخطط لنفسه كيف يكون قدوة حسنة ومثلا أعلى. يقول عنه أغلب النقاد الرياضيين إن تعصبه أضاع عليه أن يكون لاعبا فذا، فعدم ثباته الانفعالي ورفضه نقد الجمهور جعلاه يركز مع المدرجات أكثر من كرة القدم، حتى صار التمرد سمة طاغية على شخصيته إلى درجة أنه يرفض الجلوس على دكة البدلاء أحيانا.
لم يسلم منه جمهور الزمالك نفسه، حيث سبق له البصق عليهم عقب مباراة خسرها الفريق أمام الأهلي وتعرض للهجوم من جانب مشجعي ناديه، لكن جاء تصرفه انفعاليا بطريقة دفعت مجلس الإدارة والجهاز الفني لتوقيع عقوبة عليه بالخصم من راتبه وتجميده بعض المباريات، ثم عاد للملعب كأن شيئا لم يحدث.
يفسر البعض استمرار شيكابالا على نفس التصرفات غير المسؤولة بأنه يتعامل مع نفسه باعتباره وريث مرتضى منصور رئيس النادي السابق الذي كان يتعامل معه الجمهور على أنه الوحيد القادر على الوقوف بوجه استهداف الزمالك ويجلب له حقوقه باستخدام الصوت العالي والانفلات في المواقف والتصريحات.
شيكابالا حين يتعرض لعقوبة تنتفض جماهير الزمالك لاتهام دوائر رياضية وحكومية لها انتماءات كروية بعينها، بأنها تقف وراء معاقبة اللاعب، لكونه كابتن الفريق وصاحب موهبة لافتة
أثبتت الكثير من المواقف أنه كان يمكن تقريب وجهات النظر بين مجلسي الأهلي والزمالك وجمهوريهما باعتبارهما أكبر ناديين شعبيين في مصر لولا أن تصرفات شيكابالا غير العقلانية حالت دون ذلك، ويكفي ما قاله سيد عبدالحفيظ مدير الكرة بالأهلي من أن مجلس إدارة الأهلي كان يجهز لتهنئة المنافس بالفوز بالدوري إعلاء للروح الرياضية، لكن السباب الذي وجّهه أحد اللاعبين، ويقصد شيكابالا، ضد النادي وجمهوره أوقفت هذه الخطوة في اللحظات الأخيرة.
المعضلة ترتبط بكونه شخصية تطاردها لعنة الاضطهاد، وهذا نابع من جذوره الصعيدية، إذ ينتمي لمحافظة أسوان أقصى جنوب مصر، والبعض هناك يشعر بأن نظرة المصريين إليهم مختلفة، مع أن العديد من الرموز السياسية والاجتماعية خرجت من رحم الصعيد.
تزداد المشكلة عندما يكون الكثير من مشجعي نادي الزمالك يشعرون بالاضطهاد أيضاً، ولديهم إحساس دائم بأن أجهزة الدولة تساند الأهلي على حساب فريقهم، مع أن أغلب الشخصيات العامة والسياسية انتماءاتهم الكروية تميل ناحية نادي الزمالك، وعلى رأسهم مصطفى مدبولي رئيس الحكومة، وأشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والمشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري السابق.
العرب اللندنية