كتب – قادري أحمد حيدر
نعم: كما أشار القائد السياسي والفارس النبيل/ أنيس حسن يحيى، كان أبوبكر يرى ويشاهد كيف تتساقط وتتهاوى الأحلام والأماني.
صحيح! وهو بهذا مثلك، وأنت تشبهه ويشبهك في اشياء سياسية وحياتية وإنسانية عديدة، فانتما من طينة الفرح والجمال والألق الذي يساعدنا على البقاء على قاعدة الاعتصام بالأمل والعمل.
كان أبوبكر بعقله الرائي يرى البعيد، يرى بعيني زرقاء اليمامة، كان يرى كل ذلك التهاوي والخذلان والتساقط سحابة صيف، لأنه قارئ عظيم للتاريخ كإخوته الكبار عبدالله باذيب، وعلي باذيب الملهمين الخالدين في صفحة التاريخ وفي سماء العلى حيث تسكن النجوم .. كان يرى كل ذلك التساقط أمراً ضرورياً وحتمياً لتتجدد الحياة، كما تتساقط أوراق الأشجار في خريف العمر منذرة ببداية الربيع.. لم تغب صورة ومعنى الربيع من حياته حتى وهو يدلف إلى مغادرة النصف الأول من الثمانينيات من العمر، كان يدرك أن كل ذلك معاندة سمجة، و” هبلة”، كما يقول أولاد وشباب عدن .. هو تساقط عابر وستعود الأماني والأحلام وقائعاً نظرة. فما سطرتموه جميعاً من بطولات وامجاد: عبدالله باذيب وعلي باذيب وأبوبكر باذيب وقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف، وعبدالفتاح اسماعيل، و سالم ربيع علي (سالمين) محمد صالح (مطيع) ومحمد سعيد عبدالله (محسن) وأنيس حسن يحيى وأحمد سعيد باخبيرة وعلي عنتر وزكي بركات، وغيرهم .. كل ذلك آت لا محالة، عائد بمضامين أعمق، فلا نستكن ولا نهن للمعاندة السلبية لبعض الاتجاهات القافزة على حركة التاريخ. أنا متأكد أننا سنرى عناقيد فرحك/ فرحكم، القديم/ الجديد في حلة إبداعية نوعية جديدة مزنرة بمشاقر العشق الاتي، ومزينة بالأمل والعمل الذي وضعتم مداميكه الأولى يا أبوبكر، قبل أكثر من ستة عقود.
نحن تلاميذكم متمسكون بما بدأتم ، وكما لم تخذلونا يوماً، لن نكون سوى تلاميذ على ذات الخطى التي مشيتم عليها، ورسمتموها لنا وللأجيال من بعدنا.
منك وبك ومعك يا أبابكر نستمد الأمل، ونواصل خطواتنا نحو استكمال ما بدأتموه، نتعثر هنا، نقف هناك، نتأمل نتروى نفكر لكننا متمسكون بما عشقتموه، الأمل والعمل، ذلكم هو خيارنا الوحيد، على الأقل كشكل من أشكال الاحترام لأنفسنا ولتاريخنا، وجزء من الوفاء لك/ لكم.
كان أبوبكر عمره كله يعطي لم يأخذ شيئاً، ولم ينتظر أن يعطيه او يشكره ويكافؤه أحد، حتى آخر لحظة في عمره استمر يقدم ويعطي لكل من حوله، استمر يعطي برحابة صدر وبعقل مفتوح على الحياة حتى وهو في قمة التعب .
الحياة بالنسبة لأبي بكر لحظة شموخ .. الحياة عنده باختصار هي وقفة عز، وانتصار لكرامة الإنسان والوطن، هكذا عرفته.
ساعده على ذلك أن الكتاب والمجلة وجميع وسائط التواصل المعاصرة لم تفارقه حتى في أحلك ظروفه الصحية.. يتابع كل جديد في الفكر والثقافة والسياسة، ومهجوس بمعرفة ومتابعة تفاصيل حياة الناس اليومية المعيشية، وكنت التقط من أحاديثنا المشتركة معاني ومفاهيم جديدة عن الناس، والحياة.. كان ايجابيا بصورة ملفتة، حتى حين يوجه نقده أو نصائحه القوية كان يغلفها باستعارات وكنايات تخفي وتمتص قوة تلك الحدة في الطرح والنقد.
كان استاذي وأخي وصديقي.. كان يعيش حياته اليومية بأقصى درجات الصدق مع كل من حوله، لم يكن متصالحاً ومنسجماً مع الواقع كيفما اتفق، إلا بمقدار ما يؤدي ذلك إلى تصحيح الخطأ في مجريات ذلك الواقع المعاش.
ولذلك كان متصالحاً مع نفسه ومنسجماً مع خط التقدم في الحياة والتاريخ “يكفيه فخراً أنه لم يخدع أحداً باي قناع.. لهذا بقي في القلوب ولم يسقطه أحد من رفاقه من ذاكرته”، هذا ما قاله عنه الاستاذ/ أنيس حسن يحيى رفيق دربه في تحيته له، وكان صادقاً في كل ما كتبه عن أبي بكر.
هي مرات قليلة التي يمنعني شدة الحزن وألم الفراق على صديق عزيز من القدرة على الكتابة عنه، وأبوبكر واحداً منهم، فعنك يا ابابكر يكون الكلام الجميل، ومثلك من تستحيل الكتابة عنهم نزيفاً من الدمع يسبق فيها الدمع الحبر على صفحات الورق، لم أعلم أن محبتك في أعماق روحي هي لهذه الدرجة، إلا حين وجدتك مسجى على فراش الموت وأنت في قمة البهاء والألق، وكأننا في مثل جلساتنا المعتادة في الأيام الخوالي.
إذا كانت مفردة وكلمة “الأستاذ” حين نطلقها، كان معناها ودلالتها تذهب مباشرة إلى الأستاذين:
أحمد محمد نعمان، وعبدالله البردوني، فإن مفردة وكلمة “الأستاذ”، وكذلك تعبير “اليسار المقاوم” تذهب هنا إلى الأساتذة الأجلاء الكبار/ عبدالله باذيب وعلي باذيب، وأبي بكر باذيب وأنيس حسن يحيى وغيرهم.
لقد جمعتني بالاستاذ/ واليساري العتيد والعنيد/ أبي بكر صداقة شبه يوميه استمرت لما يقارب من عشرين عاماً، حيث كنت أجد في تلك اللقاءات تجديداً لعهد من الصدق والمحبة لاسم كبير ملأ الساحة حضوراً وقوة معنى، فهو من الرعيل الأول من المثقفين والسياسيين الذين أسسوا مداميك الفعل السياسي الوطني والتحرري الديمقراطي في اليمن شمالاً وجنوباً.
في كل زياراتي له كنت اتعلم منه معنى العبارة الصوفية “تكلم حتى أراك”، ومن خلال احاديثه المركزة والدقيقة التي ينطبق عليها مفهوم “الاقتصاد في اللغة”، كان يوجز في خمس من الدقائق من القول ما يمكن قوله في نصف ساعة، لأن الرؤية في عقله واضحة ولا تحتاج لمزيد من الاستطرادات ليوصل الفكرة والمعنى، ولذلك كنت أراه أوضح وأجمل، كنت أراه مع كل جديد مختلفا في القول، والأهم متجدداً في المعنى، الذي يتراكم في عقله مع كل قول جديد.
كنا اثنين في زياراته أو في حضرته مع مطلع كل ثلاثة أو أربعة أسابيع: حسن شكري، وأنا، وبعد استقرار حسن شكري في مكان سكنه الجديد، بقيت مثل السيف واحد في هذه الزيارة التي تحولت إلى طقس اعتيادي ننتظره معا، واحياناً كان يشاركني هذه اللقاءات الاستاذ الصديق/ أحمد الجبلي، وغالباً ما تشاركنا تحية الضيافة، أم يسار، ورامز .علما أن أحمد الجبلي كان أحد تلاميذ أبي بكر في المدرسة الثانوية Secondary School في خور مكسر التي افتتحت في عام 1962م، مع كوكبة من الأسماء الذين صاروا من كبار قيادات الحزب والدولة في جنوب البلاد وحتى في شماله بعد الوحدة، أذكر منهم: عبدالعزير باسودان، محمد جعفر قاسم، أحمد الجبلي .
لم تتأسس علاقتي بالقائد السياسي والوطني الكبير/ أبوبكر باذيب على علاقة ومعرفة سياسية تاريخية، (قديمة)، كما لم تتأسس على الإتفاق، بل على المغايرة والحوار والاختلاف حول قضايا عديدة، اشتبكت خلالها مع خبرته التاريخية باحثاً عن الجديد في الفكرة والمعنى.. وقد تحملني بصير الكبار، على معرفة الكثيرين بحدته في الدفاع عن آرائه. ومن حينها، جمعتنا علاقة مودة وصداقة عامرة بالمحبة، صداقة نجددها بالتواصل الأسبوعي وشبه اليومي عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
أبوبكر باذيب المثقف العضوي، والقائد السياسي والوطني الكبير، على صراحته ودقته في القول وفي التعبير عما يعتقد، تجاه قضايا السياسة والناس والحياة، فهو في أعماقه شخصية ودودة طيبة، وعلى قدر كبير من التواضع، يعتذر حين يخطئ مثل كل البشر الأسوياء .. كنت أنا من يحتاج لمثل تلك الزيارات للجلوس في حضرته كمريد يطلب الاستزادة مما يخترنه في روحه وعقله وذاكرته، كنت في غاية الاستمتاع وأنا أستمع له وهو يحكي الكثير من التفاصيل التاريخية عما دار وكان قبل ستة، وخمسة عقود، وما بعدها.. أبوبكر ذاكرة حية متقدة لا تعرف النسيان، لم أره أو اجده إنتقائياً وهو يحكي سرديته التاريخية، اهتمامه بالتفاصيل تؤهله ليكتب العديد من الرويات في السيرة السياسية والتاريخية للناس، ولليمن المعاصر، وقد صارحني الصديق أحمد الجبلي أكثر من مرة، ومنها أمام أبي بكر ذاته، بأنه على استعداد أن يتفرغ لشهر أو أكثر للقيام بحوار مسجل أو غير مسجل معه، وشاءت الأقدار أن يرحل قبل أن ينجز مثل ذلك العمل.
لمن لا يعرف، فأبوبكر ذاكرة تاريخية حية متحركة، أو حسب تعبير الصديق أحمد الجبلي “مكتبة “. ومع أبي بكر حقاً تجد نفسك أمام مكتبة وليس مستودع أو مخزن ذكريات يحفظ ما كان، بل ذاكرة معرفية ثقافية سياسية نقدية، تضع كل كلمة وحكاية في مكانها من السياق التحليلي والنقدي التاريخي.. كم كنت استمتع بأسلوبه السلس والمحبب والشيق وهو يسرد التفاصيل الدقيقة، وفي ربطها ببعضها البعض، ليصنع منها رؤية في صيغة حكاية اسمها “التاريخ”.
لو كنت أملك ما يجزيك ويرد لك بعض الجميل في أنك سمحت لي بهذه الزيارات الطقوسية الشهرية، لكنت فعلت، ولكنني كما تعلم يا صديقي واستاذي، أنني بدون راتب لأكثر من خمس سنوات، ولذلك لم أتمكن حتى من شراء باقة ورد لأهديك إياها، بل أنه في أحد المرات التي لا أنساها أمسك بيدي ووضع فيها (مائة ألف) ريال، ورفضت أخذها، وطلبت منه ابقاءها لديه لحين الحاجة، ورفض مصراً على أخذها ولم يستطع مقاومتي في الرفض، فتبعتني أم يسار (زوجته) إلى خارج المنزل مصرة ومكررة الحلف على أن آخذ المبلغ فأخذته.. وهو أجمل إكليل وهدية طوقني بها أبوبكر، ليس من حيث القيمة المالية بل من دلالة المعنى الاخلاقي والقيمي والإنساني، من صديق عزيز، ومرة علم أن هناك صديقاً مشتركاً يمر بمحنة في هذه الظروف الصعبة التي نمر بها جميعاً، فأرسل بأسمي (مائة ألف) ريال لذلك الصديق المشترك وتكرر هذا الموقف معي إلى صديق آخر، هذا فقط للإشارة إلى كرمه وسخاء روحه الطيبة، مع أن البعض يحكي من أنه “شحاري”، فقط أورد ما أوردت للقول أنه عاش نظيف اليد ورحل وهو يعطي و لا يأخذ.
كم أحبك يا أبابكر، وكم اشتاق إليك، حزني على فراقك بلا حدود، أشعر كأن شيئاً عزيزاً من نفسي غادرني، وتركني وحيداً، في زمن صار فيه الموت، بمختلف صوره ومستوياته، هو العنوان الكبير الذي يغطي وجه حياتنا اليوم.
قال أخي الأصغر/ جمال، وهو الذي كان يوصلني إلى منزل أبي بكر بسيارته، بعد مواراة جثمان ابي بكر إلى مثواه الاخير، الآن يا أخي، خلاص ذهب أبوبكر، خلاص توقفت الزيارة. قلت له: فقط لتنتقل إلى زيارات قلبية، وهي أعمق وأكثر أثراً في النفس.. فمثل أبي بكر لا تستطيع أن تقول له سوى إلى اللقاء .
هو اليوم أكثر حضوراً في الغياب، اليوم تصل كلمات السؤال عنه من العديد من أقطار الوطن العربي، ومن محبيه داخل الوطن من كل جهات اليمن.
هناك من الناس الأصدقاء كلما اقتربت منهم وتعمقت أكثر فيهم أدركت أنك أكثر فرحا بهم وشوقاً إليهم،
هؤلاء هم الجياد الذين “يختارهم الموت” في الزمن الصعب، زمن يشعرك بفداحة فقدانهم، ومن أن لرحيلهم معنى ٱسر في حياة من حولهم.. وأبوبكر واحد من هذه الأسماء.
في أحد الأيام قلت له أحب أن أكتب عن قضية، وقصة، القائد السياسي/ رجل الحزب والدولة، الذي كان أحد قيادات دولة الجنوب السابقة، والذي هو اليوم دون منزل / سكن شخصي، لا في الشمال ولا في الجنوب، حيث ولد وعاش وحكم ضمن دولة الاستقلال. فقال لي: بكلمة واحدة: لا داعي لذلك، لأن من صادر واستملك منزله الشخصي في جنوب البلاد، هو “قائد اشتراكي ٱخر” من جماعة دولة الجنوب المستقل، المطالبين بـ”الاستقلال الثاني”، في زمن الحرب والفيد والنهب والخراب العظيم.
أبوبكر باذيب، مثقف عضوي، ومفكر سياسي واستاذ تعليم وتنوير.. كان أحد أهم رموز دولة الجنوب في مرحلة من المراحل.. كان حتى آخر لحظة يعيش براتب (145) الف ريال وايجار سكنه الحالي حتى رحيله (130) ألف ريال؟! أليست هذه وحدها معادلة لا أخلاقية ولا إنسانية، بعد أن تخلى الجميع عنه، بمن فيهم من كانوا يحرصون على حضوره اليومي إلى مجالسهم الخاصة، ليستنيروا بارائه، من قيادات الدولة “الشرعية” وعلى رأسهم الرئيس / عبد ربه منصور هادي.
كان يقول لي: لقد اكفوني أولادي، يسار ورامز، حاجة السؤال وطلب العون من أحد. هذا بعد أن بلغ من العمر عتيا، تنكر له الجميع وهو في قمة التعب والمرض، ولم يثر كل ذلك حزنه وغضبه وحنقه أو تبرمه، ولم أسمعه يوماً يشكو حول وضعه الصعب المالي، والمرضي. وأقسم بالله ثلاثاً أنني عرفت فجأة وبالمصادفة وبعد عدة اشهر أنه يذهب يومين أو ثلاث أيام أسبوعياً لعمل “الغسيل الكلوي”، قيمة كل يوم غسيل (25) ألف ريال، أي بما يعادل في الشهر ثلاثين ألف (30000) ريال، ولم يتكلم أو يشكو من التعب والمرض، فقد اكفوه أولاده يسار، ورامز، الحاجة للسؤال. كان يقول: استثمرت ورفاقي في الكفاح السياسي والوطني، فأنجزنا الاستقلال والدولة الوطنية العظيمة في جنوب البلاد، واستثمرت في تعليم أولادي فكانوا عوني وسندي، في ما تبقى من العمر، ولست نادماً على شيء يا قادري، ما ينفع الناس يمكث بين الخلق، أما الزبد فيذهب جفاء، فقد استثمر في الحالتين في ما يعمر الأرض، ويبني الدول، وفي ما يشيد معنى مجد الإنسان ( التعليم في الأبناء). هذا هو أبوبكر، الصديق والاستاذ النبيل والفارس الجسور والمعطاء في كل الأحوال.
عزة نفسه وكبرياؤه وكرامته الشخصية تعانق السماء شموخاً وإباءً وسمواً ورفعة، عاش قائداً سياسياً واضح المعالم، وغادرنا حريصا على كل شيء في البلد: اليمن والشعب والحزب والاصدقاء.. غادرنا وهو نقي الروح طاهر النفس نظيف اليد، كما وجد أول مرة على ظهر هذه البسيطة.
الله ما أجملك وأروعك حين تضحك، وحين تكون في قمة الغضب لسوء الوضع السياسي العام، في كل الحالات كنت الأصدق والأصوب والأجمل في الرؤية وفي الموقف.. كان، رحمة الله تغشاه، يتمنى أن يغادر الدنيا وهو بكامل قواه العقلية والنفسية والصحية، فغادرها وقوفاً مثل باسقات النخيل، وهو ما كان.
كان يرجو من الحياة أن لا تقسو عليه فتقعده بالمرض عن الحركة، على أن يهتم بالحد الأدنى من شؤونه الحياتية، فكان له ما أراد، علما أن “أم يسار”، أطال الله في عمرها وأعطاها الصحة، كانت تكفيه كل ما يحتاج.. كان كل منهما يجد في الأخر السند، وكان لهما ما أرادا، علماً أن رحيله المفاجئ الذي لم تكن تتوقعه، هز كيانها من الأعماق بعد أكثر من نصف قرن معا في مواجهة التحديات الصغيرة والكبيرة.
رغم كل مآسي البلاد التي المت بالناس جميعاً على أن بارقة الأمل بالآتي لم تغادر تفاؤله الفكري الذي كان به يقاوم عفن وانحطاط الواقع الفاسد.
كنا أحيانا نبدأ أحاديثنا بما يشبه التشاؤم من بؤس الواقع الذي نعيش، وحين نمر معه نقرأ بعض صفحات التاريخ المقاوم للإنسان في بلادنا، نجد أنفسنا نختتم أحاديثنا بكل التفاؤل الذي في الدنيا، ومن أن الآتي أجمل وأن الفجر مازال طفلاً.
ختاماً لهذه التحية أقول:
ليس مصادفة ولكنها الصدفة التي تؤكد معنى الضرورة، من أن اثنين من الثلاثي الأخوة / باذيب ووري جثمانهما الثرى في أرض صنعاء (علي باذيب/ وابوبكر) وقبلهما سكن جسد المؤسس العظيم عبدالله باذيب، تراب عدن الطاهرة. فحتى في موتهم النبيل والجليل والحزين معا، كانوا يجسدون معنى الهوية اليمنية، معنى وحدة التراب ، وحدة اليمن، وحريته وديمقراطية، ولم يكن شعار عبدالله باذيب وأخوته، ورفاقه الكرام في “الاتحاد الشعبي الديمقراطي” بـــ “يمن ديمقراطي موحد” عبثاً واعتباطاً، بل تجسيداً لذلك المعنى التاريخي العميق لوحدة الأرض والإنسان منذ نقش “يمنات”، في التاريخ اليمني القديم، حتى “يمن ديقراطي موحد” وصولاً لشعار “لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية ” ترنيمة شمس”، كان/ كانوا، كما احتوتها النقوش اليمنية القديمة.
كانت اليمن، كل اليمن، حاضرة في عقولهم وفي وجدانهم من الميلاد، للحياة حتى الرحيل، جميعهم كانوا عنوانا ليمن الحرية والمواطنة والديمقراطية والمساواة، وليس يمن “الوحدة بالحرب” و”الضم والإلحاق” يمن الفيد والغنيمة، يمن “الفرع”، و”الأصل”.. وهنا تكمن قيمة ومعنى الثلاثي/ الكبار، عبدالله عبدالرزاق باذيب وعلي باذيب وأبوبكر باذيب.
إلى جنة الخلد، مع الصديقين والشهداء ايها القادة العظام.